قال الله تعالى في محكم التنزيل: «قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين» «القصص:26» ما إن بدأ حلول موسم الانتخابات في السودان إلا وأصبح الاستدلال بذكر هذه الآية الكريمة بمناسبة ودون مناسبة، سواء من قبل المرشحين وما أكثرهم أو المستشارين والمنافقين والجوقة الذين يحيطون بكل مرشح إحاطة السوار بالمعصم، وجميعهم يقصد تزكية المرشحين ووصفهم بالقوة والأمانة والنزاهة، وما طاب وسما من الخصائص والأوصاف. ففي هذه الأيام التي نعيش فيها أجواء الانتخابات، يلجأ الكثيرون من الطامعين في السلطة السياسية من أعلى الهرم إلى أدناه، إلى بذل الغالي والنفيس، بل يسابقون وينافسون ويكابدون وينفقون الأموال، وهذا التسابق ما كان إلا لأنهم يعتبرون هذا المنصب أو ذاك مغنماً وليس مغرماً. وهذا ما يخالف دعوات تزكية النفس المستهلكة، واستخدام الآية الكريمة وترديدها ليل نهار في غير مواضعها في أغلب الظن. إن المسؤولية العامة في الإسلام أمر عظيم وجلل لا يقدر عليه إلا من تحلى بقيم وخصائص ومواصفات خاصة، أولها ليس القوة والأمانة فحسب، بل الصدق والإخلاص وبذل الجهد وتحمل المسؤولية وغيرها، فهي تكليف لا تشريف، ولا يتنافس عليها بالشكل الذي تظهر به هذه الأيام إلا الغافلون أو المغفلون الذين لا يدركون حال المسؤول في الآخرة من حبس في الموقف، وسؤال عسير، ومن أين لك هذا وربما ذاك؟ إن استخدام الآية الكريمة في السباق الانتخابي وترديدها بهذا الشكل الهستيري الفج، أمر يثير الاستنكار والاشمئزاز والقرف، لأنه ببساطة يخالف مفاهيم ومعاني تزكية النفس الواردة في القصة القرآنية الكريمة. وفي هذا المقام أذكر الجميع بقصة سيدنا أبي ذر الغفاري رضى الله عنه، عندما طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوليه إمارة أو يجعله والياً، فماذا قال له الرسول الكريم: «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها ووفى الذي عليه فيها»، فمن منكم يشابه أبا ذر رضي الله عنه وأرضاه؟ والواقع أن المرشح المؤمن المخلص الذي يخاف الله ويخشاه يجب ألا يتقدم لمنصب عام إلا حين يرى في نفسه القوة والأمانة والنزاهة والإخلاص في العمل بعد استخارة رب العالمين، واستشارة العارفين، وأن يرى أنه مؤهل علمياً وعملياً وواقعياً، وأن الأمة بحاجة إليه للإسهام في تنميتها وتطورها وحفظ ثرواتها والدفاع عنها والذود عن حماها وإلا فلا. [email protected]