القبيلة هي الجماعة من الناس تنتسب الى أب أو جد واحد والقبلية هي التعصب أو التحيز لتلك القبيلة دراسة انثروبولوجية ويتابع الأستاذ بخيت حبَّه دراسته الممتعة. «1» ابراهيم موسى مادبو واخلاء واو 1956م * كان «الانجليز» وحلفاؤهم اثناء الحرب العالمية الثانية عندما يضطرون لاخلاء بعض المواقع يسمون ذلك «انسحابا فنياً» والتعبير لا يحمل معنى الهزيمة، واقرب ما يمثله هو التحرك من موقع الى آخر لمصلحة المعركة وكل الناس تعرف الحقيقة من وراء استعمال كلمة «انسحاب فني» الهزيمة وعندما سقطت «واو» عاصمة «بحر الغزال» في أيدي «المتمردين» عام 1956م جاءني الناظر وهو بادي الانفعال وقال لي في سخرية لاذعة: - اسماعين «قالوا» انسحبوا انسحاب فني.. من «واو» وتركها الاداريون السودانيون. * غاظني «التعليق» وهيء لي كأنه «شماتة» واستخفاف بنا فقلت له في لهجة لا تخلو من الغضب: - نعم «انسحبنا» من «واو» ولكننا سنعود اليها.. * فكان رده: - كان «بتعودو.. ما جريتو»!! ولكن الامر يهمنا اكثر منكم ولنا مصالح كثيرة ومراغي لا نستطيع التخلي عنها وقد بعثت قبل ثلاثة ايام بالعمدة «حامد برام» على رأس «120» فارسل «بحرابهم» و«بنادقهم» لاستعادة المنطقة وأحسبهم الآن قد تجاوزوا «بحر العرب».. واوشكوا على دخول «واو» أو دخلوها.. * احترت في ماذا أفعل فليس هناك من سبيل لاعادة هذه القوة ومحاسبة الناظر على «تصرفه» لا تجدي شيئا ولربما «تفاقم» الامر ولدى «الناظر» قوة هائلة وفي تصرفه «تحد» للحكومة واستخفاف بها فاشتد النقاش بيننا واحتد فهو يرى في تصرفه «سنداً» و«عوناً» و«انتصارا» لنا وحفاظا على حقوقنا التي ان تركها البعض فمن واجب الآخرين العمل على استعادتها وكنت اراه تحدياً واستخفافا لكنه قال انه بعث بسرية «العمدة حامد برام وفي نفس الوقت اتجه هو الى «نيالا» ليخبرني بما حفل وانه مستعد لايفاد الكثير من «السرايا» حتى نستعيد ما فقدنا. فاخبرته اني لا اقره على ما فعل ولسوف اخبر «الخرطوم» بكل ما حصل وتفاصيل النقاش الذي دار بيننا وبما اني اعتبرته «امرا مستعجلاً» فقد رأيت ان استفيد من «الصلاحية» المتاحة لي بمخاطبة «الخرطوم» رأسا في الامور الهامة او العاجلة وبعثت بصورة للمدير «بالفاشر» وأبديت وجهة نظري فيما يجب عمله وكانت البرقية «بالشفرة».. فلم يصل رد حتى الآن!! * بعد بضعة أيام علمت بان الاداري الشجاع «خليل صابر» قد هبط «مطار واو» وكانت دهشته عظيمة حين وجد العمدة «حامد برام» قد استولى على المدينة وأقام له «زريبة» «داخل» مباني «المديرية» وقبض على عدد كبير من «المتمردين».. وبعد عودة العمدة «حامد برام» «للصفية» توجهت خصيصا الى «دار الرزيقات» لمقابلته وتهنئته وقدمت له نيابة عن «الحكومة» «بندقية خرطوش» ذات العيار الواحد «كانت قيمتها فيما اعتقد حوالى سبعة عشر جنيها، مع شهادة باعفاء دائم من «رسوم الرخصة»، وطابت نفس «الناظر» بهذا التكريم البالغ المتواضع وزال ما علق بنفوسنا من اختلاف وجهات النظر!! وأحسب انه كان صادقا ومخلصا في تصرفه بالرغم مما انطوى عليه من تحدٍ واستخفاف بالحكومة والذي اعتقد انه لم يكن يرمي اليه وانما كان يرمي الى اظهار قوته واخلاصه وانه الرجل الذي يمكن الاعتماد عليه في امهات الأمور!! «2» الناظر والخمر * أثناء فترة «الحكم الثنائي» كانت «الخمور» غير المصنوعة محلياً مسموح بتعاطيها او تداولها الا لنفر محدود من الناس لديهم ترخيص بذلك من «مفتش المركز» وكذلك «كانت» اماكن بيعها خاضعة لترخيص من المفتشين او المدير ان كانت للبيع او الشرب او كليهما، اما «الخمور المصنوعة» محلياً «فالروحية» منها ممنوعة منعاً باتاً «صناعتها وبيعها وتناولها» وذلك «كالعرقي» اما «المريسة» فكانت صناعتها وبيعها مسموحاً بتصديق من «المأمور» او «المجلس البلدي» ان وجد وكان هذا الوضع سائداً في اغلب ارجاء السودان الا في «دار الرزيقات» فقد كانت كل انواع «الخمور» ممنوعة انتاجها وبيعها وتداولها وحيازتها وكذلك «التمباك» أي «السفة». في اثناء «غيبة» الناظر في الخرطوم صادق «المفتش الصغير ويعنون بالصغير «الثالث» لشخص غير مسلم سوداني الجنسية من اصل اجنبي بدكان لبيع «البيرة» «بالضعين»، وكانت بها