المريخ يكسب تجربة البوليس بثلاثية و يتعاقد مع الملغاشي نيكولاس    حسين خوجلي يكتب: السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    قرار مثير في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    البرهان يصدر قراراً بتعيين مساعد أول للنائب العام لجمهورية السودان    راشفورد يهدي الفوز لبرشلونة    ((سانت لوبوبو وذكريات التمهيدي يامريخاب))    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    نوارة أبو محمد تقف على الأوضاع الأمنية بولاية سنار وتزور جامعة سنار    إبراهيم جابر يطمئن على موقف الإمداد الدوائى بالبلاد    قبائل وأحزاب سياسية خسرت بإتباع مشروع آل دقلو    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    ما حقيقة وصول الميليشيا محيط القيادة العامة بالفاشر؟..مصدر عسكري يوضّح    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنوات ما بعد الاستقلال أدت الى انتشار الروح التجارية
تطور القطاع الخاص في السودان خلال فترة ما بعد الاستقلال (2)
نشر في الصحافة يوم 16 - 09 - 2011

تتناول هذه الورقة تطور القطاع الخاص في السودان خلال فترة ما بعد الاستقلال ، وذلك بهدف متابعة نموه وتطوره ودوره في التنمية الاقتصادية الاجتماعية ، ومن ثم تحديد وضعه الراهن وإمكانيات مساهمته في إعادة الإعمار والتنمية في الفترة الانتقالية الجارية . وتنبع أهمية هذه المتابعة من حقيقتين أساسيتين هما :-
أولا : تراجع دور الدولة في مجالات التنمية والخدمات خلال سنوات حكم الإنقاذ، ومن ثم اعتماد القطاع الخاص لقيادة عملية التنمية والنشاط الاقتصادي في البلاد.
ثانيا ً: سيطرة ايدولوجية السوق الحر وما يسمي باللبرالية New Libralism الجديدة علي مسرح الاقتصاد العالمي، وذلك بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي السابقين وفشل تجارب التخطيط الاقتصادي والاجتماعي ودولة الرفاهية في بلدان العالم الثالث .
(5) في الجانب الآخر، كان المأمول أن تتجه الفئات الرأسمالية إلى الاستثمار في المجال الصناعي، حسب تقديرات الخطة العشرية وقانون تشجيع الاستثمار. ولكن استثماراتها في هذا المجال كانت ضعيفة لحدود كبيرة (نبلوك) وبادرت الدولة بإنشاء عدد من المصانع شملت السكر والتعليب والدباغة وغيرها . وبذلك وضعت الأساس لقيام قطاع عام صناعي مؤثر تحت إشراف هيئة التنمية الصناعية . ومع ذلك ظلت مساهمة الصناعة في أجمالي الناتج المحلي في حدود 8% عام 1971 مقارنة بحوالي 5. 4% عام 1956 . وتشير الإحصائيات إلى ضعف مساهمة القطاع الخاص وتركيزه على الصناعات الخفيفة وورش الصيانة . فإحصاءات 1971 تشير الى أن قطاعات صناعة الأغذية والتبغ والمنسوجات والملابس والأحذية والأخشاب والأثاثات تشكل حوالي 3. 8% من عدد المنشآت الصناعية ، ولكنها تساهم بحوالى 4. 72% من إجمالي الإنتاج الصناعي، وتستخدم 64% من إجمالي القوى العاملة في الصناعة ، و 74.3% من رأسمال المال المستثمر في الصناعة . وهذا يعكس ثقل هذه القطاعات في الصناعة السودانية ويؤكد ضعف قاعدتها الإنتاجية وامكانات مساهمتها في تنمية اقتصادية حقيقية . وهي أيضأ تستند على منشآت عديدة ومبعثرة من الورش والصناعات الصغيرة . فاكثرمن 62% منها تستخدم أقل من خمسين عاملا ويعمل بها حوالي 11% فقط من القوى العاملة الصناعية . أما المنشآت الكبيرة ( أكثر من 500عامل ) فإنها تشكل 3% فقط من اجمالي المنشآت، ولكنها تستخدم 45% من القوى العاملة . وهي منشآت يملكها رأس مال أجنبي أو يشارك فيها مع القطاع الخاص المحلي. ويضاف الى ذلك تركز غالبية هذه المنشآت في العاصمة . وهكذا لم تؤد استثمارات القطاع الخاص في سنوات ما بعد الاستقلال الى توسيع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني. فقد تراجعت استثماراته في الزراعة المروية واتجهت إلى الزراعة المطرية الآلية . وفي المجال الصناعي كان دورها ضعيفاً وهامشياً، مقارنة بدور الدولة ورأس المال الأجنبي. وذلك رغم المساعدات السخية التي وجدها القطاع الخاص من الدولة، ورغم دخول أعداد من الموظفين والمهنيين والعسكريين إلى مجال النشاط الخاص . وهذا يعكس طبيعة الفئات الرأسمالية في تلك الفترة وغلبة النشاط التجاري في أوساطها، حتى عندما تعمل في مجالات الزراعة والصناعة .
