الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    محسن سيد: اعدادنا يسير بصورة جيدة للقاء انتر نواكشوط    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من هم سكان السودان قبل ظهور المسميات القبلية الحالية
حول أصول سكان السودان (8)
نشر في الصحافة يوم 30 - 07 - 2011


قبيلة البليين
تناولت قبيلة البليي في دراسة سابقة بعنوان «سكان السودان قبل القرن الخمس عشر الميلادي والحلقات التاريخية المفقودة بين
الماضي والحضر: قبيلة البليين نموذجاً» قدمت إلى مركز التنوير المعرفي بالخرطوم في أكتوبر 2010، ثم نشرت على موقع sudanile.com وقد وصلتني بعض التعليقات القيمة من قراء sudanile الكرام بعضهم من قبيلة البليين نفسها. ونعيد نشرالموضوع هنا مواصلة لتنناولنا قبائل شرق السودان.
ورد ذكر قبيلة البليين لأول مرة عند الادريسي المتوفى عام 560 ه / 1165 م في كتابه «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» وبعد ثلاث قرون ردد ابن الوردى المتوفى سنة 861 ه / 1457 م بعض ما ذكره الادريسي عن البليين. ذكر الادريسي نصين عن البيليين (ص 131 و 135) عند الحديث عن مدينة أسوان جاء في النص الأول:
1. « وربما أغار على أطرافها خيل السودان المسمين بالبليين. ويزعمون أنهم روم وأنهم على دين النصرانية من أيام القبط وقبل ظهور الإسلام غير أنهم خوارج في النصارى يعاقبة، وهم منتقلون فيما بين أرض البجة وأرض الحبشة ويتصلون ببلاد النوبة وهم رحالة ينتقلون ولا يقيمون بمكان مثل مما تفعله لمتونة الصحراء الذين هم بالمغرب الأقصى.»
والنص الثاني:
2. والنص الثاني الذي أورده الادريسي عن البليين (مسعد ص 135) جاء فيه: «وبين أرض النوبة وأرض البجة قوم رحالة يقال لهم البَلِيّون، ولهم صرامة وعزم وكل من حولهم من الأمم يهادنونهم ويخافون ضرهم وهم نصارى خوارج على مذهب اليعقوبية وكذلك جميع أهل بلاد النوبة والحبشة. وأكثر أهل البجة نصارى خوارج على مذهب اليعاقبة كما قدمنا ذكره.»
أما نص ابن الوردي في كتابة «خريدة العجائب وفريدة الغرائب» عند حديثه عن ميناء عيذاب (ص 374) فقد جاء كما يلي:
3. «وبين البجة وبين النوبة قوم يقال لهم البليون أهل عزم وشجاعة يهابهم كل من حولهم من الأمم ويهادنونهم وهم نصارى خوارج على مذهب اليعقوبية.»
فالنصوص حددت مكان البليين ووضحت بعض صفاتهم كما يلي:
1. تحديد المكان:
حدد الادريسي في نص رقم 1 منطقة البليين بأنها بين أرض النوبة وأرض البجة، وهي نفس الحدود التي ذكرها ابن الوردي في النص رقم 3. ولما تناول ابن الوردي البليين عند الحديث عن ميناء عيذاب على البحر الأحمر، فإن ذلك قد يدل أن امتداد حدود البليين شرقاً يصل إلى مبناء عيذاب. ووضح نص الادريسي رقم 2 أن امتداد مناطق البليين غرباً تصل إلى حدود مدينة أسوان حيث يغيرون على أطرافها. وبناءً عليه فإن هذه النصوص قد حددت منطقة البليين ما بين أسوان غرباً وعيذاب على البحر الأحمر شرقا وتمتد جنوباً حتى حدود الحبشة.ً
2.أوصاف البليين:
وصف الادريسي البليون في النص رقم 2 بأنهم رحالة، ووضح في النص رقم 1 أماكن تجوالهم بأنها بين أرض البجة والحبشة والنوبة. ويدل ذلك على أن مناطق تجوالهم واسعة ولا بد أنهم يشاركون غيرهم من قبائل المنطقة التجول في تلك الأراضي. وقد وصف الادريسي تجوالهم هذا مثل تجوال قبائل لمتونة (الصنهاجية نص رقم 1) التي كانت تتجول في المنطقة الصحراوية الواسعة بين جنوب المغرب الأقصى شمالاً وحتى مناطق نهر السنغال جنوباً.
