ويتواصل التفاؤل في الدوحة، فقد وقعت حركة التحرير والعدالة الاتفاق الإطاري مع الحكومة السودانية صباح أمس الخميس 18/3/2010م، وهو الاتفاق الثاني خلال أقل من شهر توقعه الحركات المسلحة مع الحكومة السودانية، فكان الأول مع حركة العدل والمساواة في 23/2/2010م. هذا كله جاء على حسب موافقة الوساطة القطرية والدولية، في أن يكون هناك مساران لاستيعاب كافة الفصائل الدارفورية التي انشطرت لأكثر من عشر حركات، سميت فيما بعد بفصائل طرابلس وفصائل خارطة الطريق بأديس أبابا.. فكانت الفكرة أن تستوعب هذه الحركات في فصيلين كبيرين.. العدل والمساواة، وحركة التحرير والعدالة التي ترأسها أخيراً د. التجاني سيسى. ويبدو أن المرونة التي انتهجتها الوساطة لم تعجب قادة العدل والمساواة برئاسة د. خليل إبراهيم، الذي رأى أنه الوحيد الذي يقاتل الحكومة في دارفور، لذلك يرى أنه لا داعي لزج البقية «شبه مدنية» كما يزعم في توقيع آخر مع الحكومة، الأمر الذي خلق بلبلة في الأسابيع الماضية في الدوحة، إلا أن الوساطة مضت قُدماًً في خطتها، فتم توقيع الاتفاق الإطاري الثاني صباح الخميس «18 مارس 2010م» وحتى هذه المرونة الدولية في إغضاب العدل والمساواة لإسعاد الحركات المسلحة أغضب بعضها، وقبعت في فندق «موفن بيكن» الشهير، ولم تذهب مع أعضاء وقادة حركة التحرير والعدالة لحضور مراسم التوقيع، وهو أمر مؤسف ما كان ليكون لولا أزمة التفكير والثقة التي انتابت الحركات المسلحة في دارفور. لقد مكثنا في الدوحة منذ فبراير الماضي ولم نغادرها إلا لفترة قليلة، ثم عاودنا الحضور لمساعدة الجميع، على أمل أن نخرج من هذا الملف الدرامي الذي استمر في بلادنا سنين عددا، ولكن للأسف هذا هو الحال.. إذن السؤال الذي يتبادر للذهن لماذا لم تذهب بعض هذه الحركات للتوقيع على الاتفاق الإطاري الثاني؟ ومن خلال جلوسنا مع قادة هذه الحركات، علمنا هذه المرة، أن مشكلتهم لم تكن مع الوساطة ولا مع الوفد الحكومي المفاوض، وإنما وقعت المشكلة فيما بينهم، فالجميع المتبقي في الدوحة، مؤمن بفكرة الوحدة، ومن ثم جميعهم مؤمنون بقيادة د. التيجانى سيسى، لتاريخه النظيف والقبيلة المحورية التليدة في دارفور وتعويضاً للأذى الكبير الذي لحق بها في الآونة الأخيرة، وإنما الخلاف أن البعض منهم ومنذ بداية تكوين الحركة في العشر الأواخر من فبراير الماضي، استعجل الخطى في إنشاء هيكل للحركة وملأ بعض الوظائف الأساسية دون استشارة الجميع، هذه كل المسألة..!! ومن ثم بدأت الأمور تتأزم رويداًً رويداًً، وحتى وصلت حد القطيعة.. والوساطة لم تألُ جهداًً في تقريب وجهات النظر. ونحن الآخرين بذلنا وسعنا لتلافي هذه القضايا البسيطة، مقارنة بالدماء التي تسيل في دارفور، والتهجير الذي حصل للسكان، والاضطراب الأمني حتى للمستقرين منهم، الأمر الذي سبب ركوداًً في الخدمات، وانعدام تام للتنمية، أضف إلى ذلك أن الأريحية القطرية التي شملت الجميع بالكرم والصبر غير المحدود جعلت أبناء دارفور في الدوحة يسألون أنفسهم ما الذي يجبر الدوحة على عمل كل هذا. وهي لم ترتبط بدارفور، بأي جوار أو قضايا مشتركة مثل ليبيا أو تشاد. وكل هذه المساعي ذهبت أدراج الرياح، بل خرج البعض منهم عن دائرة إشكالات الهيكل إلى الطعن في الفصيلين الكبيرين، العدل والمساواة، والتحرير والعدالة، بأنهما صنعتان لدولتين جارتين لدارفور، ولذلك سقوفهما التفاوضية لا تعبر بصدق عن القضية الدارفورية، فهي لن تغادر مصلحة قادة الحركتين وبعض الفوائد البسيطة لحركتيهما، فهم يرون أنهم الأنسب للتعبير عن قضية دارفور. كان ردنا لماذا لا تدخلون وتعدلون كل شيء أثناء التفاوض، وحتى في الاتفاق الإطاري؟ ولكن القدر نفذ وأحجمت هذه الحركات عن المضي قدماًً مع الحركتين في الاتفاق، وهذه الحركات مهمة سواء من حيث الشمول الإثني والقبلي، أو الحضور في ميدان المعركة، أو الاعتراف الدولي بها، ومن هنا جاء أسفنا. وفي إطار المحاولات الفاشلة لإقناعهم ظللنا نقول إن الوساطة بذلت ما في وسعها في قبول هذين المسارين للتفاوض، على اعتبار أن الذي لا تعجبه حركة العدل والمساواة فيمكنه الذهاب إلى التحرير والعدالة والعكس، وأن هذه الأجسام مؤقتة على اعتبار بعد التوقيع النهائي للسلام، فالجميع سيعود للسودان، ومن ثم المشاركة ستكون في الإطار السياسي الشعبي، وكل شيء هناك بصوت الناخب السوداني وليس بصوت رصاص البندقية، فكل المعايير ستختلف وفق أوضاع الحركات والأطروحات التي تروق للشعب. وعلى كل نحمد الله أن دخلنا لأول مرة لجة خليج الدوحة، فنحن الآن في منتصف البحر، لا رجوع، إما العبور وإما الغرق وإما السكون ببواخرنا إلى حين، يظللن رواكد وربنا يستر من الرياح. فهذه الحركات غير الموقعة ترغب في مسار ثالث للخروج من هذا النفق، وحجتهم في ذلك أنه كان لا بد من مسارين، فلماذا لا يكون هناك مسار ثالث، ولكن الوساطة لا ترى أنه من الضروري أن يكون هناك مسار ثالث. ومن يدري ربما تخرج فئة بمسار رابع وخامس، وكأنما الفكرة ليست توحيد الحركات وإنما تفتيت الحركات. ونحن الآن في هذه العقبة الكؤود، التي طفت على ملامح وجوهنا وطردت منا الفرحة باتفاق الخميس الماضي، خاصة أننا بعد أن رجعنا وجدنا إخوتنا الرافضين في الفندق، وكان الصمت وكان الوجوم، فرفقاء السلاح وزملاء الخنادق تفرقوا من مراقد التفكير والتدبير. وعلى كلٍ لا بد من حل هذه المعضلة حتى إن لزم مسار ثالث، وإلا فإن الطلقة لن تتوقف. وكأنك يا «غازي» ما غزيت. فقد اقتربنا من الخروج من النفق المظلم، فيجب ألا تكون هذه العثرة سبباًً في رجوعنا إلى المربع الأول، وختاماًً نهنئ الجميع بالاتفاق الأخير، وإن شاء الله لن يمضي مارس إلا ونكون قد أمضينا الاتفاق النهائي للسلام.