(6) أدت سنوات ما بعد الاستقلال الى انتشار الروح التجارية ، حسب تعبير ودوارد، في الدولة والمجتمع، ولم تعد العلاقات التجارية محصورة في مثلث الوسط، كما كان الحال في 1956- فقد امتدت الى المناطق البعيدة وإلى قطاعات الإنتاج التقليدي، بحكم ارتباطها بالسوقين الداخلي والخارجي- ويظهر ذلك في زيادة قيمة الصادرات من 54 مليون جنيه عام 1957 إلى حوالي 96مليوناً عام 1969، وزيادة قيمة الواردات من 57 مليونأ إلى حوالي 100 مليون خلال الفترة نفسها. وهذا يشير إلى توسع كبير في إنتاج المحاصيل الزراعية وفي استهلاك السلع المستوردة في كل أنحاء البلاد . وتبع ذلك ازدياد كبير في النشاط التجاري وفي حجم الفئات التجارية ووزنها في الدولة والمجتمع . وشمل ذلك كل مناطق البلاد، وامتد إلى الأقاليم البعيدة في الشرق والغرب، وبدرجة أقل في الجنوب ، بحكم استمرار الحرب والتخلف المزمن . وانعكس ذلك في قيام أندية التجار في بعض المدن والتفكير في إنشاء تنظيمات أصحاب العمل في نهاية الستينيات، وفي دور هذه الفئات المتزايد في المجال السياسي (في الحكم العسكري الأول والأحزاب الكبيرة في الديمقراطية الثانية ) ومع اتساع النشاط التجاري تحولت وزارات التجارة والمالية والصناعة إلى مواقع هامة ، بحكم دورها في توزيع الرخص والتصديقات والتسهيلات . وبرزت أيضأ أهمية العلاقة مع جهاز الدولة والنخبة الحاكمة من خلال الأحزاب والعلاقات الأسرية والقبلية و الجهوية وغيرها . فمن خلال هذه العلاقات يمكن توفير مداخل لموارد ضخمة للمراكز التجارية من أوساط الموظفين والعسكريين والسياسيين . وأدت أيضأ إلى توسيع عملية سودنة النشاط التجاري في مجال التجارة الخارجية . ولكن الشركات الأجنبية ظلت تعمل جنبأ لجنب مع المجموعات المحلية التي دخلت هذا المجال . وبعض التجار الأجانب (الشوام ، اليونانيين ، المصريين ... الخ ) بدأ يعمل لتكييف وضعه في إطار المجتمع السوداني. ومع ذلك ظل قطاع المصارف بعيدأ عن تأثيرات السودنة ، رغم قيام البنك التجاري منذ 1960- وبالإضافة إلى ذلك ، أدى تنوع علاقات السودان الخارجية ودخول العناصر المتعلمة في النشاط التجاري إلى ظهور نشاطات جديدة شملت التوكيلات وشركات التأمين والعلاقات المباشرة مع رأس المال الأجنبي. وبذلك توسعت آفاق الفئات التجارية . وظل التجار يتجهون إلى الاستقرار في العاصمة بعد نجاح نشاطهم التجاري في الآقاليم . وذلك بهدف القرب من مركز القرار السياسي والاقتصادي واعادة استثمار أموالهم في مجالات العقارات والمقاولات والصناعات الخفيفة وغيرها - وهكذا ظل النشاط التجاري يشكل محور نشاط الفئات الرأسمالية .