٭ هرعت مسرعاً صوب مضجعي المتواضع، وقد غلبني النعاس اللعين، بعد يوم مرهق ومضن امضيته بين الافراح والاتراح. وقبل أن يداهمني النوم في جنح تلك الليلة، امتدت اناملي المتعبة لتدير قرص مذياعي العتيق وفجأة استرقت اذني السمع لخبر مفاده أن معلم الاجيال محمد احمد حميدة وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم قد أصدر قراراً طارئاً، بأن يكون طابور الصباح بكل المدارس مخصصاً للحديث عن التربية الوطنية، والوطن، والمحافظة على وحدته، والذود عن اراضيه، ونشر قيم ومفاهيم التربية الوطنية بين الطلاب ومجتمع المعلمين، داعياً لتضافر ال?هود وتجويد الاداء، وأن يكون لكل فرد مسؤوليته نحو بناء الوطن، والإسهام في عمرانه واستقراره. لا شك أنها مبادرة وضربة معلم من الاخ حميدة بإنعاش فكرة سيادة التربية الوطنية، والعمل على تدريسها لفلذات الاكباد، بالتعليم العام والتي تنبه اليها عند إنفجار بالون الأمن بالنيل الازرق! كان قد بُح صوتنا حتى هرم، ونحن نطالب يومذاك، وعبر هذه الصحيفة بتضمين مادة التربية الوطنية الهامة في المنهج الدراسي بمرحلتي الاساس والثانوي، والفكرة كانت من أهم توصيات مؤتمر التعليم (نوفمبر 3791) ولكنها وللاسف لم ترَّ النور، بل وئدت كساب?اتها، حتى أيقظتها اليوم ذاكرة الاخ حميدة البكرة! لكن هل الجرعة الإضطرارية والعاجلة التي تقرر ان نزود بها تلميذنا في طابور الصباح بالامس تكفي ان تبعث فيه روح الإنتماء للوطن؟ أشك في ذلك! ولهذا ونحن نواجه موقفاً حرجاً اليوم، علينا أن نعجل في تضمين مادة التربية الوطنية للمنهج الدراسي العام، بدلاً عن هذه الجرعات المسكنة، التي لا تخدم غرضاً. علينا ان نغرس أهداف ومباديء التربية الوطنية في نفوس ووجدان اطفالنا، إن تربية النشء تربية وطنية هى مسؤولية المعلم والمنهج والاسرة، غير ان الضرورة تحتم وجود هذه المادة لتغطي ج?انب تربوية وتعليمية هامة وتخصص لها حصة كل اسبوع، كما نصت توصية مؤتمر 3791 وعلى ان تدرس هذه المادة من الصف الاول عن طريق الممارسة العملية. وان يبدأ تدريس الجانب الفكري في الصف الخامس. تُولي معظم الدول المتقدمة: بريطانيا والسويد مثلاً إهتماماً بالغاً بتدريس هذه المادة للتلاميذ، ولن يترفع او يتدرج التلميذ أكاديمياً اذا رسب في هذه المادة! وهذه المادة الهامة تعالج ثلاث نواح اساسية الفكر، العاطفة ، والنشاطات فلابد من مادة مقررة تتناسب مع كل فئة عمرية من التلاميذ. التعليم كما هو معروف اصبح حقاً ديمقرطياً يتساوى فيه الجميع: بنين وبنات. كما صار ملزماً في عصرنا هذا كما نص الدستور. والدولة هى التي تسعى جادة في توفيره وتعميمه للجميع الغني والفقير وبشتى الوسائل. وبالتعليم والتربية الوطنية وهى احدى روافده الهامة، فبهما يتم تكوين الفرد السوداني المتكامل روحياً وخلقياً وعقلياً وجسمانياً، وهكذا تنمو ملكاته ومهاراته فيدرك حقوقه، وواجباته الوطنية فيتحقق ما يرمي اليه الاخ الاستاذ حميدة اليوم! كما تشجع فيه روح الابتكار، والقيادة المسؤولة وتعمق فيه المفاهيم الروحية والدينية والجما?ية. كان الاهتمام بالتربية الوطنية عميقاً منذ إنطلاقة التعليم النظامي بالسودان (0091) ثم حازت على مساحة ارحب عند إنشاء معهد التربية ببخت الرضا (4391) على يدي المستر قريفس (العميد) ونائبه الاستاذ عبد الرحمن علي طه اللذان قاما بترسيخ مباديء التربية الوطنية من خلال المواد الدراسية الاخرى. تمعن معي في نشيد (رحلاتي الى اصدقائي) تأليف الاستاذ عبد الرحمن علي طه، الذي وضع فيه اللبنات الاولى لاهداف ومباديء مادة التربية الوطنية ضمن هذا النشيد في كتاب الجغرافيا المحلية الذي يُعنى بالتربية الوطنية. استهل استاذ الاجيال نش?ده الذي اصبح على كل لسان، وتحفظه الاجيال تلو الاجيال عن ظهر قلب استهله بالبيتين التاليين: في القولد التقيت بالصديق ٭ أنعم به من فاضل صديق فرحت امشي معه للساقية ٭ ويا لها من ذكريات باقية... الخ وتعزيزاً لهذا المفهوم التربوي، ألف الصديقان قريفس وطه كتابين سوياً هما: تدريب الاخلاق واهداف الاخلاق. إن تاريخ السودان الحديث والذي هو جزء لا يتجزأ من مادة التربية الوطنية، قد أهمل تدوينه وتوثيقه رغم مناداتنا المستمرة، فلم تعره الدولة اهتماماً ولم تلتفت اليه، حتى جهلة أبناء وجيل اليوم فانصرفوا عنه. سألت شاباً جامعياً: هل تعرف عبد الله خليل؟ فأجابني والثقة تملأ جوانجه: ماهو فنان حقيبة زميل حسن عطية! مش؟ آمل ان تجد هذه المادة الهامة مساحة بالمنهج المرتقب. هل يُسمع صوتي؟ آمل ذلك. الم يحن الوقت اخي حميدة؟ والله الموفق حسين الخليفة الحسن خبير تربوي