السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العوامل الاستراتيجية للتنمية المستدامة بالمجتمع والدولة ما بعد الحرب الاهلية (4)

إن طبيعة الإجابة على التساؤلات التى تفرضها (إنماط التحول التنموي) ستساهم فى تشكيل الملامح العامة لسودان مرحلة مابعد الحرب والأبعاد التنموية الاقتصادية والسياسية بل وحتى المجتمعية والثقافية التى ستستند عليها انماط هذه التحولات . هل انتهت الحرب عبر التسوية الشاملة (ذات الطبيعة المتعددة) ؟ وهل كان الحل حلاً تفاوضياً تساومياً (ذو طبيعة تاريخية)=روعيت فيه المصالح المشروعة لكل الاطراف المتصارعة ؟ أم هو حل (صفرى) يقوم على حرمان الاطراف الاخرى بصورة تلقائية من المشاركة فى عبء صناعة المستقبل والتعبير المشروع الذى يضمن أدوارها الثقافية والمجتمعية والسياسية بل وحتى فى حقها فى الوجود الحر والمستقل .
2) المتابعة التاريخية لعمل هذه المتغيرات : (أى متابعتها بعد دخولها حيز التنفيذ ،أثناء ومابعد.) ، بمعنى كيف تعمل هذه المتغيرات فى المراحل التاريخية ، ماقبل والتى تم التعرض لها ، أثناء ومابعد التى سيتم التطرق لكيفية دخولها حيز التطبيق. فالتعامل التاريخى مع العامل الريعى فى هذه المرحلة يعنى أن مناطق تمركزها الجغرافي والإثنى تكون هى مناطق النزاع العسكرى ، الحكومة فى مقابل ذلك تقوم بممارسة سياسية إجتماعية وإثنية وإقتصادية وسياسية قائمة على الإستخدام الكثيف للموارد الريعية حتى تبنى قوة عسكرية ضاربة ، النظرية تقول أنه بعد 5 سنوات يمكن للدولة أن تشكل قوة عسكرية لايمكن هزيمتها (:التجربة الأنغولية بين الحكومة ومتمردى أو ثوار اليونيتا). ليس بالضرورة أن يكون القضاء على التمرد أو هزيمته فقط عسكرية بل يمكن أن تكون إدماجية او إستيعابيه إقتصادية أو عسكرية أو حتى بشراء المشروعية السياسية (= كما فى تجربة بعض الدول العربية العشائرية الريعية). فكلما كان المتغير الريعى عالى وموارده عالية جداً 80% (البترول مثلاً) ، كلما دل ذلك على إمكانية تمويل المشروعية السياسية بمعنى أن الموارد ضخمة ويمكن شراء المشروعية بها من خلال توزيع الفوائد الريعية والتقليل من حدة التفاوت ، ولكن فى نفس الوقت عندما يكون هذا المعدل الريعى عالياً جداً فقد يؤدي إلى نتائج عكسيةٍ ، خصوصاً عند تركزه فى منطقة جغرافية واحدة مما يعمل على تعزيز وتزايد المطالب الإثنية والسياسية والجهوية (الإقليمية) :إن الخروج من هذا المتغير ومن فعل آثاره أثناء النزاع يتم فى مرحلة مابعد إنتهائه من خلال تبنى سياسيات ومعالجات إقتصادية وسياسية وإجتماعية لبناء السلام تقوم على = تنوع المصادر الإنتاجية والإقتصادية ، توزيع عادل للدخل القومى وتنويع مصادره الإقليمية ، خلق فرص جديدة للعمل ، التنوع الريعى ومايتركه من آثار على تنوع الفرص الإقتصادية ، محاربة البطالة.
