كثر الحديث اخيرا عن «المتفلتون» الذين يقومون بحوادث مروعة وعمليات قتل ونهب على الحدود المشتركة بين السودان والدولة الجديدة فى الجنوب بالقرب من المساحة المنتشرة بين الميرم فى الشمال واويل فى الجنوب. واخر هذه الحوادث هو مقتل اكثر من تسعة اشخاص وجرح اخرين عندما اعترضوا طريق ثلاثة قطارات ، اثنان منهما يحملان عددا من المواطنين الجنوبيين العائدين الى بلدهم ، واخر يحمل بضائع. وقبلها اعترض من يوصفون ب(لمتفلتون) سبيل قطار يحمل على متنه اكثر من الف من المواطنين الجنوبيين كانوا فى طريق عودتهم الى الدولة الجديدة. كما بدأت اعداد هؤلاء المتفلتين فى التزايد اخيرا وفقا لتقارير حكومية. ويتساءل كثيرون من هم هؤلاء «المتفلتون» الذين ظهروا كهذا ، وبدون مقدمات ، وبدأوا فى اثارة كل هذه القلائل؟ ومن اين اتوا؟ والى ماذا يهدفون؟ ويقول القيادى فى قبيلة المسيرية محمد عمر الانصارى ، والمتواجد حاليا فى منطقة ابيى القريبة من تلك المواقع ان «هؤلاء المتفلتون هم مجموعات مسلحة تتبع لجيش الحركة الشعبية لتحرير السودان ، وهم يعملون تحت امرة قائدهم عبد العزيز الحلو ، ويسعون الى خلق الفتنة فى المنطقة الحدودية التى بدأت تشهد هدوءا فى الاونة الاخيرة». ويضيف الانصارى ، الذى كان يتحدث الى (الصحافة) عبر الهاتف قائلا: « نحن نرصد تحركاتهم منذ فترة طويلة ، ويأتون من المناطق الجبلية والغابات المتاخمة ويقومون بترويع العائدين من اجل خلق الفتنة بالاضافة الى نهب المواد الغذائية التى تحملها القطارات ، وممتلكات العائدين الجنوبيين الذين لاحول لها ولاقوة ومن ثم يلوذون بالفرار». ويروى وور مجاك ، وهو من قيادات الحركة الشعبية فى منطقة ابيى رواية مختلفة عن هؤلاء المتفلتين ويقول عنهم «انهم مجموعات مسلحة من قبيلة المسيرية ، والمدعومون من القوات المسلحة ، ويقومون بقتل وترويع الجنوبيين العائدين من اجل الا يعودوا الى بلادهم مرة اخرى ، كما انهم يعملون كلصوص وقطاع طرق بعد ان فقدوا الدعم الذى كان يجدونه من الخرطوم». ويضيف مجاك وهو يتحدث الى (الصحافة) عبر الهاتف يوم امس « فى الاسبوع الماضى اعترضوا طريق اكثر من الف عائد كانوا على متن احد القطارات ، وقتلوا عددا من الشباب ، ونهبوا معظم الممتلكات ، ونحن نعرف جيدا قياداتهم ومن اين يتلقون الاوامر و وهى مجموعات شبة نظامية ولديها تكتيكات عسكرية». ويؤكد المتحدث باسم القوات المسلحة، العقيد الصوارمى خالد سعد انه لاتوجد صلة بين هؤلاء الذين يثيرون القلاقل فى الحدود وبين القوات المسلحة ، ويضيف ان افراد القوات المسلحة منضبطون ومعروفون واماكن تجمعاتهم معروفة للجميع فى جميع المناطق الحدودية. وقبل ايام قلائل اتهم حاكم ولاية غرب بحر الغزال فى الدولة الجديدة رزق زكريا، مليشيات قال انها مكونة من ابناء المسيرية قامت باحتجاز اكثر من (1300) من الجنوبيين من ابناء المنطقة العائدين فى منطقة الميرم. واوضح الحاكم خلال مؤتمر صحافى عقده خصيصا لهذه الحادثة ان المليشيات والمكونة من 400 شخص يمتطون السيارات ذات الدفع الرباعى والاحصنة ، وضعوا قطع الاشجار الكبيرة على قضبان السكة الحديد وعطلوا حركة القطارين. وقال رزق انه ولخطورة هذه الظاهرة قام بإبلاغ رئاسة حكومة جنوب السودان بهذا الامر ، كما طالب مجلس الوزراء فى حكومة الخرطوم بالتدخل والعمل على ايقاف هذه الاعمال. وينفى الانصارى اية صلة لأبناء قبيلته بهؤلاء المتفلتين وقال « لا ادرى لماذا كل ماتحدث حادثة يتم اتهام المسيرية ، نحن لانستفيد من مثل هذه الاعمال ، لأننا لدينا مصالح ولدينا تجار يقومون بالاعمال التجارية.. ومثل هذه الاعمال ضد مصالحنا ولايمكن ان نفعل ذلك». وفعليا . اشتكى ، تجار يعملون فى مناطق الجنوب من عمليات السلب