تبدو (رانا ريكو) إمرأة عادية.. بسيطة في ملبسها وملمحها.. تترك شعرها الناعم القصير وهو يتدلى على جبهتها.. فتمسح بضع شعيرات تتساقط في عينها هنا وهناك. متزوجة من (براين) ولديها طفلان، كان احدهما في الخامسة والثاني في الثالثة من العمر حينما بدأت قصتها.. كانت تحيا يومها بنظام وترتيب شديدين، لديها قائمة كاملة باهم ما تريد انجازه في يومها، وتقيس مدى نجاحها بمقدار المهام التي إستطاعت اكمالها. وبالرغم من ان (رانا) تبدو لمراقبيها إنسانة سعيدة نشطة تتحرك كما النحلة، وتظهر حياتها بالعين (المجردة) مستقرة، إلا أن أعماقها كانت تضج بمشاعر كثر. كانت (رانا) ذات الأصول اليابانية، ترغب في أن تقوم بدراسة عن أحداث هيروشيما وإصدار كتاب عن تجربة أبناء بلادها بالرغم من أنها عاشت بالولايات المتحدة طوال عمرها. كانت كل رغبتها محصورة في شهر واحد فقط تذهب فيه إلى اليابات وتلتقي بمجموعة من معايشي أحداث هيروشيما لتقوم بإجراء مقابلات تؤلف على إثرها كتابها. ووجد زوجها (براين) أخبارا عن منحة دراسية لمدة سنة تدفع أعباء السفر والمعيشة لمدة ستة أشهر باليابان والبقية للكتابة بأرض الوطن. وحث براين زوجته على التقديم للمنحة التي ستحقق لها بعضاً من آمالها العملية. وقامت (رانا) بملء البيانات والتقديم.. وبعض فترة بسيطة تم إختيارها للفوز بالمنحة الدراسية. وسافرت (رانا) إلى اليابان لتلتقي الأحياء الذين يعانون ويذكرون تجربة هيروشيما. ووجدت (رانا) أنها، بالإضافة لتجارب معايشي هروشيما، تكتشف نفسها ذاتها. لقد شعرت (رانا) أنها تعود إلى ذات الإنسانة القديمة التي خبرتها قبيل أن تصبح زوجة وأم. وأحست أنها كانت قد فقدت نفسها تماما، كما تقول، وأرادت أن تعود إلى (رانا) التي كانت تعرفها طوال حياتها. وعادت (رانا) إلى بلادها وهي تحمل مسودة كتابها، هيروشيما في الصباح، وقرار بان تترك أسرتها خلفها. وقامت في البداية بإنهاء حياتها الزوجية التي كانت متواصلة لعقدين من الزمان وتركت خلفها إبنيها في محاولة لكي تعيش حياتها التي كانت تعرفها قبلا. ووجدت (رانا) هجوما ونقدا عنيفين بسبب كتابها، الذي حقق مبيعات ضخمة وتم ترشيحه لجوائز، بسبب تركها لأسرتها. ورميت (رانا) بالأنانية المفرطة التي جعلتها تقرر أن تترك (عيالها) لكي تحيا هي حياتها. وبالرغم من أن (رانا) باتت تتحدث في وكالات الأنباء بان قرارها كان في ذاك الوقت خاطئا ، وبالرغم من أنها اليوم تعيش في منزل يقع في ذات الشارع الذي يسكن فيه طفلاها مع والدهما وتحاول أن تكون جزء من حياتهما، إلا أن دائرة الإنتقادات عليها لم تنته. وإنتبهت إلى أن العالم يحصر المرأة في دور الأم التي يجب أن يأتي أبناؤها في المقدمة، اوليس لمثل هذا خلقت؟ لكي تحملهم في أحشائها تسعة أشهر وهنا على وهن ثم فصالهم في عامين.. ولكي ترعاهم وتحبهم فهي نبع الحنان والعطف اللذان لا ينتهيان. وربما صدمت (رانا) المجتمع لأنها هي المرأة التي قررت ترك الأسرة، فإذا ما كانت القصة عن قرار رجل قرر ترك أسرته ليكون غيرها ما كان ليعبأ بها احد. إن للمرأة فيما يبدو، حول العالم اجمع، قوالب معينة ويجب عليها أن تعمل جاهدة لكي تبقى في (علبها)!!