هذا من جانب ، أما من جهة التعامل التاريخي مع عامل الفرص الإقتصادية ، فينبغى هنا التميز بين النزاع : قصير ومتوسط وطويل المدى ، فكلما طالت فترة النزاع كلما زادت الأعباء على السكان ، على إعتبار أن النزاع القصير المدى يُحسم بتسخير كل الطاقات وتوجيهها فى فترة قصيرة زمنياً لصالح المجهود الحربى مثلاً (الحرب الاريترية ? الاثيوبية): أُستخدمت فيها كل الطاقات وأُنْهكت كل الإمكانات لتحقيق نصر سريع وحاسم. وبالمقابل كلما طال أمد النزاع كلما تم التأقلم على إقتصاديات الحرب مما يقلل من الأثر الفردى للحرب ، وبالإضافة لذلك فإن المؤشرات التى تُقاس بها الفرص الإقتصادية للسياسات الكلية لمعالجة الإختلالات أثناء وبعد النزاع التى تؤثر فى الجوانب التالية = أ/ الحرب تؤثر على التعليم بسياسيات التجنيد الرسمى والقسرى من جانبى الحكومة وحركات التمرد . ب/ والحرب لها أثر سياسي وإقتصادي من خلال توقعات العسكريون منها ، ماهى المغانم السياسية والإقتصادية التى تعود على النخب العسكرية والإثنية التى كانت تقود الحرب بإسم قواعدها الجماهيرية . ج/ وأيضاً الحرب تؤثر على النمو السكانى والديمغرافي من خلال ماتفرضه من حراك = النزوح الداخلى فى داخل الوطن ، النزوح الخارجي : فى الخارج الوطنى (اللاجئون). وبالهجرة وتشكيل مجتمعات دياسبورا ، فالحرب قد تهجر عدداً ضخماً من المتضررين للخارج وتشكل بهم مجتمعات دياسبورا يمكن أن يكون لها أثر على أوضاع الحرب ومابعد الحرب من خلال إما =
o تمويل إستمرارية الحرب والنزاع ، أو تقديم الدعم السياسى والإقتصادي لأطراف النزاع.
o أو تمويل إعادة الإعمار من خلال الموارد المادية والمدخرات أو الخبرات الفنية، والأمثلة على ذلك متعددة :المثل الإسرائيلى(مجتمعات يهود الدياسبورا فى أوربا وأمريكا الشمالية) المثل الآيرلندى( فى أمريكا الآيرلنديون هم الذين يدعمون آيرلندا فى مواجهة بريطانيا) المثل اللبنانى( بعد الحرب الأهلية ، المهاجرون فى مختلف أنحاء العالم مولوا عملية إعادة الإعمار وقبلها دعموا التيارات المتصارعة فى لبنان).
أما التعامل التاريخى مع عامل الهيمنة الإثنية ، من جانب آخر ، فإنه يعتمد فى هذه المرحلة لحد كبير على النظام السياسي والإجتماعي فى البلد المعنى ودرجة قابليته للتجانس الإثني فى حالات (الوحدة المتنوعة أو الإنفصال) والتى تعتمد على القدرة السوسيولوجية للنظام السياسى على تجاوز العقبات = المثل السودانى هلى يمكن أن ينطبق عليه وصف : شمال / جنوب، شرق/ غرب متجانس للخروج من طوق الهيمنة الإثنية التى أدت للنزاع وساهمت فى إستمراره أثناء النزاع ، فهل هنالك قابلية للخروج عليها (لبناء حالة إجتماعية تعايشية مستدامه)؟! وذلك بكسر حده الهيمنة الإثنية بناءاً على نظرية :
الإمتياز المهنى والإقتصادي كشرط للنجاح الإقتصادي والإجتماعي فى مقابل : الإمتياز الإثنى والدينى كمحدد للنجاح.
إن إعتماد نظرية الإمتياز الأولى ? كما فى التجربة الأميركية ? ولو على الأقل نظرياً ودستورياً: مبدأ تساوى الفرص وليس على أساس نظام المكاسب الأيدلوجية المبنى على مفاهيم : الأقلية والأغلبية ذات الأساس الدينى والإثنى .. المثل - الجنوب أفريقى- : صوت واحد لشخص واحد (=التفوق الأخلاقى والقانونى والدستورى وليس الأيدلوجي أو العرقى : نجاح تجربة مانديلا قائمة على هذا التفوق ). وهذه النماذج تقوم على تبنى سياسات إقتصادية وإجتماعية وسياسية ولكن فى بعض الأحيان :السياسة (الواقعية ، الأيدلوجية) لاتصدق هذه النماذج : فالسياسية تتعامل مع الواقع بكل تراكماته الثقافية والسياسية. وبعض محاولات التقريب بين السياسيات والسياسة تتم من خلال فكرة التمييز الإيجابي : قصد معادلة الإختلال العرقى أو النوعى بنسب معينة لبعض الجماعات الإثنية أوللمرأة وذلك من خلال الإنتصار فى مرحلة، تاريخية ما لبعض الأقليات المهمشة تاريخياً عبر سياسة : الدعم الإقتصادي بفتح موارد جديدة ، الدعم السياسي بحصص لبعض الفئات الإجتماعية والنوعية، الدعم الإجتماعي بفرص تعليمية مثلاً لبعض الجماعات المهمشة .
