لم يكاد صمت الصحفيين وسخطهم على قانون الصحافة والمطبوعات للعام 2009م يصل الى نهاياته حتى فاجأهم رئيس لجنة الاعلام والاتصالات بالمجلس الوطني فتحي شيلا بسن قانون جديد وقال للصحفيين بالبرلمان بداية الاسبوع الجاري أن لجنة الاعلام مصممة على سن قانون جديد يحمي حقوق الصحافيين والقارئ والمجتمع وينظم المهنة، وردد شيلا، ذات الغايات التي سبق وان وصف بها القانون الحالي عقب اجازته من قبل البرلمان في العام قبل الماضي باجماع شاركت فيه المعارضة قبل شريكي نيفاشا «المؤتمر الوطني والحركة الشعبية» مدعين ان قانونهم الذي جوبه بالرفض من قبل اصحاب الشأن انه لا يحمل في داخله لاشق ولا طق ، وقال رئيس اتحاد الصحفيين محي الدين تيتاوي عقب اجازة القانون المثير للجدل « بهذا القانون نفتح صفحة جديدة في حرية الصحافة بالسودان وهذا القانون يجد القبول من المجتمع الصحفي» غير ان شيلا يقول ان دافعهم لسن قانون جديد بهدف التحرر من القيود معتبرا ان القانون الحالي وضع في ظروف معيبة وجاء نتيجة لدستور عبارة عن اتفاقية» واضاف «نريد ان نبدأ على بياض ولا يوجد ما نخاف عليه فهناك حرية،نريد صحافة محترمة في دولة محترمة وصحافة شريكة في صناعة القرار والاستقرار». والتعديل المنتظر هو السابع منذ قدوم الانقاذ واعتلاء نظامها السلطة في الثلاثين من يونيو 1989م بواسطة انقلاب عسكري عمد الى ايقاف الصحف والغاء قانون الصحافة المجاز، ابان الديمقراطية الثالثة عقب سقوط الديكتاتور جعفر محمد نميري ، ولم يقم النظام باعداد قانون لتنظيم مهنة الصحافة الا بعد مرور اربعة اعوام اي بحلول العام 1993م ومنذ ذلك الوقت مرت ست قوانين لتنظيم المهنة ليحل بعد قانون 93 الذي استمر ثلاث سنوات واستبدل بآخر في عام 1996م وتلاه آخر في عام 1999م الذي تم تعديله في عام 2001م، وأصبح يعرف بقانون الصحافة والمطبوعات لعام 1999م المعدل في عام 2001م. ثم قبل الاخير قانون الصحافة والمطبوعات الصادر في عام 2004م الى ان تم تعديله بالنسخة الحالية بواسطة برلمان اتفاق السلام نيفاشا ، واتسمت كل القوانين التي نظمت المهنة في العشرين سنة الماضية بالسخط ووجدت من الانتقاد الكثير ، ووصفت بانها مقيدة للحريات ومكبلة للمهنة ، وساهمت بشكل فعال في ترديها ، لكن مع ذلك كانت ماضية في تدرج وجد بعض الرضا من قبل الصحفيين الا ان افضلها او اقلها ضررا لم يجد الصون والحماية من المؤسسات السلطوية القائمة . ونجد ان الدولة السودانية طوال مسيرتها عرفت عشرة قوانين لتنظيم مهنة الصحافة ليكون القادم هو القانون الحادي عشر اربعة قوانين هي ما نظمت المهنة خلال الحقب الحكومية التي سبقت الانقاذ واول قانون عرفه السودان كان في العهد الاستعماري في العام 1930م، وكان القانون في ذلك الزمان بدأ باصدار منشورات حتى تم وضعه في شكل قانون ، وظل معمولا به الا من بعض التعديلات الطفيفة الى ان تم الغاؤه في عهد نظام مايو وصدر قانون بديل تطرق ولأول مرة عن انشاء مجلس قومي للصحافة كان ذلك في يونيو 1973م لكن المجلس لم يقم وانشئت أمانة عامة للصحافة في عام 1983م لكنها لم تضع اي مجهودات لتطوير وتنظيم المهنة عقب الانتفاضة الشعبية في أبريل 1985م وسقوط نظام مايو صدر قانون لتنظيم مهنة الصحافة، وظل فاعلاً حتى انقلاب الانقاذ . مجموعة من الصحفيين والمراقبين ينظرون بعين الريبة والشك لحديث رئيس لجنة الاعلام فتحي شيلا و دوافع الحكومة لسن قانون جديد ،ويقول الصحفي بصحيفة الجريدة حسن بركية لا أعتقد أن هناك جديداً في حديث شيلا،الحكومة تعمل بكل ماتملك على تكبيل الصحافة والقاعدة الصحفية لاتثق في مثل هذه التصريحات والواقع يكذب كل الادعاءات الحكومية المطلوب هو أن تكف الأجهزة الحكومية ومنها جهاز الامن عن ملاحقة الصحفيين ومصادرة الصحف واضاف كيف نتحدث عن قانون صحافة وجهاز الامن يأخذ القانون بيده وتابع هذا لايستقيم عقلا وفي ذات الاتجاه يتفق الصحفي عبدالقادر محمد عبدالقادر ويضيف سن قانون جديد للصحافة هو بمثابة فرض