مبارك أحد الطغاة الذين تجبروا وعتوا وتسلطوا فى رقاب العباد، وصاحب الصولجان والسلطة حاكم مصر وربيب اسرائيل ومخبر الولاياتالمتحدة ومنفذ سياستها ليس فى مصر بل فى كل البلاد العربية. مبارك علا شأنه وارتفع قدره. وازدانت له الشوارع وفتحت له السبل واصبح إلهاً ضارع الله فى حكمه والعياذ بالله، نسى الله فأنساه نفسه أين هو الآن؟ يا لها من سلطة ويا له من جبروت غاب حكمه ونفذ فيه قدر الله فذهب دون رجعة، وليته ذهب هنيئاً عزيزاً مكرماً ليكمل دورة التاريخ لحكام مصر، فقد خرج من السلطة مكرهاً مرغماً ورفضه شعبه، بل طالب بمحاكمته لتهم كثيرة أقلها الثراء الحرام، مبارك الذى كان يعتلى ناصية المنصة الرئاسية متحدثاً عن اقتصاد مصر وعن سياستها وعن عزتها وعن دورها العربى والافريقى، إنه مجرد هراء لا يسمعه الا المستفيدين منه، فسيق للمحكمة بصورة استحقها بجدارة، لأنه كان يعمل ضد مصلحة شعبه، فقد تركه يعانى الفقر والجوع والمرض والجهل، بلاده فى انهيار عام فى كل مرافقها، شرد المصريين من بلادهم وجعلهم لا يثقون فى انفسهم كل منهم يخاف أخاه، مبارك ساعد على الفساد وقتل الابرياء وشكل أجهزة امنية لا تخدم الا مصلحته، ورغم ذلك انهار عرشه وتصدع ملكه وزالت هيبته، واصبح ذليلاً أخذه الله أخذ عزيز مقدر. والجميع ينتظر امام الفضائيات لمشاهدة محاكمة مبارك ذلك العملاق الذى اصبح قزماً، ذلك القوى الذى اصابه الوهن والضعف، جىء به راقداً على سريره وابناؤه يحجبون صورته عن أعين الناس، إهانة وذلة استحقها بجدارة، فقد فارقه الاهل وانصرف عنه حراسه، فأصبح وحيداً يندب حظه العاثر، حيث لا رحمة ولا رجعة عن محاكمته، لانه أذل شعبه وأهانه وطغى وتكبر وتسلط، فأهانه الله واذله أهانه صاحب العزة والقوة والجلال، إنه يمهل ولا يهمل. ألم يسمع مبارك أخبار اهل مدين حينما قال شعيب لقومه اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، وأخبرهم ان يوفوا الكيل والميزان وألا يفسدوا فى الارض، ألم يكن يعلم مبارك كيف كانت عاقبة المفسدين، مبارك الذي حكم ارض مصر، ألم يكن يعلم حديث موسى الذى ناداه ربه بالوادي المقدس طوى، فقال له اذهب الى فرعون انه طغى فأرآه الآية الكبرى فكذب وعصى، الى ان قال أنا ربكم الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ليصبح عبرة لمن يخشى، اصبح مبارك الآن عبرة لمن يخشى، فنزع الله منه الملك نزعا، انها الدنيا والحياة الرغدة والسطوة التى تغمض اعين الحكام عن مشاهدة المعدمين والمحرومين، بل تحجب عنهم آهات وأنين المعذبين والمرضى، فيصبح الحاكم فى معزل عمن حوله، تحيط به هالة من الضباب تزين له الباطل وتبعده عن سماع صوت الحق، وفى النهاية يصبح الحاكم بمفرده، وقد انصرف عنه كل بطانته وخاصته، ألم يسمع الحكام بإرم ذات العماد التى لم يخلق مثلها فى البلاد؟ ألم يسمع الحكام بثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذى الاوتاد ؟ ألم يعلم الحكام انهم طغوا فى البلاد واكثروا فيها الفساد فصب رب العزة عليهم صوت عذاب؟ الحكام جميعهم حينما قامت عليهم ثورة الشعب اهانوا شعوبهم واذلوهم، وعندما عجزوا عن ايقاف المد الشعبى الغاضب اعلنوا التوبة، واعلنوا انهم لا يريدون ترشيح انفسهم مرة اخرى، لا هم ولا اولادهم، وكأنهم لم يسمعوا بقوله «وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر أحدهم الموت»، وهذا يعنى عندما جاءت لحظة النهاية وكأنها لحظة موتهم داخلهم الخوف والجبن ومن ثم بدأ جميعهم يكذبون على أنفسهم «حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن» هذه التوبة لا تقبل ولن ينتفع بها المجتمع وكأنهم جميعاً يستهزئون بشعوبهم، لذلك رغم نداءاتهم المتكررة استمرت الثورات وزال الحكم، منهم من حرق وتغيرت ملامحه ولازال ينبح ولا يسمع نبيحه أحد، ومنهم من انزوى فى ركن قصى وكأنه فأر لا يراه أحد بعد ان ملك افريقيا والعرب، ومنهم من سيق الى المحكمة راقداً على فراشه. ألم يعلم حكامنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «اثنتان يكرهما ابن آدم يكره الموت والموت خير من الفتنة، ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب». وليعلم حكامنا ان المتساقطين على الطريق بسبب الدنيا كثر، وقد بين الله جلَّ شأنه ذلك فى مواقع كثيرة، ويبدو ان حكامنا لم يمروا عليها، وقول الحق «فأقصص القصص» فالله لا يريد ان يعلمنا تأريخاً لكنه اراد ان يعلمنا كيف نأخذ العبرة من التاريخ، والدليل انه يكرر القصة فى اكثر من موقع، وفى كل مرة يأتى ببيان جديد لتعدد ما فى القصة الواحدة من العبر، أيها الحكام القرآن فيه الكثير من الدروس والعبر من قصص الحق مع الباطل، قصص المفسدين، وتحدث المولى فيها عن العدل والاحسان والمساواة ومغبة الظلم، ورغم ذلك اصبح الفساد والظلم والجبروت من سمات الحكم فى كل الدول العربية. ومشهد مبارك فى المحكمة مشهد مهيب، هيبته ذلة وجبروته طغيان، ويمثل صوره مؤلمة ومحزنة لكل جبار عنيد اراد له الله ان يكون مثالاً للظلم ومثالاً للفساد، هو وأهل بيته. وهذا يعنى أن من يصعد الى المجد فوق أكتاف المحرومين والمعدمين مصيره السقوط المذل والمهين. فقد أراد صاحب العزة ان يكون مبارك آية لكل جبار عنيد، اللهم جنبنا الحكام المفسدين واكفنا شر بطانتهم الخبيثة اللعينة يا رب العالمين، وانشر عدلك بيننا وخلصنا من حكام السوء الذين افسدوا وعتوا وتسلطوا.. اللهم لا منقذ إلا أنت فانقذنا يا مغيث.. فنحن الآن فى حاجة الى غوثك ورحمتك يا أرحم الراحمين.