ولمتونة قبيلة كبيرة قامت على أكتافها دولة المرابطين في القرن الخامس الهجري (11 م) والادريسي لذي عاش بين صقلية والأندلس والمغرب العربي كان على علم ودراية بحجم وقوة قبيلة لمتونة الصحراوية, ووصف الادريسي للبليميين بقبيلة لمتونة يشير إلى حجم وقوة قبيلة البليين في لصحراء الواقعة ما بين مصر والنوبة والحبشسة.
وكانت قبيلة البليين كبيرة وقوية وذات وجود مؤثر في المنطقة، فقد اتفق الادريسي وابن الوردي (النصين 2 و3) على وصف الببليين بالقوة والشجاعة، ووضحا كيف أن القبائل الأخرى المتصلة بها في المنطقة تهابها. وتشير النصوص إلى العلاقة التي كانت قائمة بين القبائل في المنطقة، فرغم المنافسة الطبيعية بين القبائل البدوية على أماكن المياه والكلأ إلا أن علاقة البليين بجيرانها كانت تتسم أيضاً بالطيبة وحسن الجوار يدل على ذلك الهدايا التي كانت تصلهم من جيرانهم، ولا بد أنهم كانوا أيضاً يهادونهم.
وقد أشارت النصوص إلى جيران البليين الذين يهابونهم ويرسلون إليهم الهدايا ب «من حولهم من الأمم» (النصين 2 و 3) والامم هنا هم النوبة والحبش والمسلمين في جنوب مصر الذين يصلهم البليون في تجوالهم كما ورد في النص. ويفهم من ذلك أن العلاقات بين البليين وبين تلك الدول كانت على درجة قوية من الصلات، ودرجة متقدمة من التنظيم. وفي واقع الأمر هنالك الكثير من الاشارات في المصادر العربية وضحت نضج التنظيات السياسية والادارية لقبائل المنطقة مثل ممالك البجة التي ذكرها اليعقوبي، والتنظيمات القبلية التي أشار إليها المسعودي وابن حوقل.
ولا يقتصر تنظيم علاقة البليين مع الآمم المجاورة لها فقط، فلا بد وأن تنتظم علاقاتها مع غيرها من قبائل البجة وممالكهم التي وردت الاشارات إليها في المصادر العربية مما يوضح أن المناطق الواقعة بين مملكة المقرة غرباً والبحر الأحمر شرقاً وبين مملكةعلوة والحبشة جنوباً والمسلمين في مصر شمالاً قد كانت في القرون الكثيرة السابقة لقيام سلطنة الفونج مأهولة بالسكان.وشهدت قيام أنظمة سياسية وإدرات قبلية مستقرة.
ووضح النص رقم 1 أن وجود البليين في المنطقة يرجع إلى الفترة السابقة لدخول الاسلام مصر في القرن السابع الميلادي، وأنهم اعتنقوا المسيحية على مذهب اليعاقبة مثل ممالك النوبة المسيحية والذي تم في منتصف القرن السادس الميلادي.
ربط النص رقم 1 البليين بالروم. ومن المعروف أن الروم مقصود بهم البيزنطيين الذين كانوا يحكمون مصر قبل الاسلام.
كما وضح النص رقم 1 أن البليين أصحاب خيل يغيرون بها على جيرانهم.
