لم تهنأ الحكومة السودانية بفرحتها الناتجة عن تمكنها من اخراج بعثة الاممالمتحدة فى السودان «يونميس» كحالة فريدة فى ان تتمكن دولة ما من اخراج القوات الدولية من اراضيها بعد سنوات من مكوثها بها بعد شد وجذب مع المجتمع الدولى ، اذ نقص مجلس الامن الدولى تلك الفرحة عندما اصدر قرارا حمل الرقم (2003) تم بموجبه منح صلاحيات للبعثة الدولية المشتركة فى دارفور «يوناميد» لمواجهة التحديات فى كل السودان وليس دارفور لوحدها كما هو معروف هذا فضلا عن دعوة القرار للبعثات الدولية المنتشرة فى جنوب السودان ومنطقة ابيى بالتنسيق مع اليوناميد لتحقيق اى اهداف مشتركة. ففى 29 من يوليو الماضى عقد مجلس الامن الدولى جلسة خاصة عن الاوضاع فى السودان بحضور كل الاعضاء وبرئاسة المانيا ، وبالرغم من اعتراض السودان على قيام هذه الجلسة لأنها لم تكن مدرجة فى جدول الاعمال ، الا ان الاجتماع الذى استمر لمدة 23 دقيقة خرج بقرارات يمكن ان تغير فى الجغرافية السياسية فى عموم البلاد. فقد صوت المجلس، وبالاجماع ، على تمديد ولاية بعثة اليوناميد فى دارفور عاما آخر ، ونص القرار على «ان النزاع الذى يقع فى اى منطقة فى السودان يؤثر على المناطق الاخرى فى البلد وعلى المنطقة الاوسع نطاقا ،، ويحث على التنسيق الوثيق بين بعثات الاممالمتحدة الموجودة فى المنطقة ، بما فى ذلك البعثة المختلطة ، والبعثة الامنية المؤقتة فى ابيى وبعثة الاممالمتحدة فى جنوب السودان ، ويطلب الى الامين العام ان يكفل فعالية التعاون بين البعثات «. كما يلاحظ ان القرار شدد ، اكثر من فقرة ، على ان ولاية البعثة تحت بند الفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة وفقا للقرار رقم (1769) الذى صدر فى العام 2007 وتم بموجبها منح هذه القوات التفويض للعلم فى اقليم دارفور. الحكومة السودانية ، وعبر وزارة الخارجية ، اعتبرت التعديلات التى طرأت على ولاية البعثة الدولية فى دارفور مساسا بالسيادة الوطنية ، واستدعت رئيس البعثة المشتركة البروفسير ابراهيم قمبارى وابلغته تحفظ الحكومة على القرار (2003). اما حزب المؤتمر الوطنى - الحزب الحاكم - فقد كان اكثر صرامة فى تعامله مع القرار ورفضه ، بل ودعا اجهزة الدولة بعدم التعاون مع مخرجاته، وهو مايعنى «عدم التعامل الحكومى مع اى متعلقات بشأن القرار فيما يختص بشأن العمل اليومى» كما ذهب بذلك القيادى فى الحزب ربيع عبد العاطى فى حديثه (للصحافة) يوم امس. واضاف قائلا «نحن لن نترك فرصة لمجلس الامن للالتفاف علينا عندما يخرج قواته من يونميس ويريد توسيع نطاق اليوناميد». ويصف زعيم حزب الامة القومى الصادق المهدى قرار مجلس الامن «بالخطير جدا». وقال (للصحافة) ان « انه اذا لم تحل كل المشكلات فى السودان فاننا نفتح الباب امام التدخل الدولى ... الاممالمتحدة من حقها ان تنسق مع بعضها فى بعثاتها الموجودة ، والبعثة الموجودة فى ابيى هى بعثة دولية.. وهنالك قرارات جديدة حول جنوب كردفان». وتنظر حركة العدل والمساواة ، احدى اكبر الحركات المسلحة فى دارفور، الى قرار مجلس الامن بنظرة ايجابية وتقول انها ستجعل الحكومة السودانية «تدرك مخاطر الركون الى الزمن لحل الازمة فى دارفور». وقال المتحدث باسم الحركة جبريل آدم بلال ، خلال اتصال هاتفى مع (الصحافة) يوم امس «اننا نرحب بكل الجهود الدولية المبذولة لحل الازمة فى دارفور وكل السودان ، ونحن نعتقد ان هذا القرار سيسهم من حل مشكلات السودان». ويعتبر حزب المؤتمر