٭ «آفة العبادة أن تتحول إلى عادة».. هذه العبارة تكون أظهر ما تكون في شهر رمضان الكريم.. تنشط الأسواق ويتحرك جشع التجار كبار وصغار وتجتهد الفضائيات في استقطاب المشاهدين.. وتسارع ربَّات البيت إلى توفير مستلزمات رمضان التقليدية.. الآبري والحلومر والرقاق وهلمجرا.. «ويَنْكُت.. المتمارضون روشتاتهم القديمة وتظهر عليهم فجأة أعراض مرض الكلى والسكري والضغط.. وسرعان ما تفارقهم هذه الأمراض بعد مرور الشهر.. ورمضان في بلادنا له نكهة خاصة ويحظى بالحفاوة والفرح والتزيُّد في العبادات وطلب البركات.. لكنه بالمقابل يستقبله آخرون بأعمال وأقوال لا علاقة لها البتة بالتقرب إلى الله في رمضان أو غير رمضان ويفترض هؤلاء ان صيام رمضان «عبء ثقيل» على الصائمين!! فيتقرَّبون إلى الله بتوفير اللهو البرئ والترفيه عليهم!! ويتصدى أهل الفتيا في تحريم برنامج تلفزيوني أو خيمة رمضانية أو سهرة غنائية.. أو مسلسلات يومية.. وكأن هذه «المحرمات» حصرية على شهر رمضان و»حلال» في بقية أيام السنة!! ٭ هذا هو أول رمضان يطلَّ على ابني عمر البشير محجوب وهو في المدرسة وعنده برنامج في شهر رمضان.. عنوانه.. مساعدة المساكين فهو يتلقى تعليمه بمدارس المواهب وبتوجيه تربوي من «أبُو الفَصِلْ» يأخذ عمر معه كل صباح رمضاني.. شوية سكر.. أو شوية بلح.. أو شوية فَكَّه للمساكين قلت له «يا أخي أنا ذاتي مسكين» فردَّ قائلاً.. إنت لو مسكين كنت أديتك الحاجات دي.. لكن إنت ما مسكين» ويتهلل وجه الصغير سروراً وهو ينفق وأشكر في نفسي هذه الخصلة التربوية الحميدة التي تقوم بها المدرسة حيال هؤلاء الصغار فتغرس في نفوسهم الايثار وحب المساكين وتخلصهم من شح النفس والأنانية.. وتتيح لنا نحن الكبار وجهاً من وجوه البر وعمل الخير في رمضان من خلال أيادي صغارنا الذين هم أكبادنا تمشي على الأرض. فنحمد الله على هذه النعم التي لا تحصى.. وكانت هذه من نعم هذا الشهر الفضيل.. وبحكم متابعتي للَّغط الذي صاحب بث برنامج أغاني وأغاني وتدخل كبار المسؤولين وكبار المشائخ في هذا الأمر وكأننا خلصنا من كل المشاكل وبقيت لنا مشكلة برنامج أغاني وأغاني.. وأفراح أفراح وسينما سينما.. وغيرها من «التكرارات» المملة.. فالناس زهدوا ومَلَّوا من التكرار «بدون حكاية حرام وحلال لأنه ده موضوع آخر» لم أشاهد على قناة النيل الأزرق أغاني وأغاني لكنني شاهدت الهيلاهوب في دبلجة بالسوداني «الشماسي» أو الراندوك لمشاهد من فيلم أجنبي فكرة واعداد «طارق الأمين» وهو رجل قانوني وممثل كوميدي وأتوَّجه له بالسؤال ثمَّ للقناة وقناتنا فضائية تشاهد على نطاق واسع.. هل حصلتم على حق استخدام هذه المشاهد الامريكية ولا أدري ان كانت من فيلم أو برنامج تلفزيوني؟ وهل سُمح لكم بتجاوز حق الأداء العلني والحقوق المجاورة للعاملين في هذا الفيلم من ممثلين ومخرجين ومصورين وغيرهم أم ان المسألة «مَعِطْ ساكت» ومصطلح «المَعِطْ» عند أهل التلفزيون هو تسجيل أية مادة من الفضائيات «مسلسل أو مباراة كرة قدم أو فيلم» واعادة بثه من التلفزيون «بدون قيمة» ولما كان «البث أرضي» لم تكن هناك مخاوف من أن تشكونا الجهة صاحبة الحق.. ولكن مع هذا الفضاء المفتوح المسألة فيها خطورة وتعتبر «قرصنة» ويعاقب عليها القانون الدولي. ونحن ما ناقصين.. يا جنرال الحكاية مضحكة.. لكن راجعوها أحسن. ٭ وفي الليل شاهدت جزءً غير يسير من سهرة على النيل.. يقدمها سعد الدين «بخفة زايدة شوية» وموضوع لا يزيد عن كونه سؤال عابر «إتزوجت كيف؟» بالذمة يا حسن ويا الشفيع دا موضوع سهرة تستحق كل هذا الصرف وهؤلاء الضيوف ومذيع ومذيعة اثنين بدل واحد وضيوف في الأستوديو ومشاهدين داخل الاستوديو وفنان ده كله عشان سؤال السهرة «إتزوجت كيف؟» وأنا أتخيل الرد.. بأن السهرة مادة خفيفة وناس يتونسوا ويدردشوا وكده.. طيب سميناها رضينا.. بس ما تحدثونا عن «الجديد» في رمضان باختصار مافي جديد مذيع مذيعين وشويه ضيوف وفنان يغني كل شويه غنوة.. ولحظات اعلانية ونواصل. رتابة شديدة وأفكار تقليدية وغناء يا هو ذاتو القاعدين نسمع فيهو لينا سنين.. وحتى خُطب د. عصام أحمد البشير والتي سُمِّيت «حديث النور» كناية عن أنها خطبة الجمعة في مجمع النور الاسلامي بكافوري.. تشير إلى الكسل في الاعداد وخطبة الجمعة ليست مناسبة دائماً فبعضها مرهون بزمان أو مكان. والداعية الكبير د. عصام جُعبته ملأى بدرر الكلام واستنباط الأحكام بأسلوبه المتفرد وصوته ببحته المحببة.. لكن تقليل الصرف ربما!! ٭ وعلى قياس أو غرار أسماء البرامج عندنا أغاني وأغاني وأفراح أفراح وسينما سينما وصيام صيام.. اقترح ان تكون البرامج الرمضانية باسم «رمضان رمضان» لا تتعداه إلى غيره فالشهر بصيامه وقيامه ومأكله ومشربه والدعاء فيه والابتهال واللهو الحلال به ما يكفي من المواد. ٭ سأل واحد قروي أخاه «إنت الجامع الأسمو زي برنامج سينما سينما داك اسمو شنو؟» فأيقن أخوه في الحال انه يقصد «جامع الجامعة». وهذا هو المفروض