قيود على حرية الصحافة وحرية التعبير ومعروف ان معظم البلدان التي تسن قوانين للصحافة انما هي تهدف الى فرض مزيد من القيود والتضييق على حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير . العمل على ايجاد قانون جديد للصحافة في السودان يعكس ضيق صدر السلطة بالهامش المحدود للحريات الصحفية الذي وفره الدستور الانتقالي ، واتوقع ان يكون القانون الجديد اكثر تزمتاً وتقييداً للحريات الصحفية من اي قانون مضى حديث شيلا حول توفر حريات صحفية ينفيه وجود عدد من الزملاء الصحفيين وراء قضبان السجون ، وينفيه القمع اليومي الذي تشهده الصحف ، وينفيه اغلاق ست صحف مطلع الشهر الماضي ، بيد ان الناشط الحقوقي خالد ماسا في تعليقه حول ان القانون الجديد يمكن ان يأتي خصما على هامش الحرية المتاح يقول ان الازمة التي تعاني منها الصحافة السودانية تتعلق بالحريات بشكل تام حتى في ظل هذا القانون الحالي ويرفض بشدة مقولة مساحة الحريات باعتبار ان الحريات لايمكن ان تتجزأ ويتابع المنتج الآن من الصحافة ليست مقنعة بأي شكل من الاشكال للقراء وحتى العاملين في المجال باتوا غير مقتنعين بما تقدمه وسائطهم الاعلامية ، ويزيد ماسا هناك مشاكل كثيرة تحاصر الصحفيين على رأسها ضيق المعيشة والمقابل المادي للصحفي ايضا يحتاج الى نقاش جاد غير ان اهل الشأن رغم تخوفهم من القانون المرتقب يظهر شئ من التباين في مواقفهم فهناك من يطالبون بادراج بعض البنود ويتفقون على ضرورة استبدال القانون الحالي. الصحفي بصحيفة الوفاق طلال الطيب يقول من المهم جدا سن قانون جديد للصحافة، يتضمن في بنوده حماية الصحفيين وضمانات حقيقية لحرية الصحافة تحافظ عليها من حدوث اي شرخ او تدخل من قبل السلطات، ويتابع من الضروري ان يكون القانون المنظم لهذه المهنة محترما اولا من اهل القانون والسلطات، بجانب ان يركز اولا على تعريف الصحفي من هو الصحفي الذي يكفل له القانون ممارسة المهنة ومن هو الصحفي الذي يحمل العضوية الحقيقية لمزاولتها ويتابع طلال :( شيء جميل ان الحكومة والدولة يريدان الابتعاد عن القيود وان يبديا صفحة جديدة، تعلمنا كثيرا من خلال مراقبتنا للاوضاع عن قرب خاصة التصريحات التي تخرج من رجالات الحكومة عبارة عن اهواء .. عبارات فضفاضة تخاطب الوجدان في الازمات، لم تكن خارجه من صميمها ولا نظن ان ذلك الحديث قد يرى النور بعد، نحن في مرتبة متأخرة جدا حاولت الحكومة سابقا عند اتفاقية نيفاشا ان تلتزم بالتحول في الحريات خطوة خطوة وفعلت ذلك في بعض الاحيان لكنها لم تلتزم به فجأة انتقلت الى مربع القيود والرقابة وصلت حداً بعيداً). ويبين طلال أنه من شأن هذا أن ترد الشخصية الاعتبارية للصحفيين، وان يجمع الصحفيون في جسم نقابي قوي يعبر عن حاجاتهم وان يكون لسان حالهم ليسندهم ويحميهم وان لا يكون الغرض منه ان يقيدهم ويكبلهم، ويرعاه جسم غير حكومي يعبر عن امزجة السلطة وسياساتها . يبدو ان صاحبة الجلالة التي تعيش اسوأ حالاتها على مر تاريخ البلاد في هذه الفترة، سوء تباينت حوله رؤي اصحاب الشأن ، لكنه لا ينفصل عن حال البلاد بشكل عام، تنتظر قانوناً جديدا كل السيناريوهات المتوقعة تقول انه سيدخل الصحفيون في مواجهة حامية الوطيس للظفر بقانون يضمن الحرية ولا يتحدث عنها فقط، فالصحافة السودانية كما وصفها عميد الصحفيين بالبلاد رئيس تحرير ومؤسس صحيفة الايام محجوب محمد صالح من قبل « ولدت عام 1903 وهذه المدة كافية لتجعلها مؤسسة راسخة ترتكز على قاعدة اقتصادية متينة، ولكن لم يحدث ذلك طوال قرن من الزمان، والسبب هو عدم الاستقرار السياسي في السودان، وما وجدته من ظلم من قبل النظم العسكرية، فهي ظلت مهنة غير جاذبة للاستثمار، وطاردة للصحافيين، ومتخلفة اقتصاديا وتقنيا، وهذا المشهد في السودان، متكرر في معظم الدول في القارة الافريقية» ، تنتظر الحرية فقط حتى تقوم بدورها الحقيقي في الاصلاح ومن بعدها يمكن أن يبحث الصحفيون لوحدهم كيفية الارتقاء بالمهنة وايجاد حقوقهم المهضومة .