الشعبى بزعامة حسن الترابى ان هذا القرار هو «نتاج طبيعى لسياسات حزب المؤتمر الوطنى الذى جعل البلاد ضعيفة» بحسب قول القيادى فى الحزب كمال عمر. ويرى عمر الذى تقول الحكومة ان حزبه يمثل الذراع السياسى لحركة العدل والمساواة «ان هنالك مبررات طبيعية لهذا القرار .. والناظر للقرار يجد العديد من المسوغات التى ذكرها مجلس الامن مثل استمرار الانتهاكات وعدم حماية المدنيين». ونأت البعثة المختلطة والمعنية بالامر فى الخوض فى تفاصيل الجدل الدائر بين الحكومة ومجلس الامن حول قراره الاخير. وقال رئيسها البروفسير ابراهيم قمبارى خلال لقائه بموظفى البعثة فى الفاشر قبل يومين ان اليوناميد تحترم وبالكامل سيادة السودان وانها ستعمل وفقا للصلاحيات الممنوحة لها. واضاف انه تبادل وجهات النظر مع وزير الخارجية على كرتى خلال لقائه معه بالخرطوم وانه استمع الى قلق الحكومة السودانية حول القرار (2003). ويعتبر رئيس حزب الامة القومى الصادق المهدى ان الطريقة التى تتعامل بها الحكومة حاليا مع قرار مجلس الامن عن طريق «المجاملات والارتجالية والعاطفية لامعنى لها». وقال لو اننا اردنا ان نخرج من هذه المصيبة فلابد من «مناقشة عميقة واستراتيجية لدور الاممالمتحدة فى السودان والتفاهم معها ومن ثم اتخاذ القرارات.» واضاف قائلا: « التعامل مع قرارات الاممالمتحدة وكأنها لاتعنينا خطأ.. لاننا جزء من الاممالمتحدة». اما كمال عمر فيقول ان انسب وسيلة للخروج مما اسماها بالورطة هو تشكيل الحكومة ويلفت المحلل السياسى والخبير فى شئون دارفور الدكتور محمد آدم رحمة الى ان كلمة التنسيق الواردة فى قرار المجلس الاممى يمكن تفسيره من عدة اوجه. ويوضح وجهة نظره من خلال اتصال هاتفى يوم امس بقوله « التنسيق يمكن ان يكون عسكريا ولوجستيا واداريا ، وبالتالى يمكن للقوات الموجودة فى دارفور ان تتحرك الى مناطق جنوب كردفان مثلا لو احتاج التنسيق الى هذا الامر». ويضيف رحمة قائلا « ان هذا القرار ربما يعيد البلاد الى خط المواجهة مع المجتمع الدولى عندما كانت الحكومة ترفض القرارات المتوالية التى يتخذها مجلس الامن حول السودان ودارفور بشكل خاص لأنه وكما قرأت فى القرار فى مجلس الامن شدد اكثر من مرة ان القرار صادر بموجب البند السابع وهو مايتيح له استخدام القوة لحماية المواطنين والقوات على حد سواء». وينتظر ان يكتمل عدد القوات الدولية العاملة فى دارفور بنهاية العام ليصل عددهم الى نحو (26) ألف من الجيش والشرطة ، كما بدأت القوات الاثيوبية بالتوافد على منطقة ابيى ليصل عددها الى (4200) جندى بعد ستة اشهر ، كما ينتشر فى دولة جنوب السودان نحو (7) الف جندى من اكثر من سبعين دولة من حول العالم. وتصوب ، على الدوام ، انتقادات لاذاعة لاداء القوات الدولية فى اقليم دارفور ، نظرا لعدم قدرتها فى حماية نفسها، ناهيك عن المدنيين الذين جاءت لحمايتهم. وليس آخرهم الجندى الذى اغتيل على يد مجهولين يوم الثلاثاء الماضى بقرية دوما بالقرب من نيالا بولاية جنوب دارفور ليصل عدد القتلى من هذه القوات منذ بدء انتشارها فى العام 2007 الى اكثر من (35) جنديا . وربما لهذا السبب رحب مجلس الامن فى قراره الاخير باعتزام الامين العام للامم المتحدة باستعراض الاداء للعاملين النظاميين فى البعثة لاداء اكثر كفاءة لهذه القوات وذلك بالتشاور مع الاتحاد الافريقى على ان يقدم الامين العام تقريرا الى المجلس حول ماتوصل اليه بعد (180) يوم من صدور القرار. [email protected]