إن بعض التجارب العالمية الماثلة فى التعامل مع الموارد الريعية (خصوصاً النفطية منها) قد إتجه بها لعنصر الإستهلاك بدلاً عن البنيات الأساسية ومن ثم إنفاقها على التسليح والإستقطاب السياسي ، كل ذلك يسير متزامناً بطابع عام من عدم الشفافية فى إستخدام هذه الموارد ... ولتلافى أخطاء هذه الرهانات السياسية الإقتصادية أو عيوب هذه التجارب ينبغى توجيه هذه الموارد لقطاعات البنية الأساسية والتطور المعرفى والتكنولوجي بهدف توليد موارد قومية جديدة بدلاً من إستخدامها كلياً لتمويل إنفاق الدولة فى إطار الموازنة الجارية (= السعى لتمويل إحتياجات جهاز الدولة البيروقراطي أو لتمويل المشروعية السياسية) ، إضافة لتبنى سياسة التنمية القطاعية المتوازنة وعدم الإعتماد على قطاع إنتاجي واحد بما يعنيه ذلك من إستثمار الدولة المتوازن فى مختلف قطاعات الإقتصاد (سيخفف ذلك من عبء العامل الريعى وعلاقته بالعامل الإثنى الذين يقودان إلى تركُز هذه القطاعات الإنتاجية فى إطار أقاليم وإثنيات محددة ) ..
إن تبنى إستخدام هذه الموارد بتلك الكيفية فى مشروع التسوية السلمية السودانية (المرتقب) سيُسهم دون شك فى دعم خطة التنمية الإقتصادية المستدامة بأبعادها المتكاملة : البشرية والإجتماعية والبيئية ، ويكفل إنطلاقها التاريخى نحو السلام ويقلل من إحتمالات إنتكاسها التراجعى نحو الإحتراب ..
خامساً :الأبعاد السياسية للتنمية بالمجتمع والدولة مابعد الحرب الأهلية
المقصود (بنمط) مشروعية الدولة (السياسية) ، بناء قاعدة مستقلة عن الدولة يمكن أن تُنمى مصالح مستقلة ومتجاوزة للمصالح المشروعة للدولة فتصبح هى العوامل التى تمول مشروعية الدولة ، وفى حالة نموذج مشروع التسوية السودانية ، فإنه بالتأكيد ليس المقصود فقط مايرد فى أدبيات الخطاب السياسي عبر مصطلح (قسمة السلطة) ، مهما كان شكلها الإحصائى ، فالمطلوب تجاوز هذه الإجرائية (الشكلانية) للقسمة السياسية (المؤسساتية) إلى رحاب أعمق وأوسع تطال بالتحليل والتعديل بنية وهيكل المؤسسة السياسية فى ذات الوقت وبإختلاف مستوياتها :المحلية وحتى الإتحادية ، قصد إعادة إدماج السياسية من جديد بقاعدتها الإجتماعية (grass roots) وليس تنزيلها الهرمى ،وهذا يقتضى مراجعة العديد من المفاهيم (الإجرائية والموضوعية) لأسس المشروعية السياسية التى تقتضيها ضرورات الإنتقال من مرحلة النزاع والإحتراب الأهلى إلى مرحلة السلام وإقتصاد مابعد الإحتراب الأهلى .
