السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    إبراهيم شقلاوي يكتب: يرفعون المصاحف على أسنّة الرماح    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    لماذا نزحوا إلى شمال السودان    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي .. سلام على الفاشر وأهلها وعلى شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنوات ما بعد الاستقلال أدت الى انتشار الروح التجارية
تطور القطاع الخاص في السودان خلال فترة ما بعد الاستقلال (2)
نشر في الصحافة يوم 16 - 09 - 2011

تتناول هذه الورقة تطور القطاع الخاص في السودان خلال فترة ما بعد الاستقلال ، وذلك بهدف متابعة نموه وتطوره ودوره في التنمية الاقتصادية الاجتماعية ، ومن ثم تحديد وضعه الراهن وإمكانيات مساهمته في إعادة الإعمار والتنمية في الفترة الانتقالية الجارية . وتنبع أهمية هذه المتابعة من حقيقتين أساسيتين هما :-
أولا : تراجع دور الدولة في مجالات التنمية والخدمات خلال سنوات حكم الإنقاذ، ومن ثم اعتماد القطاع الخاص لقيادة عملية التنمية والنشاط الاقتصادي في البلاد.
ثانيا ً: سيطرة ايدولوجية السوق الحر وما يسمي باللبرالية New Libralism الجديدة علي مسرح الاقتصاد العالمي، وذلك بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي السابقين وفشل تجارب التخطيط الاقتصادي والاجتماعي ودولة الرفاهية في بلدان العالم الثالث .
(5) في الجانب الآخر، كان المأمول أن تتجه الفئات الرأسمالية إلى الاستثمار في المجال الصناعي، حسب تقديرات الخطة العشرية وقانون تشجيع الاستثمار. ولكن استثماراتها في هذا المجال كانت ضعيفة لحدود كبيرة (نبلوك) وبادرت الدولة بإنشاء عدد من المصانع شملت السكر والتعليب والدباغة وغيرها . وبذلك وضعت الأساس لقيام قطاع عام صناعي مؤثر تحت إشراف هيئة التنمية الصناعية . ومع ذلك ظلت مساهمة الصناعة في أجمالي الناتج المحلي في حدود 8% عام 1971 مقارنة بحوالي 5. 4% عام 1956 . وتشير الإحصائيات إلى ضعف مساهمة القطاع الخاص وتركيزه على الصناعات الخفيفة وورش الصيانة . فإحصاءات 1971 تشير الى أن قطاعات صناعة الأغذية والتبغ والمنسوجات والملابس والأحذية والأخشاب والأثاثات تشكل حوالي 3. 8% من عدد المنشآت الصناعية ، ولكنها تساهم بحوالى 4. 72% من إجمالي الإنتاج الصناعي، وتستخدم 64% من إجمالي القوى العاملة في الصناعة ، و 74.3% من رأسمال المال المستثمر في الصناعة . وهذا يعكس ثقل هذه القطاعات في الصناعة السودانية ويؤكد ضعف قاعدتها الإنتاجية وامكانات مساهمتها في تنمية اقتصادية حقيقية . وهي أيضأ تستند على منشآت عديدة ومبعثرة من الورش والصناعات الصغيرة . فاكثرمن 62% منها تستخدم أقل من خمسين عاملا ويعمل بها حوالي 11% فقط من القوى العاملة الصناعية . أما المنشآت الكبيرة ( أكثر من 500عامل ) فإنها تشكل 3% فقط من اجمالي المنشآت، ولكنها تستخدم 45% من القوى العاملة . وهي منشآت يملكها رأس مال أجنبي أو يشارك فيها مع القطاع الخاص المحلي. ويضاف الى ذلك تركز غالبية هذه المنشآت في العاصمة . وهكذا لم تؤد استثمارات القطاع الخاص في سنوات ما بعد الاستقلال الى توسيع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني. فقد تراجعت استثماراته في الزراعة المروية واتجهت إلى الزراعة المطرية الآلية . وفي المجال الصناعي كان دورها ضعيفاً وهامشياً، مقارنة بدور الدولة ورأس المال الأجنبي. وذلك رغم المساعدات السخية التي وجدها القطاع الخاص من الدولة، ورغم دخول أعداد من الموظفين والمهنيين والعسكريين إلى مجال النشاط الخاص . وهذا يعكس طبيعة الفئات الرأسمالية في تلك الفترة وغلبة النشاط التجاري في أوساطها، حتى عندما تعمل في مجالات الزراعة والصناعة .