فالبليون كانوا في القرن الثاني عشر الميلادي ? عصر الادريسي - قبيلة بدوية قوية وكبيرة تتجول في منطقة واسعة مابين حدود أسوان والحبشة والبحر الأحمر. ويبدو البليون ذوي قوة ونفوذ في المنطقة وعلاقات مع جيرانهم في الشمال والجنوب. فمن هم البليون؟ تعددت وجهات نظر الباحثين والرحالة في التعرف عليهم وفيما يلي بعض تلك الآراء:
1. يميل البعض مثل كراوفورد وروسيني (The Fung Kingdom of Sennar p 109) إلى ربط بليين الادريسي ببلين كرن. يكتب كراوفورد بليين الادريسي Belin بينما يكتب بليين كرن Bilen ويبدو أنه يريد أن يوضح فقط الفرق في النطق بين الاسمين.
2. كما ربط كيروان بين بليين الادريسي وبين اليليميين
3. رأى مصطفى مسعد في كتابه (المكتبة السودانية ص 132 حاشية رقم 1) أن بليين الادريسي هم البليميين.
يقول كراوفورد أن بلين هو الاسم الذي يطلقه الباقوس Bagos في منطقة كرن على أنفسهم. ويرى روسيني أن وجود البلبن في هذه المناطق قد يرجع إلى القرن العاشر أو الحادي عشر الميلادي، وأنهم بالتأكيد كانوا في شمال اثيوبيا في القرن الرابع عشر الميلادي.2 ولذلك إفترض أنهم بليين الادريسي، وقد اتضح مما ذكره الادريسي أن تجوالهم كان يمتد حتى حدود الحيشة.
والبليميون هم فرع قديم من فروع قبائل البجة. وقد وضحت الأدلة الآثارية مثل نقش كلابشة المروي والوثائق التي جمعت عن منطقة شمال السودان ما بين القرنين الثامن قبل الميلاد وحتى القرن السادس الميلادي ونشرتها جامعة بيرقن في ألابعة أجزاء تحت اسم (Fontes Historiae Nubiorum) ووثائق الجبلين المنشورة في كتاب مصطفى محمد مسعد «الاسلام والنوبة في العصور الوسطى في الملحق رقم 3» أرجعت كل تلك الوثائق وغيرها من المصادر الكلاسيكية وجود البليميين إلى القرون السابقة للميلاد في المنطقة الولقعة جنوب أسوان. كما أمدتنا ببعض المعلومات عنهم حتى القرن السادس الميلادي.
وتوضح السجلات المروية أن البليميين قد استقروا منذ القرن الخامس قبل الميلاد على طول المنطقة الواقعة من اسوان حتى منطقة دنقلا (كلايدي ونترز، بينة مروية عن الامبراطورية البليمية في الدوديكاسخيونس» ترجمة اسامة عبد الرحمان النور. مجلة الآثار السودانية، العدد 5 مارس 2004) ص2). وذكرت المصادر اليونانية السابقة للميلاد أن المناطق الواقعة حول أسوان هي مواطن البليميين الرئيسة، ويمتدون جنوبا وشرقا نحو حدود اكسوم وميناء أدولس على البحر الأحمر. (انظر Mac Michael, A History of the Arabs In the Sudan vol.1 p 38) وهذا الوصف يتطابق مع مواطن البجة الحالية.
فالمصادر القديمة - السابقة للميلاد- تناولت كل سكان المنطقة المعروفة الآن ببلاد البجة تحت اسم البليميين مما يؤكد أن شعوب هذه المنطقة أُشير إليها في المصادر القديمة مرة تحت اسم البليميين وأخرى تحت اسم المِجا ومرة أخرى تحت اسم التُرُجلُدايت. وقد ذكر ماكمايكل (نفس المكان السابق) أن الكتاب المسيحيين المبكرين أطلقوا اسم البليميين على البجة.
