كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    أيهما تُفَضَّل، الأمن أم الحرية؟؟    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا سبكي: «ألف حمد لله على السلامة»
نشر في الصحافة يوم 10 - 09 - 2011

تقدمت هيئة الاتهام فيما يعرف اليوم بقضية «التخابر عبر راديو دبنقا» بطلب لدى محكمة جنايات الخرطوم وسط نهار الاثنين الخامس من سبتمبر الجاري، وهو طلب يتضمن اطلاق سراح جعفر السبكي بناءً على قرار رئيس الجمهورية. من جانبه وافق فضيلة قاضي المحكمة على مضمون الطلب، وبالفعل أوقف سير اجراءات القضية لحين احضار صورة من قرار العفو من رئاسة الجمهورية. عندما حدث ذلك بدا لي ان جعفر قد اطلق سراحه وأخذت أبحث عن تلفونه لأقول له «ألف حمدا لله على السلامة»، وقلبي حزين من أجله للظروف غير الطبيعية التي عاشها مع آخرين في مواجهة ات?ام قد تثبت المحكمة براءتهم منها آخر المطاف.
لقد أقتيد جعفر السبكي ابراهيم الصحفي المعروف بصحيفة الصحافة اليومية، وهو مسؤول فيها عن شؤون الاقاليم بما فيها اقليم دارفور، أقتيد قبل نحو عشرة شهور من مقر عمله بالصحيفة، بأربعة أشخاص نسبوا أنفسهم الى جهاز الأمن والمخابرات ومضوا به دون أي تراجع أو تفاهم، عاش السبكي من خلال هذه التجربة حالة أقل ما يمكن أن يوصف بها انها حالة ارهابية. كان الاعتقال حوالى الساعة الرابعة ظهراً لم يجدِ معه تدخل رئيس التحرير النور أحمد النور، وهكذا وضع السبكي رغم ارادته في سيارة بوكس وسط مجموعة الاعتقال التي اخذت تثير حوله الشكوك و?لاتهام وتضعه في بيئة الارهاب بمرجعية اليقين انه تخابر مع جهات أجنبية وتعامل مع اذاعة غير مرخص لها العمل بالسودان، وهي بعد اذاعة تتعامل مع المحكمة الجنائية.
هذا وطوال فترة التحقيق والتحري لم تكن هناك وثائق أو أدلة جنائية، ولعل كل ما قدمتها هيئة الاتهام من مبررات المحاكمة جاءت من واقع اعترافات انتزعت تحت وطأة التعذيب كما يرد دائماً في الحالات المشابهة، فيما جاء انكار الاتهام بالخيانة جملة وتفصيلاً أما رأي هيئة الدفاع فجاء مؤكداً ان المحكمة قد لا تجد نفسها أمام قضية جنائية إذا لم تعسف.
«2»
كواحد من كتاب الصحافة الراتبين، أجدني اجلس الى السبكي كلما اتيحت لي فرصة زيارة الصحيفة، متحققاً من بعض اخبار، فهو مهني بالدرجة الأولى يهتم بالدقة والتفاصيل الحقيقية للأخبار.
عرفت منه أنه من أم كدادة وهي مدينة صاحبة فضل على التعليم في دارفور الأقليم، ففي أجيال ما بعد الاستقلال لم تكن هناك مدرسة أخطأتها مساهمات المعلمين من أم كدادة، من بين المعلمين الذين تتلمذت عليهم سليمان الدخيري، سليمان محمد أحمد، وسليمان محمد جمعة، وذلك بمدرسة كبكابية الأولية.. من واقع تلك المحبة القديمة لأهل أم كدادة زادت معرفتي بالسبكي، إذ عرفت انه متزوج وأب لطفلين وزوجته تنتمي الى أسرته الممتدة، أما والداه فمازالا يعيشان في أم كدادة، في أيام محنته المهنية والشخصية ظلت أم كدادة وأهلها يدعمون تفاصيل امكانية?براءته من واقع سمو احترافه المهني، وحالة الكفاف التي ظل يعيشها هو وزملاؤه وأسرهم في المجتمع الصحفي.