فقد ظل قطاع الخدمات يساهم بحوالي 35% من إجمالي الناتج المحلي (الزراعة 57% والصناعة 8%) وهي نسبة عالية يعود معظمها للنشاط التجاري ولا تتناسب مع دوره في مجمل نشاط الاقتصاد الوطني. ولذلك لم تؤد تطورات ما بعد الاستقلال إلى ظهور طبقة رأسمالية موحدة ومتجانسة ، بل ظلت موزعة في فئات ومجموعات تدير نشاطها على أسس أسرية . وذلك رغم مظاهر التطور الشكلي المتمثل في لافتات الأسماء التجارية والشركات ... الخ . ومن هنا كان ضعفها وتفككها وخضوعها للولاءات الطاثفية والإثنية والسياسية وغيرها- وبرز ذلك ، بشكل جلي، في المجال السياسي، حيث تشير دراسة أعدت في بداية السبعينيات إلى أن 38% من كبار رجال الأعمال ينتمون لحزب الأمة ، 30% لحزب الشعب الديمقراطي (الختمية ) وحوالي 16% للحزب الوطني الاتحادي ( فاطمة بابكر) ومنذ الحكم العسكري الأول بدأت تظهر فئات مرتبطة بالأنظمة الدكتاتورية ، وتبلورت في الفترة اللاحقة في مجموعات مرتبطة بالنظام المايوي ونظام الإنقاذ الحالي (الجبهة الإسلامية القومية ) وهذا الضعف والتشتت والطبيعة العامة للنشاط التجاري هي التي منعت ظهور استثمارات كبيرة وطبقة رأسمالية موحدة ومتجانسة في فترة ما بعد الاستقلال . ومع كل ذلك لا يمكن تجاهل ما حدث من تطورات ملموسة في نشاط ووعي الفئات الرأسمالية بشكل عام، ووسط مراكزها المتقدمة بشكل خاص ، في اتجاه العمل المستقل لحماية مصالحها والمساهمة فى بناء سودان متطور ومتقدم .
* تطورات ما بعد 1969:
* صعود الطفيلية
(7) شهدت سنوات حكم نميري (69 ? 1985) تقلبات سياسية عاصفة ، كان لها تأثيرها الكبير في إحداث تغييرات أساسية في تركيبة الفئات الرأسمالية وفي تطوراتها حتى الآن . ففي فترته الأولى طرح برنامجأ اشتراكيأ، ثم تحول إلى سياسات الانفتاح الاقتصادي والمصالحة الوطنية. وفي سنواته الاخيرة طرح شعارات الشريعة الغراء في إطار نظام الحزب الواحد وحكم الفرد. والمهم أن هذه التقلبات ظلت ترتبط بعدم لاستقرار وتقلب السياسات والتحالفات غير الملائمة لنمو وتطور القطاع الخاص بتقاليده العريقة في النشاط التجاري وعلاقاته الوطيدة مع الفئات الأخرى في المجتمع السوداني. ففي فترته الأولى 69 / 1971 قام بتأميمات ومصادرات واسعة ، شملت المصارف والشركات الأجنبية العاملة في مجالات التجارة والصناعة والخدمات . وكان لهذا الإجراء سلبياته العديدة على مجمل النشاط الخاص، حيث أدت إلى انكماشه وهجرة الجاليات الأجنبية برؤوس أموالها . وبذلك فقدت البلاد خبرات وإمكانيات وعلاقات تراكمت خلال سنوات طويلة . وشملت التأميمات و المصادرات شركات وأعمال بعض الأسر التجارية السودانية ، التي ظلت تعمل في النشاط التجاري والزراعي لعقود من الزمان . وبذلك فقدت الكثيرمن نفوذها الاقتصادي والاجتماعي وظلت تعاني آثار ذلك لفترة طويلة لاحقة . ولكن هذا التوجه لم يستمر طويلا- فقد شهدت فترة ما بعد القضاء على انقلاب 19 يوليو 