ما هي الخيارات المطروحة إذن لحل معضلة المنطقتين، النيل الأزرق وجنوب كردفان، بعد ان تمسك كل طرف بموقفه النهائي للدرجة التي وصلت فيها الأمور حد اراقة الدماء والرد بقوة السلاح على ما يعتبره الطرفان عدوانا وتعديا على حقوقه المستندة على الدستور المؤقت أو الاتفاقية الشاملة للسلام. تتراوح الخيارات بين صفرية وكسبية بلغة الامام الصادق المهدي، والخيارات الكسبية هي الاستماع لصوت العقل والجلوس الى طاولة المفاوضات ومن ثم الوصول الى تسوية سياسية تقود الى حالة استقرار سياسي في المنطقتين تنداح على المشهد السياسي، اما الصفرية فهي الاستمرار في قرع طبول الحرب واراقة مزيد من الدماء وتدخل المجتمع الدولي والتمادي في تقسيم السودان الى كانتونات صغيرة أو دويلات متحاربة. الواقع الماثل يقول ان الطرفين سدرا قدما في مفاصلتهما وان كل طرف لن يدع جهدا لسحق الطرف الآخر الا وبذله، ففيما تتواصل الحرب اعلنت الحركة الشعبية ان معركتها متواصلة ورفعت سقفها بدعوة القوى السياسية الى التكاتف لاسقاط الحكومة وقالت انه (لم يتبق أمام الشعب السوداني سوى المزاوجة بين العمل السلمي الجماهيري الواسع لتغيير النظام وبين الكفاح المسلح الجماهيري المسنود من المهمشين ومن جبهة واسعة تمتد من النيل الأزرق شرقا والى دارفور غرباً)، ومن جهتها قالت الحكومة انها لا يمكن أن تتعامل إلا بحسم وحزم بعد أن مدت حبال الصبر طويلا وقالت انها لن تتسامح مع أي طرف إلا بما يمليه الدستور والقانون، كما ستتبع هذا الموقف بمجموعة من الإجراءات في تأمين البلد والمواطنين، وتعتبر الحكومة أن ما يجرى الآن في النيل الازرق وجنوب كردفان نتيجة مباشرة لعدم إيفاء الحركة الشعبية بالتزاماتها المنصوص عليها في البروتوكول الامني الذي ينص على سحب قوات الحركة الى حدود يناير 1956م . وكما يقول محللون فإن النهاية المنطقية لمثل هذه المواقف لا تحمد عقباها ومن وجهة نظر الامام الصادق المهدي التي قال بها في منتدى الصحافة والسياسة الحادي والسبعين في مايو الماضي حول المناطق الثلاث واشار اليها في خطبة عيد الفطر قبل ايام بمسجد الهجرة بودنوباوي ما يمثل المعادلة الكسبية للطرفين لأن في استمرار هذا الاقتتال معادلة صفرية حيث قال ان الحزب الحاكم يدرك الحاجة لإصلاح سياسي ولكنه يريده إصلاحاً محدوداً يواصل نفس السياسات التي أوصلت البلاد لما هي عليه الآن وبنفس الملاحين وقال (إن نفس السياسات ونفس القادة لن يستطيعوا حل الأزمات) وكما يشير القيادي بحركة تحرير السودان محمد بشير عبد الله فإن السيناريو هو ان تنتشر حروب الهامش والزحف تجاه المركز من قبل الثوار ويفشل المؤتمر الوطنى في التصدى لها ومن ثم تحدث زيادة الململة وسط الجيش وبل التمرد الداخلى فى وسطه، وتتأزم الظروف المعيشية للمواطن ومن ثم الانهيار الاقتصادى وعند هذه المرحلة سيكون السودان تحول عمليا الى شظايا متفرقة بعضها في الوسط وبعضها الآخر في الأطراف، داعيا الى الانتباه من اجل انقاذ ما تبقى من الوطن واقامة حكم ديمقراطى حقيقى اساسه المواطنة الحقة المتساوية. ولعل من توابع التمادي في التعارك والتحارب كما اثبتت التجارب السودانية القريبة، التدخل الاجنبي، الذي يخشاه كثيرون ولا يتحسب له قليلون والذي يستتبع دخول اجندة اخرى تتصدرها مخططات تقسيم السودان المتبناة من غير ما طرف حسبما هو منشور ومعلن، وقد لاحت بوادر التدخل بتصريح المبعوث الامريكي للسودان برنستون ليمان المبعوث الأمريكى للسودان عقب لقائه يوم السبت الماضي مع وزير خارجية مصر عن الأوضاع في دولتى السودان وجنوب السودان فى ظل استمرار المناوشات القتالية بين الجانبين، قال المبعوث أن الموقف فى السودان يعد حساسا للغاية بسبب المناوشات القتالية الدائرة حاليا بين الشمال والجنوب.. مما عده مراقبون مقدمة لسيل تصريحات وقرارات في الطريق..! في ما يتعلق بالخيارات الكسبية فإن طرفي النزاع ورغم تباعد مواقفهما الحالية الا ان هناك ما يبعث على التفاؤل والاستبشار وذلك بالنظر الى انهما يفتحان كوة صغيرة لاحتمالات سيادة الحل التفاوضي على الحل العسكري اذ ان الحكومة اقرت على لسان ناطقها الرسمي وزير الاعلام كمال عبيد أن هناك مشكلة سياسية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وقال عبيد في مؤتمره الصحفي قبل يومين ان الحكومة لم تغلق باب التفاوض، كما رحج وكيل وزارة الخارجية رحمة الله محمد عثمان في مؤتمره الصحفي في الأول من أمس العودة الى الحل السياسي باعتباره الاوفق للطرفين. وكذلك هي مواقف الحركة الشعبية قطاع الشمال في جزء منها حيث اعلنت من قبل انها متمسكة بالاتفاق الاطاري الموقع باديس ابابا بينها والمؤتمر الوطني كسبيل لمعالجة الاوضاع بالمنطقتين سياسيا وكانت قالت على لسان امينها العام ياسر عرمان ان الاتفاق الاطاري هو الاساس للوصول لاتفاق سياسي مع المؤتمر الوطني حول مجمل القضايا المختلف حولها. ما يعزز فرص المعادلة الكسبية هو الاتفاق على خصوصية المنطقتين ومن خلفهما مناطق أخر اذ يكاد الجميع يجمعون على ان جنوب كردفان والنيل الازرق حتى من قبل ان تفرد لهما اتفاقية السلام الشامل بروتوكلين خاصين بهما منطقتين تحتاجان الى قدر عال من الحساسية في التعاطي معهما لما تتمتعان به من اوضاع خاصة في الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، وايضا مما يعزز الفرص هذه تلك الاصوات التي تنادي بضرورة التعاضد من اجل الحفاظ على ما تبقى من السودان سليما معافى بعيدا عن حالات الاستقطاب السياسي والاثني والديني ويشير محللون الى ان هذه الاصوات تجد استجابة واستحسان لدى اوساط واسعة وكما يقول الدكتور الواثق كمير في رسالته المفتوحة (وقفه مع النفس: هل نرغب في العيش سويا) المعنونة الى الدكتور غازي صلاح الدين فإن الطريق الوحيد للخروج بالبلاد من هذا الاستقطاب الحاد هو أن يدرك الشريكان، من جهة، والقوى السياسية الأخرى، من جهة أخرى، أهمية الحوار الجاد حول كل القضايا الوطنية موضع الخلاف وتبنيه كمنهج وحيد لعلاجها.