ذات مرة سألته ان لماذا كان اسم والده «سبكي»؟ لعله بخلفية الاستنارة المبكرة في شرق داررفور خاصة، لم أدهش عندما علمت ان جده ابراهيم كان طالباً بالازهر الشريف، وعندما ولد له ابن اسماه السبكي تيمناً بالقاضي الأشهر السبكي، عساه يمضي في درب العلم والمعرفة والخير. قدرما اسعدني ذلك، ورد بخاطري أيضاً ان استعادة المبادرة للحالة الدارفورية انما تأتي بجهد المبادرين والاحفاد، احفاد الذين صنعوا التاريخ المعرفي والثقافي والسياسي والانساني للاقليم بانتماءاته المتعددة في أفريقيا خاصة بلاد السودان القديم والمعاصر.
ان الحالة الدارفورية تحكي حياة زاخرة بالوسع اعادة انتاجها في بيئة جديدة بمرجعية تعميق اللامركزية والديمقراطية والتنمية وبناء قدرات الحداثة، وهكذا لا مناص من ان يتحمل الاحفاد بعض صعوبات استثنائية، كالشهور العشرة التي امضاها جعفر مخفورا ومتهماً على خلفية اختلافات مفاهيمية في شأن الوطن.
«3»
كنت قد تلفنت صديقنا محمد لطيف رئيس تحرير صحيفة الأخبار ومؤسس خيمة الصحفيين لأبلغه شكري وأعرب له عن اعتقادي بأن اطلاق سراح السبكي جاء بعضاً من «عمايل» الخيمة، إذ أياً كانت نوايا الآخرين واجتهاداتهم، فانها جميعاً التقت في الليلة الرمضانية المباركة بالخيمة والتي اصبحت منصة اعلان حكم براءة السبكي، باعتباره ضمن سجناء الرأي.
إن ما حدث في خيمة الصحفيين، كيفما كانت الظروف المفضية اليه، دالة اخرى وجديدة على تماسك المجتمع الصحفي في السودان، وتعاضده من اجل الوقوف مع المنتمين اليه في مواجهة عسف الاجهزة الادارية وهي بطبيعة تكوينها بطيئة الامتثال لواقع التحول الديمقراطي الذي يكتمل ويعم البلاد ولن يستثنى مؤسسة أو فرداً.
في هذا السياق لم تكن حالة السبكي هي الحالة الأكثر تفرداً، اذ ان هناك حالات أخرى حكت صمود المجتمع الصحفي في مواجهة الارهاب الاداري متنوع الوجوه والملامح. مع ذلك فان المجتمع الصحفي لا يجد من السند الا نزاهة القضاة أو قل القطاع الاوسع منهم من المنطوين على جمر العدالة ويقظة الضمير.
لقد واجهت آمال عباس التحقيق والاعتقال والسجن، وكان اكثر ما يثير غضب الاجهزة الادارية ان آمال لم تعبر عن خوفها من بطش الاسئلة والتهديدات. بعد ذلك واجه الزميلان محجوب عروة ونور الدين مدني حكماً بالسجن او الغرامة، اختارا السجن خوف الابتزاز والمزايدة. بتلك الجرأة المهنية والانسانية قد فتحا الطريق واسعاً للصحفيين في مواجهة العسف، كما حدث من قبل للصحفية لبنى أحمد حسين، ومن بعدها للصحفيتين الجريئتين فاطمة غزال وأمل هباني وغيرهما، هناك حالات جادة أخرى تابعها المجتمع الصحفي باهتمام وحميمية وتفاصيل كما هو الحال مع ا?صحفي فيصل محمد صالح وآخرين، جاءت أخبار مواجهاتهم تزيد من قدرة المجتمع السوداني على الصمود وتجاوز عقبة الشمولية الكأداء وأوجهها القمعاء.
