في الفترة الاخيرة سجلت شركات التأمين خسائرفي جانب التأمين الطبي ، وبحسب المختصين في هذا الشأن ان هذه المشكلة لم تكن موجوده مع بداية تجربة التأمين في النصف الثاني من العقد السابق ، مع ان الاقساط التي يدفعها المشتركون تكفي لتغطية ارتفاع تكلفة الخدمات الطبية من الدواء وزيادة خدمات المستشفيات وكذلك التعاقد مع الاطباء ، وقد يكون السبب في هذا التراجع حامل البطاقة نفسه ، فهناك الكثير من العملاء يترددون على المستشفيات بشكل دائم فأية زيارة اومقابلة تخصم من سقف المشترك ، فاصابع الاتهام موجهة مباشرة الى مقدمي الخدمة الذين باتوا يستغلون التأمين الصحي لاغراض ربحية . وقد اتهم بعض المواطنين شركات التأمين بانها ترفض علاج بعض الأمراض بحجة أنها تجميلية حيث قال المواطن ازهري عبد الرحمن علي ، ان شركات لاتغطي بعض الامراض ولكن الغريب في الأمر أن هذه الأمراض التي تُصنف كتجميلية تحمل مخاطر على المرضى وتطوراتها قد تكون لها تبعات معقدة . وهنا يطرح السؤال نفسه من يقرر الحالات المرضية ويصنفها على أنها تجميلية من عدمه ؟ وهل المرضي الذين تجري لهم الفحوصات يحتاجونها بالفعل ؟ وقال ابراهيم بابكر انه ذهب الى المستشفى بغرض تحليل الدم لمعرفة ان كان مصابا بمرض الملاريا ام لا ، ولكنه تفاجأ بأن طلب منه الطبيب عددا من الفحوصات التي اخذت منه اكثر من نصف اليوم ، وكلها كانت سليمة فهو لم يكن يحتاجها منذ البداية واضاف ان مادار في ذهنه في تلك اللحظة ان المستشفى تستثمر في مثل هذه الحالات ، ومضى في الحديث ليقول ان شركات التأمين نفسها تستهدف بعض الفئات للاشتراك فكلما دفعت أكثر بالتأكيد تحصل على تغطية أوسع وهذا في عالم التجارة يُعد منطقياً ولكن أيضاً لا يمكن أن يكون مجدياً لمفهوم التأمين الطبي وتحقيق الصحة العامة فلا بد من وضع آلية مختلفة لهذا المفهوم بحيث يُعاد النظر بتصنيف الأمراض واعتبار أن الجانب المهم هو مدى تأثير بعض الأمراض على الناس ومدى خطورة تطوراتها وليس من باب أن بعضها مكلف ولذلك تتخلى عن تغطيته شركات التأمين ، ففي الخمسة اعوام الاخيرة توسع التأمين بشكل كبير فعدد المشتركين فيه يتزايد بشكل مستمر ملتزمون بدفع أقساط سنوية ، فعدد المشتركين في شيكان وحدها حوالي 140 ألف مشترك ملتزمون بدفع الاقساط من الجهات التي يعملون بها من القطاع الخاص ، فالمشتركون يدفعون جزءاً من تكاليف العلاج على الزيارة وقيمة الأدوية والعمليات وأي علاجات نوعية أخرى ، ويقول محمد السيد ان تصنيف الأمراض أو العلاجات التى يجب أن يقرر بشكل مفصل من قبل جهة رسمية تراجعه بشكل دقيق وأن ينظر بنسب التغطية من قبل الشركات بأسلوب أكثر فائدة للمريض فلا يمكن اعتبار بعض الحالات انها لاتحتاج بينما الطب يقول بأنها أمراض ذات مخاطر مستقبلية كبيرة إذا ما لم يتم تداركها مبكراً والعكس تماماً ، ولكن ذلك يحتاج الى التزام اخلاقي وان غاب هذا الالتزام قد تغيب معه خدمة التأمين الصحي . وفي داخل احدى الصيدليات بوسط الخرطوم سألت الصيدلي الذي كان منهمكا في قراءة الروشتات وتحديد مواعيد تناول الدواء ، هل تتعاملون مع شركة تأمين فاجاب نحن نتعامل معها منذ وقت طويل ، وعندما سألته ان جاءه احد المرضى وطلب دواء معينا واعطاه دواء بديلا بذات السعر