(6) أدت سنوات ما بعد الاستقلال الى انتشار الروح التجارية ، حسب تعبير ودوارد، في الدولة والمجتمع، ولم تعد العلاقات التجارية محصورة في مثلث الوسط، كما كان الحال في 1956- فقد امتدت الى المناطق البعيدة وإلى قطاعات الإنتاج التقليدي، بحكم ارتباطها بالسوقين الداخلي والخارجي- ويظهر ذلك في زيادة قيمة الصادرات من 54 مليون جنيه عام 1957 إلى حوالي 96مليوناً عام 1969، وزيادة قيمة الواردات من 57 مليونأ إلى حوالي 100 مليون خلال الفترة نفسها. وهذا يشير إلى توسع كبير في إنتاج المحاصيل الزراعية وفي استهلاك السلع المستوردة في كل أنحاء البلاد . وتبع ذلك ازدياد كبير في النشاط التجاري وفي حجم الفئات التجارية ووزنها في الدولة والمجتمع . وشمل ذلك كل مناطق البلاد، وامتد إلى الأقاليم البعيدة في الشرق والغرب، وبدرجة أقل في الجنوب ، بحكم استمرار الحرب والتخلف المزمن . وانعكس ذلك في قيام أندية التجار في بعض المدن والتفكير في إنشاء تنظيمات أصحاب العمل في نهاية الستينيات، وفي دور هذه الفئات المتزايد في المجال السياسي (في الحكم العسكري الأول والأحزاب الكبيرة في الديمقراطية الثانية ) ومع اتساع النشاط التجاري تحولت وزارات التجارة والمالية والصناعة إلى مواقع هامة ، بحكم دورها في توزيع الرخص والتصديقات والتسهيلات . وبرزت أيضأ أهمية العلاقة مع جهاز الدولة والنخبة الحاكمة من خلال الأحزاب والعلاقات الأسرية والقبلية و الجهوية وغيرها . فمن خلال هذه العلاقات يمكن توفير مداخل لموارد ضخمة للمراكز التجارية من أوساط الموظفين والعسكريين والسياسيين . وأدت أيضأ إلى توسيع عملية سودنة النشاط التجاري في مجال التجارة الخارجية . ولكن الشركات الأجنبية ظلت تعمل جنبأ لجنب مع المجموعات المحلية التي دخلت هذا المجال . وبعض التجار الأجانب (الشوام ، اليونانيين ، المصريين ... الخ ) بدأ يعمل لتكييف وضعه في إطار المجتمع السوداني. ومع ذلك ظل قطاع المصارف بعيدأ عن تأثيرات السودنة ، رغم قيام البنك التجاري منذ 1960- وبالإضافة إلى ذلك ، أدى تنوع علاقات السودان الخارجية ودخول العناصر المتعلمة في النشاط التجاري إلى ظهور نشاطات جديدة شملت التوكيلات وشركات التأمين والعلاقات المباشرة مع رأس المال الأجنبي. وبذلك توسعت آفاق الفئات التجارية . وظل التجار يتجهون إلى الاستقرار في العاصمة بعد نجاح نشاطهم التجاري في الآقاليم . وذلك بهدف القرب من مركز القرار السياسي والاقتصادي واعادة استثمار أموالهم في مجالات العقارات والمقاولات والصناعات الخفيفة وغيرها - وهكذا ظل النشاط التجاري يشكل محور نشاط الفئات الرأسمالية .فقد ظل قطاع الخدمات يساهم بحوالي 35% من إجمالي الناتج المحلي (الزراعة 57% والصناعة 8%) وهي نسبة عالية يعود معظمها للنشاط التجاري ولا تتناسب مع دوره في مجمل نشاط الاقتصاد الوطني. ولذلك لم تؤد تطورات ما بعد الاستقلال إلى ظهور طبقة رأسمالية موحدة ومتجانسة ، بل ظلت موزعة في فئات ومجموعات تدير نشاطها على أسس أسرية . وذلك رغم مظاهر التطور الشكلي المتمثل في لافتات الأسماء التجارية والشركات ... الخ . ومن هنا كان ضعفها وتفككها وخضوعها للولاءات الطاثفية والإثنية والسياسية وغيرها- وبرز ذلك ، بشكل جلي، في المجال السياسي، حيث تشير دراسة أعدت في بداية السبعينيات إلى أن 38% من كبار رجال الأعمال ينتمون لحزب الأمة ، 30% لحزب الشعب الديمقراطي (الختمية ) وحوالي 16% للحزب الوطني الاتحادي ( فاطمة بابكر) ومنذ الحكم العسكري الأول بدأت تظهر فئات مرتبطة بالأنظمة الدكتاتورية ، وتبلورت في الفترة اللاحقة في مجموعات مرتبطة بالنظام المايوي ونظام الإنقاذ الحالي (الجبهة الإسلامية القومية ) وهذا الضعف والتشتت والطبيعة العامة للنشاط التجاري هي التي منعت ظهور استثمارات كبيرة وطبقة رأسمالية موحدة ومتجانسة في فترة ما بعد الاستقلال . ومع كل ذلك لا يمكن تجاهل ما حدث من تطورات ملموسة في نشاط ووعي الفئات الرأسمالية بشكل عام، ووسط مراكزها المتقدمة بشكل خاص ، في اتجاه العمل المستقل لحماية مصالحها والمساهمة فى بناء سودان متطور ومتقدم .
