لم يعد خافيا على أي إنسان بطول البلاد وعرضها حرص الحكومة وأذرعها المختلفة وتكالبها المحموم على تحصيل الرسوم وزيادة الإيرادات التي في المقابل يفترض أن تعود على المواطنين في شكل خدمات ينعمون بدفئها ويستمتعون بحلاوتها، ولعل أكثر ما يطل على البال في هذه الأيام رسوم تحصيل المياه التي تتباين وتتفاوت قيمتها تبعا للدرجة وربما الولاية التي يقطنها المواطن. وبالرغم من أن حال أهل الغالبية العظمى من سكان العاصمة القومية محل الطيارة بتقوم والرئيس بنوم ينطبق عليه قول الشاعر القديم في القدح لا المدح «ونشرب إن وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدرا وطينا» فهل من كدر وطين يمكن أن يجنح له خيال بشر أكثر من الذي تجود به صنابير مياه الخرطوم إن تنازلت وجاءت على نفسها ورضيت بضخ الماء ومع ذلك كله ترى موظفي الهيئة لا يكفون عن المطالبة برسوم التحصيل بل إن الهيئة زادت في طلبها لتحصيل الرسوم بأن شرعت في تركيب عدادات الدفع المقدم ببعض الأحياء غير أن الفكرة لم ترق للمواطنين وقوبلت بالاستهجان ولم يجد والي الخرطوم بدا من الرضوخ والسماع لصوت الغالبية الصامتة من الجماهير فأصدر قرارا بإيقاف تركيب عدادات الدفع المقدم . ولعل الحال بالولايات لا يختلف كثيرا عما يجري في الخرطوم رغم يقين العامة أن من حق الهيئة تحصيل الرسوم شريطة توفير الخدمة بالصورة المرجوة التي ترضي المواطنين وترضيهم عنها بل إن الهيئة ببعض الولايات لا تتورع في الاستعانة بالشرطة في تحصيل رسومها حتى أضحت فئة من المواطنين غير ميسوري الحال تنفذ بجلدها هربا من ملاحقة متحصل المياه الذي يداهم منازل من لم يسددوا الرسوم وفي معيته الشرطة فيهجرون القرية بأكملها فيتجهون إلى الخلاء والترع والقناطر ولا يعودون إلى القرية إلا بعد التأكد من مغادرة المتحصل والشرطة لها ولا تخلو مواقف مطاردة المتأخرين عن السداد من طرف وملح تسير بذكرها الركبان فقد وقع أحدهم في قبضة المتحصل وتم حبسه في أحد فصول المدرسة بالقرية ريثما يكتمل العدد وفي الأثناء تحصل المقبوض عليه على هاتف واتصل على زوجته بغية الحصول على مبلغ يفك أسره فأخذت تحاوره وتشاوره على بيع بعض المتاع بالمنزل فكلما أشارت عليه بشيء رفض حتى بلغ بها الأمر أن عرضت عليه بيع بعض الذرة المتبقي في آخر جوال بالمنزل فهنا ثارت ثائرته وقال لها في امتعاض يا ولية إنتي جنيتي تبيعي العيش أأكلك شنو؟