فاجابني بالنفي وان مرضى التأمين يتعامل معهم بشكل واضح ودائما ما اطلب من المريض ان يعود الى الطبيب مرة اخرى ليكتب له على دفتر العلاج ، ولم يسبق لي ان قمت باستغلال مريض بهذا الاسلوب اوغيره ، ولكني لا أنكر وجود آخرين من ضعاف الذين يفعلون مثل هذه الاساليب لتحقيق الارباح . الا ان المستشفيات نفت ماوجه اليها من اتهامات بأنها تستغل المرضى لتحقيق ارباح لصالحها من خلال شركات التامين ، ولكن ما لفت انتباهي ان كل الذين استطلعتهم داخل المستشفيات طلبوا مني عدم ذكر اسمهم اوالمشفى ، وعندما سألتهم لماذا ؟ اجابوني حتى لاتتأثر مستشفياتهم من هذه التصريحات فالمواطن السوداني انطباعي وقد يفهم انك قصدت هذه المستشفيات لانها تقوم بمثل هذه المخالفات واحترمت رأيهم ولم اورد اسماء المستشفيات التي طرقتها ، وما لاحظته ايضا انهم كانوا يدافعون عن مستشفياتهم بأنها تقوم باجراء مايلزم من الفحوصات وفقا لرؤية الاطباء ، ونفوا جميعهم ان تكون للمستشفيات سياسات منتهجة لاستغلال المرضى لتحقيق ارباح من خلالهم ، وفي ذات الوقت لم ينفوا وجود مؤسسات طبية تقوم بمثل هذه الممارسات ولاتلتزم بالضوابط الخاصة للتأمين الصحي ، وما لاحظته انهم اختلفوا حول الدواء الذي يصرف من الصيدليات ، باعطاء البديل للدواء الاساسي بذات السعر وقال ان خدمات التامين لاتحقق ارباحا عالية للمستشفيات . وقال مصدرموثوق قريب من دوائر التأمين الطبي فضل حجب اسمه ل(الصحافة ) ان 50% من المطالبات التي تأتي الى شركات التأمين من قبل مقدمي الخدمات الطبية غير حقيقية ، وتدخلنا في كثير من المغالطات التي لانجد لها اجابات واضحه ، بأن هذا الشخص يحتاج الى هذه الفحوصات ام لا ؟ ام ان مقدم الخدمة المعني فعل ذلك لاجل الربح ؟ الشئ الذي ادى الى خسارة هذه الشركات بشكل جماعي ، واضاف ان حاملي البطاقات ايضا يتعاملون بشكل غير لائق ، فمثلا هناك كثير من الحالات التي رصدت ، بان يتفاجأ مقدم الخدمه ان حامل البطاقة غير الشخص الذي يملكها ، وقال المصدر ان الكثير من حاملي البطاقات يتعاملون بعدم مسئولية تجاهها ومن المعروف ان ذلك يؤثر مباشره على رصيد الشخص ، وقد لايجده عند الاصابه بمرض يصعب علاجه ويحتاج الى مبالغ مادية كبيرة ، واتهم المصدر الصيدليات بشكل مباشر بانها تستغل المرضى من حاملي بطاقات التامين لتحقيق ارباح ، مشيراً الى بعض الصيدليات عندما ياتي اليها المريض حاملا روشته بها ادوية غالية الثمن ، فيخبره الصيدلي ان الادوية غير موجوده ولكن هنالك بديل ، مع العلم ان البديل اقل سعرا من الدواء الاساسي ، ويعطيه البديل بذات سعر الدواء المكتوب دون اجراء اي تعديلات على الاسعار ، وتنبأ المصدر بأن شركات التأمين سترفع يدها في وقت قريب اذ ا استمر الحال هكذا ، فهي لن تخسر شيئا ولكن سيلقي ذلك بظلاله السالبه علي المواطنين . ويبدو ان المشكلة تتشعب اطرافها واتضح ذلك من خلال حديث مدير التأمين الطبي بشركة شيكان للتأمين ، عبد المحسن عبد الباقي ، الذي قال ان احد زوايا المشكلة متعلقه بثقافة المجتمع ، في اشارة الى بعد الشركات من تثقيف المجتمع بكيفية استخدام بطاقة التأمين وان الاستخدام الخاطئ لها ، خصما على رصيد العملاء ، قبل ان يقول ان الدعم الذي يقدمه التأمين الصحي بإستيعاب شريحة كبيرة من المرضى المقتدرين كان من الممكن ان تكون مزاحمة للاشخاص البسطاء الذين يتعالجون في المستشفيات العامة ، فعدد المشتركين في التأمين لدى شيكان حوالي 140 الف مشترك ، متسائلا ماذا لو فقد هذا العدد خدمة التأمين ؟ فالربكة لتي سيحدثها في القطاع الكبير ، واضاف ان التأمين الطبي اذا توقف قد تفقد المستشفيات دعما كبيرا في الخدمات المختلفة ، مؤكدا على شركات التأمين خلال الاعوام السابقة ظلت تسجل خسائر في مجال التأمين الطبي الذي باتت تدعمه من جوانب التأمين الاخرى فهو من الانواع غير المربحة وتحرص عليه الشركات كخدمه مجتمعيه ، ليعرج بالحديث عن المستشفيات التي قال انها غير معفية من تلك المشكلات التي قد تؤدي الى توقف التأمين الطبي ، فبعض المستشفيات قد يكون عندها تجاوزات ، ومن خلال الحالات التي تمكنا من رصدها خلال الفترات الفائتة طلب لتشخيص زائد لايحتاجه المريض وهي تزيد من خسائر شركات التأمين . ومضى عبد المحسن في الحديث ليقول ان رئاسات شركات التأمين لن تصبر علي التأمين اكثر مما صبرت خاصة قطاع المستشفيات الخاصة التي من المفترض ان نجلس معا لعقد ورش او سمنارات لايجاد معالجات سريعة لهذه المشكلة فهناك نقاط كثيرة نحتاج الى نقاش مستفيض فيها ، وان العميل ومقدم الخدمة لو التزما بضوابط التأمين فإن ذلك يصب لمصلحة المشترك ، فنحن نفتح نوافذ العلاج للشريحة المقتدرة بالمستشفيات الخاصه ، قبل ان يتحدث عن حالات التجاوزالتي تم رصدها من قبل بعض المستشفيات ليقول تم حسم كل المتجاوزين من مقدمي الخدمات الطبية من المستشفيات والمراكز والصيدليات . والشاهد ان الوضع يحتاج الى دراسات عميقة تخرج عنها ضوابط صارمة تحد من هذه الفوضى ، فعند تطور الحالات المرضية تصبح التكاليف على المجتمع أكبر وكذلك على الأسر ويفقد التأمين قيمته في أنه يساهم كدرع حصين بعدم تفاقم وتطور الأمراض بالمجتمع وارتفاع التكاليف على الصحة العامة وانخفاض إنتاجية المجتمع وذلك من خلال تعطيل طاقات بشرية بسبب صحتها المتردية نتيجة عدم تدارك الحالات بوقت مبكر، وفي ذات الوقت على مقدمي الخدمة الالتزام بالضوابط الخاصة بالتأمين الصحي حتى لايفقدو ا شريحة كبيرة من المجتمع خدمة اساسية ، وقد لا يقدر البعض خطورة الأمراض ويؤجل علاجه نتيجة ارتفاع التكلفة عليه وعدم شموله بالتغطية الطبية من قبل شركات التأمين ، فعلاج الأمراض ليس ترفيهاً ولا يمكن أن يكون للتكلفة ، فليس كل النشاط التجاري يُبنى فقط بقصد الربح، فالدول تقره لأسباب موضوعية أعمق من الجانب الربحي بقدر ما يكون له دور فاعل في تقدم المجتمع وتحسين الصحة العامة ، فلا بد من إعادة النظر باللوائح الطبية المتعلقة بتغطية العلاج الطبي من قبل شركات التأمين ودراسة أسعار الاشتراكات وأسباب ارتفاع تكلفة العلاج والتشجيع على زيادة الاستثمار بالقطاع الخاص الطبي لتزداد السعة الاستيعابية للمرضى، وإلا فإن القطاع الحكومي الطبي سيبقى هو من يتحمَّل زيادة الطلب على الخدمات الصحية مما يرفع بشكل مطرد الأعباء والتكاليف على القطاع الطبي الحكومي الذي يترنح ، وبالتالي تنحسر الفائدة من دور التأمين الطبي بتقديم خدمات طبية بأسعار معقولة وشاملة ترفع من مستوى صحة المجتمع والتزام مقدمي الخدمة والعملاء بالضوابط .