شئ خير من لا شئ و«الكدم ولا العدم»، فان يخرج الزميل الصحافي أبوذر الأمين من المعتقل بالضمان الشخصي، فذلك أفضل ألف مرة مما كان عليه وضعه قبل أن يطلب وزير العدل ملفه اثر تأثره بما أثاره الزميل الصحافي الجميل فيصل محمد صالح بأخيرة الغراء صحيفة الأخبار، وكان فيصل قد طالب ب«ذرة من العدالة» في قضية أبوذر، وقد وجدت خطوة وزير العدل تلك من الاستحسان الكثير، ليس في أوساط الصحافيين فحسب بل في نفس كل محب للحق والعدل ومنافح عن الحقوق والحريات، ورغم أن التعويل على خطوة وزير العدل كان كبيراً إلا أنها لم تسفر حتى الآن سوى عن اطلاق سراح أبوذر بالضمان مع بقاء لائحة الاتهام الجديدة مشرعة في وجهه وهي اللائحة التي أبقته في المعتقل رغم اكماله مدة محكومية امتدت لعام ونصف قضاها داخل السجن لينتقل من معتقل إلى معتقل دون أي فاصل زمني ولو لساعة يطل فيها على أسرته ويعود بعدها إلى محبسه، فقد كان الشاكي وهو جهاز الأمن في الحالتين جاهزاً بتهم جديدة هي تقريباً نفس التهم الأولى التي أودت أولاً بالزميل أبوذر إلى «جخانين» المعتقلات وانتهت به في حراسات السجون، فكلتاهما تتصلان بالنشر الصحفي وليس ثمة ما يفرق بينهما غير أن الأولى نشرت بصحيفة والثانية نشرت بصحيفة أخرى، وربما تسبب ذلك في ايقاع عقوبتين على الزميل أبوذر على «ممارسة» واحدة ولا نقول جريمة فمن العسير على أي صحافي حقيقي أن يطلق على قضايا النشر والرأي مسمى جرائم، وقد ذكرني ذلك بطرفة كنت قد رويتها في سياقٍ مشابه والطرفة تتصل بالطريقة التي يمارس بها أعضاء المحاكم الشعبية القضاء في أشباه المدن والأرياف في حقبة ماضية من الزمان السوداني العجيب وهي طريقة فيها من الدراما والعسف والعبث ما جعل الساخرين يطلقون عليها محاكم الكابويات وخلاصة الطرفة أن احدى هذه المحاكم قد انحازت إلى جانب أحد أبناء الذوات وكان قد جاءها شاكياً من قال إنه سبه وشتمه فحكمت المحكمة على المتهم بالجلد ولكن لم يكد الجلاد يهوى بآخر سوط على ظهر المحكوم وكان يتململ ويتأوه من وطأة الألم، إذ بابن الذوات الذي كان يتلذذ بمشهد خصمه وما كان عليه من ذلة وانكسار أن تقدم مجدداً للمحكمة ليبلغهم ثانية بأن المتهم كان قد سبه قبل شهر بذات العبارات فأعاد الكابويات محاكمة المتهم بالعقوبة ذاتها وللمرة الثانية على التوالي، وفعلاً أن الرب يرحم ولكن سرتانا لا يرحم.... الآن ورغم ما كان في شأن أبوذر الذي كنا نتوسم فيه خيراً بعد مراجعات وزير العدل أكثر من الذي حدث، إلا أن هذه الخطوة على ما عليها ستبقى محمودة ومطلوبة ويمتد معها الأمل في أن تطال زميلنا الصحافي جعفر السبكي ومن معه من معتقلين فيطلق سراحهم ولو بالضمان على غرار ما حدث لزميلهم أبوذر فلا فرق بين قضايا النشر والبث فكله صحافة، والعافية درجات، والحق قديم والرجوع إليه فضيلة وذلك هو مناط العشم ليس في وزارة العدل فقط وانما في كل أركان العدالة، فالعدالة واحدة والحرية لا تتجزأ وإذا لم تقبل الظلم على نفسك فلا تقبله على الآخرين وتذكر أن الله قد سمى نفسه الحق والعدل....