لم يكن استقرار وامتزاج البليميين بالسكان السابقين في جنوبي أسوان فقط، بل توضح الآثار الراجعة إلى فترة ما قبل الميلاد، وأن استقرارهم امتد شمالاً في منطقة طيبة في صعيد مصر. وقد ازداد عدد البليميين منذ القرن الأول الميلادي. ويبدو أنهم أصبحوا القوة الرئيسة بين الزعامات المحلية وتشربوا بالثقافة المروية. فقد نقل مسعد عن مصادره أن البليميين بدأوا هجومهم على الرومان عام 250م. وفي نفس الوقت ورد في نص عثر عليه في فيلة ? جنوب أسوان - أن ملك مروي تقردماني Teqeridamani 246-266 م أرسل سفارة إلى الأمبراطور الروماني حاملاً إليه الهدايا.
ويعرض ترمنجهام في كتابه Islam in the Sudan ص 44 إلى سفارة بقيادة أمير بليمي يدعى Pa-smun Ibn Paesi وقد وصف الأمير نفسه بأنه السفير العظيم إلى روما. وجاء في كتابه The Eastern Libyans ل Oric Bates ص 336 وفي كتاب The Cambridge Ancient History تحرير Alan K. Bowanأن البليمين تحالفوا مع زنوبيا (الزباء) ملكة تدمر في سوريا عندما هاجمت الرومان في مصر واحتلوا مدينتي Coptos & Ptolemais في منطقة طيبة.
ويبدو أن البليميين قد بدأوا بسط نفوذهم في المنطقة حتى سواحل البحر الأحمر، لأن إحدي الوثائق الرومانية تحدثت عن تعرض بعض القواعد الرومانية على البحر الأحمرلغارة من سفن البليميين عام 378 م. وربما بدأ إسم البليميين ينتشر بعد امتداد نفوذهم شرقاً فأطلق الرومان إسمهم على سكان المنطقة التُرُجلُدايت. وقد يؤيد ذلك أيضا ما تردد في المصادر عن ترادف استخدام البيليميين والمِجا والتُرُجلُدايت.
وقام البليميون في عام 429 م بغارات على منطقة طيبة والواحة الخارجة التي كانت مركزا رومانيا يطل على حدودهم الصحراوية. وما توفر من معلومات يمكن أن يشير إلى حقيقتين هامتين: الأولي أن البليميين أصبحوا قبل انهيار مروي بوقت طويل سادة المنطقة وجنرالات النهر، ويؤكد ذلك ? ثانياً - تطور نظام حكمهم مما يجعل قيام مملكتهم ? تحت ظل المرويين ? أمراً مقبولاً. هذه الدلائل تشير إلى أنه من المقبول جدّاً أن يسعى البليميون إلى وراثة مملكة مروي بعد سقوطها. ويزيد ذلك تأكيداً نقش كلابشة الذي تضمن في موضعين الاشارة إلى كونهم ورثة مروي. وقد وردت اسماء ستة ملوك بليميين فيما جمعه بَرنارد من نصوص، ثلاث منهم قدرت تواريخ حكمهم في القرن الخامس الميلادي والثلاث الباقين في القرن السادس الميلادي.
والوثائق الأخرى المرتبطة بالبليميين هي ثلاث وثائق مكتوبة على جلد غزال باللغة اليونانية عثر عليها فلاح مصري في منطقة الجبلين على بعد 25 ميل حنوب مدينة الأقصر. وقد ترجمها إلى الانجليزية كيراون وإمِري، ونقلها إلى العربية وضمنها كملاحق مصطفى مسعد في كتابه الاسلام والنوبة تحت عنوان «الوثائق الدالة على استقرار البليميين في منطقة طيبة» وقد أشار برنارد إلى الوثيقتين الأولى والثانية فقرات رقم 336 و334.
الوثيقة الأولى جاءت ترجمتها عند (بَرنارد رقم 336) كالآتي:
«أنا شاراشن ملك البليميين، أكتب إلى أولادي شاراشن وشاراتكور وشاراهيت، أنه طبقاً لأمري هذا قد منحتكم حكم الجزيرة المعروفة باسم تناري، وألا يقف في سبيلكم أحد، وإذا أثار الرومان مشاكل وامتنعوا عن دفع الأتاوة العادية لكم فإنه لا الفيلارك ولا الهيبوتيرانوس يمنعانكم من إرغام الرومان على دفع العطايا العادية عن جزيرتي. شاراشن الملك، تنتكنا: أمير القصر ? شاهد، كتبه سانسانوس في اليوم الرابع والعشرين من شهر .....»