يُعد الفعل الحربى (بحسبان كونه التعبير العدوانى للفعل السياسي) فعلاً مؤثراً على أجهزة الدولة بالقوانين الإستثنائية وبتحول مؤسسة الدولة بصورة محورية لإنجاز الوظيفة الحربية = بحكومة حربية ، وبميزانية حربية تنعكس على الجوانب الإجتماعية والإقتصادية للمواطنين . بما تفرزه من ظواهر مرتبطة بالحرب وقوى مرتبطة بالحرب ، بل أنها تؤثر حتى على الجوانب الثقافية للمواطنين بإنتاجها لثقافة الإستقطاب التعبوي والحشد العنفى . إن أهم الإشكالات التى ينبغى الإهتمام بها عند التصدي للتعامل مع إشكالات مابعد الحرب تتلخص فى كيفية = إعادة بناء أجهزة الدولة ، إعادة بناء مؤسسات الدولة .
1) إن إعادة بناء أجهزة الدولة تعنى التعامل مع مفهوم شرعية دولة مابعد الحرب الأهلية ذلك أن نهاية الحرب بإتفاق الأطراف المتنازعة قد يفرُض أيجاد شرعية جديدة للدولة تقوم على قاعدة القبول الأخلاقى الجماعي (النافى لكيانات التشرذم) وعلى أسس الشرعية العقلانية (المؤسسية) القانونية ،وليس على أسس الشرعية (الكارزمية) مهما كانت خلفياتها الأيدلوجية ،وهذه الشرعية الجديدة تؤسس ب= الإنتخاب العام والإتفاق السياسي والدستوري الذى يُنهى الحاجة للقوانين الإستثنائية،ويعمل على التطبيع الدستورى التسالمى العام : للأفراد والجماعات والكيانات المجتمعية وصولاً لمستوى خضوع الدولة للقانون وكفالتها لأطر حقوقية لفض التنازع الإجتماعي متجاوز للإنتماءات التقليدية القديمة ولإشراف رقابى على مؤسسات الدولة بما يراعى مبادئ الحيدة والعدالة. وهذه العملية البنائية لاتستقيم خطواتها وتتسق إجراءتها إلا بمعايير ومؤشرات نوعية وكمية (رضائية) لنمط حكم (رشيد) بتضمن آليات آمره يملكها النظام الإجتماعي لتحقيق الأمن والرفاهية والتضامن والنظام وذلك قصد الحفاظ على الإستمرارية الإجتماعية بمضمون ومحتوى آيدلوجي ما يمثل روح هذا الحكم (بغض النظر عن طبيعة هذا الإختيار الآيدلوجي الوطنى) ولكنه يكفل فى النهاية وسائل إحترام الإرادة العامة بالتداول السلمى لسلطاتها وبقابليات الشفافية والرقابة وإمكانات محاسبة الذين يتولون السلطة سواء تعلق مفهوم هذا الحكم الرشيد بشقه الموضوعى (الحكومى) الذى تتجسده سلطه سياسية وشرعية تمثيلية تراعيان مصلحة الحاكم والمحكوم ، أو بشق فنى (إدارى) تتجسده مؤسسات عامة وأنظمة تسيير تنفيذى ومالى وفاعلية وإنجاز.
2) أما بناء مؤسسات الدولة فتتطلبها ضرورات التنمية الإقتصادية ما بعد الحرب التى تقتضى إعادة هيكلة مؤسسات الدولة بما يتناسب مع الواقع الجديد بالإقتراب من التعبير عن حقائقه السياسية والإقتصادية وتوازنات قواه المجتمعية الجديدة بما يكفل المساواة فى تمثيل الفئات المتنازعة وفقاً لما توصلت له الأطراف المتغالبة من توفيق تفاوضى ، ولكن السؤال المشروع هنا هو على أى أسس تم إعتماد المعادلة السلطوية التى يروج لها الخطاب الآيدلوجي لمشروع التسوية السياسية السلمية ؟! وهل تمت هذه الصيغ الإجرائية بمفهوم الأنصبة المتعادلة القائمة على التمثيل العادل للكيانات الإجتماعية والسياسية حسب وزنها الديمقرافي والسياسي مع الأخذ بعين الإعتبار الظلم التاريخى بما يعنيه ذلك من ضرورة التمثيل (الكمى) فى جميع أجهزة الدولة : السياسية والإقتصادية ، الأمنية بغض النظر عن التأهيل (الكيفى أو النوعى بالأحرى). أم انه قد أُخذ بمفهوم كيفي واقعى آخذ بعين الإعتبار لمواقع فئات إجتماعية حققت تواجد قطاعي تاريخي فى إحدى قطاعات الدولة والمجتمع بحيث من الصعب إزاحتها دون الإخلال الوظيفي بالأدوار التى تؤديها هذه القطاعات وبالتالى فالأجدر بقاء هذه القطاعات بيد هذه الفئات مع إدخال القوى الجديده تدريجياً وتطعيمها بعنصر الكفاءة لحساسية بعض وظائف وقطاعات الدولة التى لاتحمل إعتباطية الأنصبه الإحصائية المتعادلة. أهمية هذه الإختيارات تتبع من تأثيراتها على التوازنات الإثنية والمجتمعية والإستقرار السياسي فى (فسيفساء) تعددية يصعب إرضائها أو ملاحقة طموحها أو فى تلبية مطالبها الحقيقية.