1971 وعودة نميري (22 يوليو) تراجعأ واسعأ من البرنامج الاشتراكي لمصلحة سياسات الانفتاح الاقتصادي والعلاقة مع دول الخليج والمعسكر الرأسمالي الغربي . ونتيجة لذلك طرحت الدولة برنامجأ للتوسع في الاستثمار في إطار التركيب الاقتصادي الموروث من الحكم الثنائي . وقامت باتخاذ الإجراءات الضرورية لتأكيد هذا التوجه . وشمل ذلك إعادة الممتلكات المصادرة والمؤممة لأصحابها، وإعادة العلاقات مع الدول الغربية، وإصدار قوانين تشجيع الاستثمار الخاص، وتكريس سياسات الانفتاح . وفي هذا الإطار طرحت برنامج العمل المرحلي لتحويل السودان لسلة غذاء العالم العربي بالتعاون مع رأس المال الخليجي والتكنولوجيا الغربية . وبذلك تم تعديل الخطة الخمسية (70-1975) إلى خطة موسعة تمتد حتى عام 1977. وفي عام 1977 أعلنت خطة ستية (1977- 1983) تقوم على نمط برنامج العمل المرحلي وتوجهات صندوق النقد الدولي. وكلها ظلت تقوم على استراتيجية متجهة للخارج، بهدف توسيع الصادرات الزراعية. وأدت هذه الخطط والبرامج إلى إدخال البلاد في أزمة اقتصادية خانقة، بدأت في منتصف السبعينيات وتحولت إلى أزمة هيكلية في بداية الثمانينيات . ويرجع ذلك، بشكل رئيسي، إلى طبيعة الطبقة المايوية، المرتبطة بالفئات الطفيلية، وعلاقاتها الإقليمية والدولية في تلك الفترة . وتعبير ( طفيلي وفئات طفيلية ) نستخدمه في هذه الورقة بالمعنى السائد في الكتابات السودانية والعربية منذ السبعينيات. وهو يعني أن علاقة الفئات الطفيلية بالاقتصاد السوداني هي علاقة استغلال من نفس نوع علاقات الطفيليات بمضيفها ، لمصلحتها الخاصة مع فوائد قليلة وربما دون أي فوائد للكائن المضيف . وفي بعض الحالات قد يرتبط هذا الاستغلال بتخريب واسع وملموس (تيسير محمد أحمد ) والواقع أن الفئات الطفيلية تقوم بتخريب وتقويض عمليات الإنتاج والتبادل من أجل الحصول على أرباح ضخمة ، كما في حالة السوق الأسود وتخريب الأراضي الزراعية وتخزين السلع الضرورية وغيرها- المهم فى تلك الفترة كانت مراكز النفوذ الغربي وشركاتها المتعددة الجنسية تركز جهودها في امتصاص الفوائض المالية الخليجية والسعودية الناتجة من ارتفاع أسعار البترول بعد 1973 ، تحت غطاء الاستثمار المشترك في السودان . ووجدت في الفئات المايوية الأداة المناسبة ، بحكم طبيعتها الطفيلية وتطلعاتها الشرهة . ولهذا السبب لم تنجح تلك الخطط الطموحة الا في تدمير القوى المنتجة وإضعاف القاعدة الإنتاجية للاقتصاد السوداني وتنمية الفئات الرأسمالية الطفيلية على حساب الفئات المنتجة وتمكين رأس المال الأجنبي من السيطرة على مواقع هامة في مختلف القطاعات الاقتصادية و إغراق البلاد في بحر من الديون وإدخالها في أزمة وطنية شاملة تزداد تعقيدأ يومأ بعد الآخر - فظروف الانفتاح