وهنالك وثيقة أخرى ? رقم أربعة - ذكرها بَرناد clause no. 339، وهي عبارة عن أمر ملكي أصدره الملك باراخيا (Barakhia) إلى صوفيا يشير إلى وضعها أو إقامتها في مكان ما، وقد ورد أن هذا الملك خلف الملك خاراخِن - أو شاراشن كما كتبه مسعد - في الحكم. فنحن أمام أربعة نصوص تتعلق كلها بحكم البليميين منطقة في صعيد مصر. وتسوق هذة الوثائق العديد من الأسئلة عن علاقة البليميين بصعيد مصر وإقليم طيبة، ومدى امتداد نفوذهم عندما دخل المسلمون مصر في القرن السابع الميلادي، أي في القرن الذي تلى عمر هذه الوثائق.
أما عن وجود البليميين في شمال السودان بعد هزيمتهم على يد سلكو ملك النوباديين فإن أغلب المؤلفين يرون انهيار ونهاية مملكتهم وانتشارهم في الصحراء غربي النيل. وقد ورد ما يؤكد وجودهم في المناطق القريبة من النيل واعتاقهم السيحية على المذهب اليعقوبي، وقد ورد ذلك فيما أورده يوحنا الأفسوسي عن عن تنصير ملك علوه.
ومن المعروف أن مملكة النوباديين اعتنقت المسيحية علي المذهب اليعقوبي بخلاف مملكة المقرة التي اعتنقته على المذهب الملكاني. وقد تنافس اتباع المذهبين على تنصير ملك علوة الذي فضل اتباع المذهب اليعقوبى . فأرسل رسله إلى ملك نوباديا يطلب منه إرسال القس لونجينوس ليتم ذلك على يديه. وقد روي يوحنا الأفسوسي تلك الأحداث ونرجع اليها هنا فيما ذكره وليمز آدمز «النوبة رواق افريقيا ص 398) بهذا الصدد كما يلي.
«دبر ملك المقرة الملكاني خطة لإعاقة وصول لونجينوس إلى مملكة علوة لأن طريقه إلى علوة يمر عبر أرضيهم. ولكي يتفادى الوفد هذا الخطر أتصل ملك النوباديين بملك البليميين لكي يساعد البعثة على الوصول لعلوة. وجاء في رسالة ملك نوباديا: «ولكن بسبب المكيدة الخبيثة التي دبرها ذلك الذي يقيم بيننا [ملك المقرة] فقد أرسلت أبي البار إلى ملك البليميين ليوصله إلى داخل البلاد»
يدل هذا على أن البليميين كانوا يقيمون بجوار مملكة المقرة المسيحية وأنهم اعتنقوا المسيحية على المذهب اليعقوبي وهي المعلومات التي وردت في نص الادريسي رقم 1 ونص ابن الوردي رقم 3 عن البليين مما يؤيد رأيي كيروان ومسعد الذان جعلا البليين هم البليميين.
غير أن مسعد يرجح أن البيليين وأسلافهم البليميين يرجعون إلى أصل عربي . ويرى مسعد أن لفظ البليميين ? كما نطقه اليونانيون والرومان - ما هو إلا تحريف لكلمة بِلاوي التي تدل في لغة التبداوي البجاوية على العرب. وأرى أن هذا الرأى ليس مقبولاً وستتم مناقشته لاحقاً.
وإشارة الروم في النصوص ترجع إلى علاقة البليين بالبيزنطين، وربما نزح بليميي الصعيد الذين كانوا على صلة قوية بالبيزنطيين جنوباً بعد دخول المسلمين مصرفازدادت قوتهم في الجنوب بالقدر الذي وصفوا به في لمن
طقة الواسعة التي انتشرو فيها ما بين النيل في شمال السودان وصعيد مصر وبين البحر الآحمر.