حركة تجارية نشطة وتمر بها عشرات العربات يوميا في طريقها الى «نيالا»و«زالنجي» و«غرب دارفور» واعتقد ان الامر كان مرتبا «بليل» فلماذا المفتش الثالث والثاني والاول موجودين!! «ولعلي اسأل بعد مرور هذه السنوات.. من هو الضابط الاداري الذي قام بالتصديق بركات» وكان الغرض هو كسر هذا الحظر الذي يفرضه «ناظر» «الرزيقات» دون سند قانوني مخالفا بذلك ما يجري عليه العمل في كافة ارجاء السودان، وعندما يعود الناظر من الخرطوم يواجه الامر الواقع وفعلا عاد «الناظر» ووجد الدكان يعمل ويصرف بضاعته بكميات كثيرة لا تكاد تتوقف وتجد رواجاً لا مثيل له والعربات تنتظر دورها لتأخذ ما تريد!! * استدعى «الناظر» صاحب الدكان واستوضحه الامر فأفاد انه يحمل «تصديقاً» من «المفتش» «بنيالا» وحسب ان في ذلك ما يسكت الناظر ولكن «الناظر» أمره ان يحصر جميع بضاعته ويضعها بالقرب من «شجرة العرديب» التي اعتاد الناظر ان يجلس تحتها وهي مقر نظارته ولكن ليس تحت الشجرة ذاتها وعلى صاحب المتجر ان يحملها جميعاً بنفسه دون معاونة أحد فلا يجوز لمسلم ان يحملها وتم ذلك خلال ساعتين وبعدها امر «الناظر» بعض معاونيه بتفتيش دكان صاحب الخمر ومنزله والتأكد بأنه لا يوجد منها شيء من ذلك وبعد ان انتهت هذه الاجراءات امره الناظر بان يقوم بتكسير جميع «القارورات» بنفسه و«الناظر» صاحب الدكان بان يدفن جميع الزجاج لئلا يؤذي الناس وتنهد صاحب الدكان ظاناً انها النهاية لتجربة مؤلمة له ولكن الناظر امر ببطحه واوقع عليه اربعين جلدة مع ما صحبها من بكاء وعويل وصراخ. * أمر «الناظر» كاتبه باحضار دفتر الخطابات وحرر خطابا يذكر فيه كل ما حصل منه بالتفصيل ووقع عليه بختمه قائلاً لصاحب الدكان: - أذهب به للذي اعطاك «التصديق» ببيع الخمر في «دار الرزيقات» ولكن حذار ان اراك مرة أخرى في هذه الديار وعليك ان تغادر «الضعين» فوراً. * ولكن الرجل لم يذهب الى «نيالا» ولكنه اتجه شرقا نحو «الابيض» ولربما منها لخارج السودان. - وذاع الخبر وعلم به القاصي والداني كما يقولون وجاء المفتش من «نيالا» واعتذر «للناظر» بان التصديق صدر من «المفتش الصغير» وهو شخص صغير العمر قليل التجربة ولا يعرف كثيرا عن «دار الرزيقات» ولكنه كان يأمل ان يحيل الامر له بدل ان يتصرف بالطريقة التي اتبعها فهي بلا شك تغضب ناس الخرطوم واغلبيته الافندية الذين يطالبون بانهاء ما يسمونه «حكومة النظار» ويعتبرون تصرفه مع صاحب الدكان من اقوى الادلة على صحة ما يذهبون اليه وليس بخاف انه يرمي بذلك لتوسيع شقة الخلاف بين «الافندية» وزعماء «العشائر».. «3» الأمن الغذائي جاء في مقال الاستاذ محمد خير البدوي الذي نشرته «السودان الحديث» الغراء بتاريخ 1995/3/ص28م ان الناظر ابراهيم كان كريما وشجاعاً وانه في اوقات الشدة والمحل يفتح مطامير العيش والدخن ليأخذ الناس حاجتهم منها واؤكد ان الكرم والشجاعة كانت صفات متأصلة ومتمكنة من الناظر ولكن فتح «المطامير» اثناء الشدة كان نظاما اجتماعياً يسهم فيه الجميع فكان الناظر ومستشارون يربطون لكل «عمودية» مقدارا من «الدخن» او «العيش» تقدمه بعد «الحصاد» تماما كربط الضرائب وغيرها وكان «العمد» و«البيوت» بما يرون انه يمكن تقديمه بيسر وكذلك الشأن فيما يتعلق بالسمن والضأن والعجول ويكون هذا المال متيسرا في «اوقات الشدة» ولاقامة معرض القبيلة او استضافتها لغيرها من القبائل وغير ذلك من الاغراض العامة التي تهتم بها القبيلة وهذا بالطبع من غير الربط الذي يقدم نقدا للمجلس الريفي واعتاد «الرزيقات» ان يقدموا كل ما عليهم من «ربط» في الشهر الاول من السنة المالية بالاضافة «للعشور» والزكاة، التي هي فرائض دينية لهم طريقتهم الخاصة في تقديرها وتحصيلها وتقديمها لمستحقيها ويحرص افراد «الرزيقات» على ابراء ذمتهم منها حرصا شديداً ايمانا منهم بان حجزها او تأخيرها او عدم دفعها يعود عليهم بالبلاء والوباء والفقر.. سنناقش في المقال القادم ان شاء الله نشأة الحزب الجمهوري الاشتراكي ونناشد الاستاذ محمد خير البدوي واسرة الاستاذ «المرحوم» ابراهيم بدري مدنا بأي وثائق تتعلق بذلك ففي النية اصدار كتاب مرجعي عن التطور الدستوري والسياسي في السودان.