* تطورات ما بعد 1969:
* صعود الطفيلية
(7) شهدت سنوات حكم نميري (69 ? 1985) تقلبات سياسية عاصفة ، كان لها تأثيرها الكبير في إحداث تغييرات أساسية في تركيبة الفئات الرأسمالية وفي تطوراتها حتى الآن . ففي فترته الأولى طرح برنامجأ اشتراكيأ، ثم تحول إلى سياسات الانفتاح الاقتصادي والمصالحة الوطنية. وفي سنواته الاخيرة طرح شعارات الشريعة الغراء في إطار نظام الحزب الواحد وحكم الفرد. والمهم أن هذه التقلبات ظلت ترتبط بعدم لاستقرار وتقلب السياسات والتحالفات غير الملائمة لنمو وتطور القطاع الخاص بتقاليده العريقة في النشاط التجاري وعلاقاته الوطيدة مع الفئات الأخرى في المجتمع السوداني. ففي فترته الأولى 69 / 1971 قام بتأميمات ومصادرات واسعة ، شملت المصارف والشركات الأجنبية العاملة في مجالات التجارة والصناعة والخدمات . وكان لهذا الإجراء سلبياته العديدة على مجمل النشاط الخاص، حيث أدت إلى انكماشه وهجرة الجاليات الأجنبية برؤوس أموالها . وبذلك فقدت البلاد خبرات وإمكانيات وعلاقات تراكمت خلال سنوات طويلة . وشملت التأميمات و المصادرات شركات وأعمال بعض الأسر التجارية السودانية ، التي ظلت تعمل في النشاط التجاري والزراعي لعقود من الزمان . وبذلك فقدت الكثيرمن نفوذها الاقتصادي والاجتماعي وظلت تعاني آثار ذلك لفترة طويلة لاحقة . ولكن هذا التوجه لم يستمر طويلا- فقد شهدت فترة ما بعد القضاء على انقلاب 19 يوليو 1971 وعودة نميري (22 يوليو) تراجعأ واسعأ من البرنامج الاشتراكي لمصلحة سياسات الانفتاح الاقتصادي والعلاقة مع دول الخليج والمعسكر الرأسمالي الغربي . ونتيجة لذلك طرحت الدولة برنامجأ للتوسع في الاستثمار في إطار التركيب الاقتصادي الموروث من الحكم الثنائي . وقامت باتخاذ الإجراءات الضرورية لتأكيد هذا التوجه . وشمل ذلك إعادة الممتلكات المصادرة والمؤممة لأصحابها، وإعادة العلاقات مع الدول الغربية، وإصدار قوانين تشجيع الاستثمار الخاص، وتكريس سياسات الانفتاح . وفي هذا الإطار طرحت برنامج العمل المرحلي لتحويل السودان لسلة غذاء العالم العربي بالتعاون مع رأس المال الخليجي والتكنولوجيا الغربية . وبذلك تم تعديل الخطة الخمسية (70-1975) إلى خطة موسعة تمتد حتى عام 1977. وفي عام 1977 أعلنت خطة ستية (1977- 1983) تقوم على نمط برنامج العمل المرحلي وتوجهات صندوق النقد الدولي. وكلها ظلت تقوم على استراتيجية متجهة للخارج، بهدف توسيع الصادرات الزراعية. وأدت هذه الخطط والبرامج إلى إدخال البلاد في أزمة اقتصادية خانقة، بدأت في منتصف السبعينيات وتحولت إلى أزمة هيكلية في بداية الثمانينيات . ويرجع ذلك، بشكل رئيسي، إلى طبيعة الطبقة المايوية، المرتبطة بالفئات الطفيلية، وعلاقاتها الإقليمية والدولية في تلك الفترة . وتعبير ( طفيلي وفئات طفيلية ) نستخدمه في هذه الورقة بالمعنى السائد في الكتابات السودانية والعربية منذ السبعينيات. وهو يعني أن علاقة الفئات الطفيلية بالاقتصاد السوداني هي علاقة استغلال من نفس نوع علاقات الطفيليات بمضيفها ، لمصلحتها الخاصة مع فوائد قليلة وربما دون أي فوائد للكائن المضيف . وفي بعض الحالات قد يرتبط هذا الاستغلال بتخريب واسع وملموس (تيسير محمد أحمد ) والواقع أن الفئات الطفيلية تقوم بتخريب وتقويض عمليات الإنتاج والتبادل من أجل الحصول على أرباح ضخمة ، كما في حالة السوق الأسود وتخريب الأراضي الزراعية وتخزين السلع الضرورية وغيرها- المهم فى تلك الفترة كانت مراكز النفوذ الغربي وشركاتها