على الرغم من نجاح الحكومة في تحييد الصراع حول السلطة والثروة في شرق السودان عقب توقيعها اتفاقية الشرق للسلام مع قيادات جبهة الشرق، على قلة المكاسب التى جناها منها الاقليم بولاياته الثلاث، إلاّ أن ثمة نذر تمرد الآن على هذه الاتفاقية. بدأت (تململات) من المجموعات القبلية فى الايام الماضية وإن تلافتها الخرطوم بإصدار توجيهات سريعه وحاسمة من أعلى المستويات - النائب الأول للرئيس - بتشكيل لجان لتفعيل الاتفاق وانزال بنوده المعلقة لما يقارب العقد من الزمان على الأرض، وفي خطوة استباقية مماثله تحركت الحكومة بإتجاه الجوار الشرقي موفدةً وفدا أمنيا رفيعاً يرأسه رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني محمد عطا الى العاصمة الارترية أسمرا. وحسب سفير السودان في أسمرا فإن مبعوث البشير قدم الدعوة للرئيس افورقي لحضور افتتاح الطريق البري الذي يربط بين السودان واريتريا الذي سيعلن عنه قريباً وقد أعلن أفورقي أنه ضد أي تدخل أجنبي في شئون السودان الداخلية بعد قبوله دعوة الرئيس البشير . الا ان مصدرا دبلوماسيا رفيعا قال ل( الصحافة ) إن الهدف الأساسي من زيارة عطا الى أسمرا هو كبح التململ الذي بدأت تظهر مؤشراته في الحدود الشرقية للبلاد وحتى النيل الأزرق وزاد « هناك معلومات تفيد بوجود حراك كثيف في الجبهة الشرقية، والحكومة تود احكام التنسيق مع ارتريا للتصدي لأية محاولات من هذا القبيل ومحاصرتها « . ويبدو أن السودان في الوقت الحاضر يستفيد بأقصى ما يمكن من علاقاته مع دولتي الجوار الشرقي ارتريا واثيوبيا بإعتباره نقطة تتلاقى فيها مصالح الدولتين ولا تتقاطع . وبالتزامن مع تلك التحركات السودانية نحو اريتريا كان الرئيس الاثيوبي يحط رحله في العاصمة السودانية الخرطوم قبل يومين في زيارة هي الثانية من نوعها بعد إندلاع عمليات الاقتتال في ولاية النيل الازرق الحدودية مع أديس ابابا ، وبدا ان زيناوي عازم على نزع فتيل الازمة بين دولتي شمال السودان وجنوبه على الرغم من تمسك الحزب الحاكم برفض كل المبادرات الخارجية لحل أزمته مع الحركة الشعبية قطاع الشمال كما أكد معظم قادة المؤتمر الوطني . ممسكاً بنصف العصا أعلن زيناوي عن رؤيته الخاصة للحل حيث قال في تصريحات صحفية مختتماً بها زيارته الى السودان « لتجاوز الأزمة في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان يتعين ان يكون ذلك عبر الطرق السلمية في اطار سودان موحد وجيش واحد وعلى اساس احترام مخرجات الانتخابات التي جرت مؤخراً في السودان « وذكّر بأن وضع السلام أو الحرب في السودان يتأثر به الاقليم كله، وأضاف « نأمل أن يكون هذا هو الاطار المستقبلي لحل المشكلة « . ويذهب مراقبون الى أن الطرح الاثيوبي للحل والذي حمله الرئيس زيناوي لا يعني سوى اتفاقية أديس أبابا التي رفضها المؤتمر الوطني خاصة وأن زيناوي أشار الى أهمية إحترام ما تمخضت عنه نتائج الانتخابات وتوحيد الجيش، وقبول الانتخابات يعني ان يقبل المؤتمر الوطني بمالك عقار والياً على النيل الازرق بإعتباره والٍ منتخباً في مقابل أن تقبل الحركة الشعبية في جنوب كردفان بنتيجة الانتخابات وتضع السلاح جانباً ومن ثم تدمج قواتها في القوات المسلحه السودانية وفق الاتفاقية المتعارف عليها بهذا الخصوص . بيد أن المصدر السابق أكد ل( الصحافة ) أن طرح زيناوي يصنف الى صالح استقرار السودان وليس لصالح طرف على حساب الطرف الآخر ولم يستبعد أنه في حال انجلت الازمة ان يُعاد عقار والياً على ولاية النيل الازرق وزاد « لكي تفعّل أطروحات الرئيس الاثيوبي الخاصة بتوحيد الجيش السوداني يجب أن تبث تطمينات الى الحركة الشعبية . ومن المعلوم ان اثيوبيا ظلت تضطلع بالدور الاهم فى هذا الملف منذ نشوء الأزمة ،لكن هل يعني ذلك إبعاد الجهود الاريترية التي دخلت هي الأخرى في ذات الملف وبقوة في اطار السباق الاقليمي على لعب الادوار المؤثرة مع غريمتها اثيوبيا، بإبتعاثها وزير خارجيتها بعد مرور إسبوع من إندلاع القتال في النيل الأزرق، لكن المصدر الدبلوماسي يؤكداً تأثير اثيوبيا في صنع السلام في السودان من خلال امساكها بعدة خيوط في العملية السلمية الداخلية بدءاً من احتضانها لمفاوضات الشريكين حتى قبل اعلان انفصال الجنوب ثم تأثيرها القوى في حسم الصراع في منطقة أبيي المتنازع عليها وذلك بإرسالها قوة لحفظ السلام تعتمد بالكامل على المكون الاثيوبي، كما أنها شريك اساسى الآن في رأب الصدع بين السودان والحركة في أعقاب احداث النيل الازرق ، فيما يصّور الخبير فى شئون المنطقة أمير بابكر علاقة الحكومة بالدولتين أثيوبيا وارتريا كلاعب السيرك الذي يمشي على حبل مشدود وقال ل( الصحافة ) « الدولتان كانتا أكبر داعمتين للقوات المعارضة لهذا النظام، وحتى الآن لهما علاقات بها لذلك فالحكومة لا تستطيع أن تغض الطرف عن أية دولة ، فاثيوبيا لها علاقات بالحركة الشعبية، وارتريا لها وثيق الصلة بجبهة الشرق لذلك الحكومة تعامل الدولتين بتوازن تام وتجاهلها لأية دولة يخل بهذا التوازن «. وعلى الرغم من أن الحكومة السودانية رفضت المبادرات الخارجية سيما بعد الازمة الاخيرة الا أنها بدت حريصة على إرضاء الدولتين الجارتين اثيوبيا واريتريا بينما يرى المصدر السابق في الجهود الاثيوبية انه ليس من المناسب أن نطلق على المساعي الاثيوبية « وساطة خارجية « بل هي جهود تدعم بها الطرفين للإسهام في الوصول الى حل سلمي يرضي جميع الاطراف وأضاف « نحن لا نتحدث عن وساطة تحتضنها اثيوبيا بل نتحدث عن جهد يبذله السودانيون برعاية أثيوبيا»