الاقتصادي الواسع وتدفق رأس المال الأجنبي إلى داخل البلاد وتضخم الإنفاق الحكومي، كل ذلك ظل يمثل عاملا هامأ في تتمية الفئات الرأسمالية في مختلف المجالات ، وخاصة في مجالات التجارة والعقارات والمقاولات وغيرها . واذا كانت هذه المجالات قد ظلت تشكل المجالات التقليدية لفئات الرأسمالية السودانية، فقد شهدت توسعأ كبيرأ في الفترة المايوية . وفي ظروف مصادرة الديمقراطية وتفشي الفساد وسط الطبقة الحاكمة وجهاز الدولة وتطلع أركانها إلى الثراء ودخول عالم البرجوازية ، تبلورت فئات البرجوازية البيروقراطية وتداخلت علاقاتها مع الفئات التجارية والطفيلية المحلية والخارجية. وأدى كل ذلك إلى اتساع حجم الفئات الرأسمالية وازدياد وزنها الاقتصادي والاجتماعي. ولكن هذا التطور ظل يسيرفي اتجاه غلبة النشاط الطفيلي والتجاري والارتباط برأس المال الأجنبي وعجز هذه الفئات عن الارتكاز إلى عمود فقري زراعي صناعي ثابت .وهو تطور شاذ، استند إلى سلطة الدولة ويتناقض تمامأ مع تطورات الخمسينيات والستينيات ولا يرتبط بجذور حقيقية وسط المجتمع السوداني وفئاته التجارية . فمنذ بداية السبعينيات ظلت الطبقة الحاكمة تعمل على تنمية علاقاتها مع مراكز جديدة لرأس المال الدولي ورجال الأعمال الدوليين . وهي مراكز لاتهتم بالاستثمار قدر اهتمامها بانتهاز الفرص التي تتيحها لها علاقاتها، بعكس الشركات التي كانت تعمل في البلاد حتى عام 1970 - ومن بين هؤلاء كان هناك تايني رولاند، مدير شركة لونرو، وعدنان خاشقجي ، رجل الأعمال السعودي والمليونير المعروف . ومع تطور هذه العلاقات انفتح الطريق أمام مجموعات محلية مشابهة عديدة للارتباط مع هذه المراكز واستغلال ما توفره من فرص نشاط ثمينة . وشمل ذلك أركان النظام الحاكم وبعض رجال الأعمال والمحاسيب والأنصار (بيتر ودوارد) وخلال فترة وجيزة ظهرت فئة الأغنياء الجدد، حيث تشير المعلومات إلى ظهور عشرين مليونيراً في عام 1981 وارتفع العدد إلى أربعين في 1985 (محمد علي جادين )- وكان المجتمع ينظر إليهم بازدراء واحتقار، بسبب افتقادهم لأي جذور تجارية راسخة . وأيضأ بسبب صرفهم البذخي وسلوكهم المتميز بالتعالي والتباهي واستفزاز مشاعر الآخرين في مجتمع يعاني الفقر والمجاعة ويتميز أهله بالتواضع والبساطة. (بيتر ودوارد) ومع محدودية هذه الطبقة الجديدة، فقد كان تأثيرها واسعأ، بحكم استنادها على السلطة والإفساد وعلى علاقات قوية مع رأس المال الدولي. ولذلك امتدت نشاطاتها للتجارة الداخلية والخارجية والعقارات والزراعة الألية والمقاولات وغيرها . ومع تدفق القروض والتسهيلات الخارجية، ظل نفوذها يتسع ويزداد في المجالات كافة، وخاصة في مجالات الزراعة الآلية والمصارف والتجارة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.