وإذا قبلنا الرأي الذي يقول أن بليين الادريسي هم البليميين ? وأرى أنه رأي مقبول ? نتقدم خطوة أخرى لرؤية الآراء التي ربطت البليميين بالبلو، فقد تم الربط بين البلو وبين الكثير من القبائل والمناطق بي بلاد البجة وسنتعرض لذلك عند الحديث عن البلو.
ومن الملاحظ أن المصادر العربية لم تتعرض لذكر البليميين ما عدا الادريسي وابن الوردي، فلماذا لم تتعرض المصادر للبليميين ذوي الثقل الواضح في صعيد مصر قبل أن يدخله المسلمون؟ لا شك أن الأمر يحتاج إلي المزيد من العناية والبحث خاصة وأن المصادر العربية لا تمدنا بمعلومات وافية عن فتوحات وحروب المسلمين المبكرة في عصري عمرو بن العاص وعبد الله بن سعد في صعيد مصر كما فصلت عن الحروب في الوجه البحري. والمؤلف الوحيد الذي أورد تلك المعلومات هو الواقدي الذي يسيطر طابع الملاحم وعدم الدقة فيما كتبه عن تلك الحروب.
غير أن افراد ولاية خاصة لصعيد مصر منفصلة عن ولاية عمرو بن العاص تولاها عبد الله بن سعد بن أبي السرح في الخمس سنوات الأولى من دخول المسلمين توضح أن الأحداث في الصعيد قد تطلبت تلك الادارة المنفصلة. ولكن سكوت المصادر العربية عن تلك الأحداث يتطلب أيضاً المزيد من العناية والبحث. والمعلومات القليلة الوارة هنا وهناك في المصادر تحدثت عن البجة في الفترة المبكرة،. فابن حوقل ? مثلاً ? يقول:
«فإن عبد الله بن سعد بن أبي سرح لما فتح مدينة أسوان، وكانت مدينة أزلية قديمة، وكان عبر إليها من الحجاز وفهر جميع من كان بالصعيد وبها من فراعنة البجة وغيرهم.» تؤكد مثل هذه المعلومات وجود البجة في صعيد مصر ومشاركتهم أهل الصعيد في حروبهم ضد المسلمين.
ومرة أخرى نتساءل لماذا سكت الكتاب الذين تناولو المنطقة عن ذكر البليمين، مثل اليعقوبي وهو أول من أورد معلومات مفصلة عن قبائل البجة وممالكهم في القرن الثالث الهجري (9 م) وابن حوقل في القرن الرابع الهجري وهو الذي زار المناطق الشرقية من أرض البجة وكتب معلومات كثيرة عن قبائلهم. وكذلك المسعودي في القرن الرابع الهجري (10 م) الذي استقر في مصروقتعض ال لب ولا فيما نُقل عن ابن سليم الأسواني الذي زار مملكة المقرة في القرن الرابع الهجري (10 م)
يبدو معقولاً أن المصادر قد أشارت إلي البليين ولكن تحت أسماء أخرى. فالمصادر تذكر أحياناً اسم البجة لوصف كل القبائل بصورة عامة دون التعرض لأسمائهم. فابن سليم مثلاً (مسعد ص 113) يقول: «والبجة الداخلة ... حالهم في الظعن والمواشي و... كحال الحداربة.» وإشارة ابن حوقل السابقة للبجة في منطقة أسوان يبدو معفولاً أن المقصود بها البليميين. وهنالك احتمال آخر يبدو معقولاً جدّاً وهو أن تلك المصادر تناولت هذه القبيلة ولكن تحت أسم آخر. فالمنطقة التي تحتلها قبائل البجة الحالية كانت ذات ثقل سكاني واضح وقبائل متعددة كما سيتضح فيم يلي .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.