«4»
إذا ما كانت تلك حالة الأفراد، فان حالة المؤسسات الصحفية لا تقل فيها الجرأة والتضامن، انه بالرغم من أن هناك مؤسسات صحفية تروج لسياسات المؤتمر الوطني ولا مشاحة في ذلك، اذ انها تحصل على مزايا مهنية واعلانية، الا ان أي مؤسسة صحفية محترمة لم تقف محرضة ضد مؤسسة صحفية اخرى، لعل من النماذج النادرة التي تؤكد على تضامن المجتمع الصحفي، انه عندما تعرضت صحيفة الأيام للاغلاق تحت مظلة الاسباب الامنية لأكثر من ثلاثة شهور، تدافعت الجهود مع تباين الآراء لرفع الضرر عن الصحيفة وعن رئيس تحريرها أحد أميز الصحفيين السودانيين، وص?حب مدرسة صحفية فريدة، ليسهما في صنع الرأي العام السوداني المستنير. كان هناك تيارا رأي: أولهما ان يعبر الصحفيون عن احتجاجاتهم في مواجهة اغلاق الصحيفة علنا، أو أن يبادر المجتمع الصحفي للحوار والتفاوض مع جهاز الأمن لصالح الصحيفة الموقوفة ظلماً. لقد أدى كل من التيارين مفعوله في انهاء إغلاق الصحيفة والسماح لها بالصدور في اجواء رضي الصحفيون فيها عن تضامنهم في قضية عادلة.
هناك حالات أخرى من التضامن مع الصحف الموقوفة مؤقتاً، وفي هذا السياق فان اتحاد الصحفيين برغم الجدل حول نواياه تجاه التحول الديمقراطي الا انه لم يقف حجر عثرة أمام جهود المجتمع الصحفي لمساندة الصحف الموقوفة، او المتضررة من الايقاف. في هذا الشأن فان مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية لا يقل جهداً في مساندته للحقوق الصحفية للافراد والمؤسسات وقد بدا المجلس حريصاً الا يتورط في تشويه انجازاته بأن يجعل مواقفه تماثل مواقف الجهات الادارية التي تملك قدرة الامر الواقع على اخضاع المجتمع الصحفي.
«5»
اليوم وقد خرج السبكي من دائرة الاتهام بقرار جمهوري، وهو قرار مع التقدير قرار اداري لا يعني ان الجهات ذات الرغبة في تجريم المجتمع الصحفي وممثليه قد لا تكف عن ملاحقة سبكي او ملاحقة آخرين منتسبين للمجتمع الصحفي العريض. هكذا مع الاعتراف بتزايد أهمية المؤسسات الصحفية الاعلامية في توجيه الرأي العام، فان المخاطر ستظل ماثلة على المجتمع الصحفي صاحب المصلحة الأعلى في التحول الديمقراطي، والحكم الراشد، والشفافية، وحسن إدارة التنوع، وتحقيق المصالح المتراضى عليها وطنياً.
لعل جميعنا يدرك انه بمرجعية الدستور الانتقالي الذي مايزال ساري المفعول، وبمرجعية البيئة السياسية إقليمياً ودولياً، فان المواطنة انما تتحقق بالحوار البناء والتفاوض من أجل الحقوق، وتوفير حق التنظيم المهني والسياسي والنقابي والاجتماعي الاقتصادي الثقافي، وفي هذا الاتجاه فان أجهزة الدولة لا مناص أمامها من ان تستجيب للطموح الانساني الكبير في التغيير، والذي يعبر عنه بأبلغ العبارات منتسبو المجتمع الصحفي، والا ستجد تلك الاجهزة نفسها عاطلة عن أي عمل مفيد في المستقبل، هذا إذا لم تجد ما يجرم أفعالها دستوراً وقانوناً.
«6»
من أجل حماية المجتمع الصحفي وتطوير أدواته في التعبير المهني، لنعمل معاً في المجتمع المدني والسياسي والحزبي والنقابي وكل الناشطين للإطاحة بالقوانين التي تجعل من الصحفيين والكتاب والفنانين والمفكرين والناشطين الدستوريين والقانونيين مشاريع مجرمين بالعسف الإداري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.