والنهب التى تقوم بها هذه المجموعات بالاضافة الى اغلاق الحدود فى بعض المناطق. وقال احمد ابو جلحة ، احد هؤلاء التجار خلال اتصال هاتفى مع (الصحافة) يوم امس «لقد تضررت اعمالنا بشكل كبير ، وفقدنا كثيرا من الاموال من سرقة المواد التموينية من سكر وخلافه من القطار ، والذى لاندرى الى اين سار.. نحن نطالب الحكومة بالتدخل العاجل لايقاف هؤلاء .. او يخبروننا بعدم التحرك من الخرطوم قبل ان نتفاجأ بمثل هذه التحركات والمنع». ومن اجل وضع حد لتحركات هذه المجموعات ، وضعت لجنة أمنية رفيعة دفعت بها ولاية جنوب كردفان إلى منطقة الميرم، خطة لتأمين حركة مرور القطارات والشاحنات مع دولة جنوب السودان. ونقل المركز السودانى للخدمات الصحافية عن رحمة عزاز معتمد محلية أبيي قوله إنّ سلطات الأمن بالمحلية حظرت حركة مرور السيارات مع جنوب السودان مؤقتاًً إلى حين تنظيم عملية مرور البضائع بين السودان والجنوب بواسطة سلطات الجمارك، وأشار إلى أن قطارات العودة للجنوبيين لم تتأثر بالأحداث وأنها عبرت بصورة عادية بعد أن تم فصلها عن قطار البضائع الذي تم ارجاعه لمحطة الشحن ببابنوسة، وأوضح المعتمد أن المتفلتين قاموا خلال الفترة الماضية بعمل نقاط تحصيل غير قانونية وصلت إلى (70) نقطة في مسافة (30) كلم بين الميرم وأويل، وأن بعضهم رفض مرور قطار البضائع بحجة تأثيره على التجارة الحدودية التي يقوم بها المواطنون. ويرى الخبير العسكرى، العميد متقاعد عبد الله ابوقرون، ان خطوة السلطات المحلية لتأمين حركة القطارات والسيارات جيدة ولكنها غير كافية. وقال خلال اتصال هاتفى مع (الصحافة) يوم امس «اعتقد انه من الافضل معرفة من هم هؤلاء المتفلتون وايقافهم وردعهم بشكل نهائى حتى لايستفحل الامر ويصبح خارجا عن السيطرة.. الظاهرة تكررت واصبحت خطيرة خاصة وانها تقع فى منطقة حدودية تعج بالصراعات القبلية». ويرى ابوقرون ضرورة ان تتدخل الحكومتان فى الشمال والجنوب معا وتنسقان من اجل ايقاف هؤلاء. « القضية تحتاج الى تنسيق بين الدولتين لأن هؤلاء ينتشرون على الحدود فلو تحركت الخرطوم لوحدها لايمكنها ايقاف هؤلاء وكذلك لو تحرك الجنوبيون لوحدهم ، وانا ارى ان التنسيق يجب ان يكون عسكريا بين السلطات فى ولايتي جنوب كردفان وغرب بحر الغزال». فى مطلع الشهر الماضى ، اتفقت دولتا الجنوب والشمال على نشر عدد (300) فرد من القوات الدولية من دولة اثيوبيا فى مناطق عازلة تم تحديدها وفقا لاتفاقية الترتيبات الامنية الموقعة فى العاصمة الاثيوبية اديس ابابا ، ومن بينها المناطق الحدودية العازلة بين الميروم واويل. وربما تضطلع هذه القوات فى حال نشرها بضبط الحدود وتقليل حالات القتل والسلب والنهب ، مع ان حزب المؤتمر الوطني يقول ان مهمة هذه القوات هو كتابة التقارير حول اية خروقات قد تنشأ فى الحدود بين القوات المسلحة او الجيش الشعبي، بحسب ماذهب اليه المتحدث باسمه ابراهيم غندور. ويعتقد ابو قرون ان التعويل على القوات الدولية لمنع تفلتات المجموعة الحالية او اية مجموعات اخرى امر غير مجد « من الافضل ان يتم حسم هذه المجموعات ايا كانت منذ الان ، لأن استمرارهم قد يتحول الى تشكيلات عسكرية غير منضبطة تصعب السيطرة عليها لاحقا». وتقع منطقة الميرم فى الجزء الجنوبي من ولاية جنوب كردفان ، وهي اكبر منطقة تجارية واستراتيجية وتكتظ المنطقة بالاشجار التى تجعل من السهل على اية مجموعة عسكرية الاختباء ، ويتفرع منها شارعان رئيسان يؤديان الى ابيى واويل، وبالتالي هي اقرب مدينة حدودية مع دولة الجنوب في هذه المناطق. وتشهد حركة القطارات في هذه المنطقة حراكا كثيفا بوجود محطات عديدة. ويقطن المنطقة اثنيات كثيرة اهمها المسيرية بالاضافة الى مجموعات قبلية تنتمي الى جنوب السودان.