٭ منذ أن انطلقت قناة الجزيرة قبل ما ينيف على عقدٍ ونصف من الزمان ومعظم المشاهدين بمختلف توجهاتهم الفكرية وانتماءاتهم الحزبية في بلادنا يتابعونها كلٌ من الزاوية التي تليه، وكان لأخبارها فعل السحر ولبرامجها وقع الرضى.. وقد ازدانت بكثير من وجوه الاعلاميين السودانيين من العاملين بالاذاعة والتلفزيون وأفكارهم وخبراتهم وأسمائهم، فمن تلفزيون السودان اختار العضو المنتدب «وقتها» محمد جاسم العلي الأساتذة الزبير فضل السيد نايل «الغزال الأسمر» الذي كان يطل بوجهه الصبوح من شاشة الجزيرة قبل أن يحال للكواليس لنسمع صوته ولا نراه.. وإسلام صالح.. وحسن آدم أبو الحسن.. وعمَّار عجول وكمال عبد الوهاب.. وحسن ابراهيم «البطل».. ومن الاذاعة المرحوم حامد عبد الرؤوف.. ومحمد الكبير الكتبي.. ولقمان حسن همَّام.. وغيرهم كثيرون.. ثمَّ أسعدنا أن يتسنم الأستاذ «السوداني روحاً» وضَّاح خنفر سدة الادارة العليا وهو الذي عاش في قرية الكباشي ودرس في جامعات السودان وتتلمذ على يد البروفسير ابراهيم أحمد عمر ومن أخلص أصدقائه د. مصطفى عثمان اسماعيل. ومع ان تغطية الجزيرة ظلَّت على الدوام مناوئة «إلى حد كبير» لسياسة بلادنا قياساً بالتزامها المطلق بالدفاع عن قضية العرب المركزية فلسطين.. وانحيازها للشعب العراقي ضد الاحتلال الأمريكي.. ودفاعها المستميت عن حزب الله والمقاومة اللبنانية.. ووقوفها مع أفغانستان ضد الهيمنة الغربية.. إلا إنها بالمقابل كانت تفتح فضاءها اللامتناهي للمعارضة السودانية المسلحة الحركة الشعبية لتحرير السودان حتى حسبنا ان ياسر عرمان هو مراسل الجزيرة في نيروبي.. والحركة المسلحة في دارفور العدل والمساواة حتى أصبح أحمد تُقُد لسان.. لسان حال الجزيرة وكل الأسماء المعارضة لحكومة السودان بالداخل والخارج من إعطاء بعض الفرص «على استحياء» لممثلي الحكومة أو الحزب إنقاذاً لشعارها «الرأي والرأي الآخر» ، وحدثت مشادَّات واحتكاكات ومخاشنات انتهت «بالصلح» وأفردت القناة أسبوعاً كاملاً في برنامج عين على السودان وغيره من البرامج والمقابلات، وأتاحت فرصاً للتدريب في مركزها الرائع واستوعبت في وظائفها العديد من الخبرات الاعلامية السودانية من العاملين في مختلف مواقع «الشبكة»، وغطت الجزيرة الانتخابات والاستفتاء واعلان دولة جنوب السودان بمنتهى المهنية رغم الهنَّات والزلَّات التي لا تؤثر على المحصلة النهائية. ٭ ولقناة الجزيرة دورٌ معلوم ومشهود في إنجاح الثورة التونسية ومن بعدها الثورة المصرية ووضعت الناس حكاماً ومعارضين ومتفرجين في قلب الحدث حتى أحسَّ الكل بأهمية الاعلام كإحدى أدوات التغيير وليس التعبير، وشكلَّت الجزيرة الكثير من المفاهيم ووحدت الوجدان خلف القضايا المصيرية وأولها «الحرية.. والكرامة.. والديمقراطية»، ورسخت بعض العبارات والمفردات التي أصبحت أمثالاً وضرباً من التندر الذي يجمع بين المتعة والفائدة «زنقة زنقة».. «وهَرِمْنَا» وغيرهما.. إلا أنني بدأت أحس بالملل الذي يدعوني للانصراف إلى قنوات أخرى هروباً من التكرار والصور الباهتة والتقارير المطوَّلة لأحداث تدور حول نفسها وعمليات «الكر والفر» بين ثوار ليبيا وكتائب القذافي.. وبين السوريين وقوات الأمن والشبِّيحه.. وبين الحرس الجمهوري اليمني واللقاء المشترك والشباب.. ثمَّ العودة إلى ميدان التحرير في القاهرة وهكذا أصبحت نشرات الأخبار تدور في حلقة مفرغة لا يُدرى أين طرفاها.. فما ان تنتهي النشرة حتى تبدأ نشرة بذات الصياغة والصور المصاحبة لها.. والضيوف داخل الأستديو وخارجه يمضغون ذات العبارات ويلوكونها.. وأنا شخصياً وغيري بالملايين مع ارادة الجماهير المطالبة بضرورة التغيير واسقاط تلك الأنظمة وأي أنظمة أخرى جاءت أشراط تغييرها!! لكن المعالجة المملة قد تؤدي إلى نتائج عكسية ليس في مطالب الجماهير الذين ضحوا بدمائهم من أجل هذه «التُربة»!! ولكن في انصراف المتلقي عن هذه الشاشة إلى قنوات أخرى بها تناول أكثر حيوية من الذي تقدمه قناة الجزيرة وضيوفها الذين أدمنوا الظهور دون أن يقدموا أي جديد.. وحتماً ستنتصر ارادة الجماهير ومن قبلها ارادة المولى عزَّ وجل الذي حرَّم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرَّماً.. ليبَّدل هؤلاء الحكام الظَلَمة قساة القلوب سافكي دماء الأبرياء.. بغيرهم ثمَّ لا يكونوا أمثالهم. ٭ وقد استرعى انتباهي اهتمام قناة الجزيرة بأخبار لا ترقي لمستوى العالمية ومنها «الغرامة ستمائة دولار على صحفية لادانتها بنشر أخبار كاذبة!!».. أو استقالة «موظف في ولاية الخرطوم!!».. بالذمة دي أخبار عالمية.. أم انه الترصد واصطياد الاثارة.. وإلا لكان ايقاف محمد بن همَّام «القطري» رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم لادانته «بالحق أو الباطل» بدفع رشاوي أحق بالاهتمام لكن الجزيرة سكتت «سكوتاً مخزياً» وربما بتعليمات عليا عن الخوض في هذه القضية والدفاع عن الرجل الذي أزاحه السويسري «سيب بلاتر» عن منافسته على رئاسة الفيفا التي يضرب الفساد بأطنابه في ربوعها.. وقد استقال قبل ايقاف بن همام.. جاك وارنر وكلاهما كانا من المقربين لسيب بلاتر الذي قال لهما «سيبك» وطفق يعزز موقفه بادعائه الكذوب بأنه يطهِّر «عائلة الفيفا» كما يسميها من المفسدين.. وحيثيات كثيرة وكبيرة تكتنف ايقاف بن همام مدى الحياة على يد «لويس فريح» مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي السابق.. وبرعاية سيب بلاتر.. فأي الفريقين أحق بالأمن.. أو بالنشر؟! ٭ وقف الناس يتطلَّعون لرؤية هلال شهر رمضان فرآه غلامٌ اسمه بخيت.. وفرحوا وأشادوا ببخيت «فالح يا بخيت» وأعجبه الثناء ثمَّ التفت شرقاً وقال «داك كمان هلال تاني». وهذا هو المفروض