3) أوليس الأوفق من بعد ذلك لصالح إستدامة وتوازن وإستقلالية القسمة السياسية بمشروع التسوية السلمية السودانية أن تقوم على المزاوجة الإيجابية والبناءة بين معايير : العدالة التمثيلية والكفاءة القطاعية ، خصوصاً فى ظل واقع مجتمعي لايزال يمارس الفعل السياسي (= بمحمولات إرثه التقليدي والعرفى) مفتقراً للثقافة السياسية الديمقراطية وبشكلانية تجرده من أى مضمون فكرى يجذرها على قاعدة واقعها المحلى ، خصوصاً وإن دينامية الفعل السياسي ماتزال لاتراوح سقفى الإطارين : الإثنى والجهوى. حيث تقوم الفكرة الأساسية على أساس المطابقة بين المصالح الفئوية النخبوية (الريعية) وبين الإمتداد المجالى الإثنى والجهوى للمصالح الكلية القبلية ، وبناءاً على هذه المطابقة الآيدلوجيه تتم عملية التنظيم السياسي والتحريضى الجماهيرى ، وجوهر هذه المطابقة هو الذى يمثل دينامية العملية السياسية للنخب القبلية فى إطار المجتمعات التقليدية للنزاع فى العالم الثالث: بنية السياسة التى أنتجت ظاهرة الدولة المشوهة أوغير الكاملة والتى تعيش ظروف تبعية أو علاقات إختلال ، وبنية الإقتضاد القائمة على الإقتصاد الريعى والتفاوت والتهميش. إن هذه الدنيامية السياسية هى رؤية آيدلوجية فى الأساس تعيد تصوير المصالح من خلال التكتيل القبلى والإثنى لصالح (المصالح) الفئوية الضيقة للنخب وهى تعتمد فى ذلك على :
* التداخل والترابط الواقعي والحقيقي وليس المُتخيل فقط بين مصالح الصفوة القائدة وبين قاعدتها من السكان المحليين التى لاتبني مشروعية مطالبها من فراغ إذ أن هنالك مايؤيد هذه المشروعية (= تخلف المنطقة وإفتقارها للخدمات التعليمية والصحية ومشاريع التنمية ،عدم وجود تمثيل سياسيى لسكان المنطقة فى أجهزة الدولة ، الحرمان من التعيير اللُغوى والثقافى). والذى قد يؤدي فى بعض الأحيان إلى تقوية الإتجاهات الإنفصالية أومايعرف بالجهوية،فداوفع الإختلاف الإثنوغرافي هذه قد تؤكد الفوارق الإثنو- إقتصادية داخله القطر الواحد الذى قد يقود بدوره إلى مايعرف بظاهرة الإستعمار الداخلى :والذى هو إمتصاص الموارد من الأقاليم المتخلفة وإستثمارها فقط فى الأقاليم المتطورة داخل القطر بواسطة الإثنية الأقوى سياسياً مع إستمرار التهميش والتمييز ضد الأقاليم الأقل نمواً. والخروج من هذا المصير لايتم إلا بإقامة نمط من التنمية المتوازنة المستدامة والعدالة فى توزيع عائدات الموارد والثروة الوطنية ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.