المتعددة الجنسية تركز جهودها في امتصاص الفوائض المالية الخليجية والسعودية الناتجة من ارتفاع أسعار البترول بعد 1973 ، تحت غطاء الاستثمار المشترك في السودان . ووجدت في الفئات المايوية الأداة المناسبة ، بحكم طبيعتها الطفيلية وتطلعاتها الشرهة . ولهذا السبب لم تنجح تلك الخطط الطموحة الا في تدمير القوى المنتجة وإضعاف القاعدة الإنتاجية للاقتصاد السوداني وتنمية الفئات الرأسمالية الطفيلية على حساب الفئات المنتجة وتمكين رأس المال الأجنبي من السيطرة على مواقع هامة في مختلف القطاعات الاقتصادية و إغراق البلاد في بحر من الديون وإدخالها في أزمة وطنية شاملة تزداد تعقيدأ يومأ بعد الآخر - فظروف الانفتاح الاقتصادي الواسع وتدفق رأس المال الأجنبي إلى داخل البلاد وتضخم الإنفاق الحكومي، كل ذلك ظل يمثل عاملا هامأ في تتمية الفئات الرأسمالية في مختلف المجالات ، وخاصة في مجالات التجارة والعقارات والمقاولات وغيرها . واذا كانت هذه المجالات قد ظلت تشكل المجالات التقليدية لفئات الرأسمالية السودانية، فقد شهدت توسعأ كبيرأ في الفترة المايوية . وفي ظروف مصادرة الديمقراطية وتفشي الفساد وسط الطبقة الحاكمة وجهاز الدولة وتطلع أركانها إلى الثراء ودخول عالم البرجوازية ، تبلورت فئات البرجوازية البيروقراطية وتداخلت علاقاتها مع الفئات التجارية والطفيلية المحلية والخارجية. وأدى كل ذلك إلى اتساع حجم الفئات الرأسمالية وازدياد وزنها الاقتصادي والاجتماعي. ولكن هذا التطور ظل يسيرفي اتجاه غلبة النشاط الطفيلي والتجاري والارتباط برأس المال الأجنبي وعجز هذه الفئات عن الارتكاز إلى عمود فقري زراعي صناعي ثابت .وهو تطور شاذ، استند إلى سلطة الدولة ويتناقض تمامأ مع تطورات الخمسينيات والستينيات ولا يرتبط بجذور حقيقية وسط المجتمع السوداني وفئاته التجارية . فمنذ بداية السبعينيات ظلت الطبقة الحاكمة تعمل على تنمية علاقاتها مع مراكز جديدة لرأس المال الدولي ورجال الأعمال الدوليين . وهي مراكز لاتهتم بالاستثمار قدر اهتمامها بانتهاز الفرص التي تتيحها لها علاقاتها، بعكس الشركات التي كانت تعمل في البلاد حتى عام 1970 - ومن بين هؤلاء كان هناك تايني رولاند، مدير شركة لونرو، وعدنان خاشقجي ، رجل الأعمال السعودي والمليونير المعروف . ومع تطور هذه العلاقات انفتح الطريق أمام مجموعات محلية مشابهة عديدة للارتباط مع هذه المراكز واستغلال ما توفره من فرص نشاط ثمينة . وشمل ذلك أركان النظام الحاكم وبعض رجال الأعمال والمحاسيب والأنصار (بيتر ودوارد) وخلال فترة وجيزة ظهرت فئة الأغنياء الجدد، حيث تشير المعلومات إلى ظهور عشرين مليونيراً في عام 1981 وارتفع العدد إلى أربعين في 1985 (محمد علي جادين )- وكان المجتمع ينظر إليهم بازدراء واحتقار، بسبب افتقادهم لأي جذور تجارية راسخة . وأيضأ بسبب صرفهم البذخي وسلوكهم المتميز بالتعالي والتباهي واستفزاز مشاعر الآخرين في مجتمع يعاني الفقر والمجاعة ويتميز أهله بالتواضع والبساطة. (بيتر ودوارد) ومع محدودية هذه الطبقة الجديدة، فقد كان تأثيرها واسعأ، بحكم استنادها على السلطة والإفساد وعلى علاقات قوية مع رأس المال الدولي. ولذلك امتدت نشاطاتها للتجارة الداخلية والخارجية والعقارات والزراعة الألية والمقاولات وغيرها . ومع تدفق القروض والتسهيلات الخارجية، ظل نفوذها يتسع ويزداد في المجالات كافة، وخاصة في مجالات الزراعة الآلية والمصارف والتجارة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.