تميزت الاغنية الشايقية بقوة الكلمة، والتعبير الصادق وبساطة المعنى ما جعلها واضحة المقصد، كما اشتهرت الاغنية الشايقية بانها تحمل كماً هائلاً من الشوق والحنين، واذا رجعنا لذلك نجده لارتباطهم الشديد بمناطقهم ووطنهم الذي اجبرتهم ظروف الحياة على فراقه.. هؤلاء كتبوافي كل شيء ما تركوا واردة ولا شاردة الا وسطروا في حقها كلمة.. وكلمتهم هي الصدق. وكما تغنوا للطبيعة وللحبيبة وللام نجدهم يحملون هموم الوطن الكبير في اشعارهم وغناهم.. بل اعطوه مساحة مقدرة وافاضوا فيه كثيراً.. وقد جاءت اغانيهم مليئة بالشوق والشجن.. ورسموا لنا لوحة باهية وصورة زاهية تتحدث بفخرهم واعتزازهم بانتمائهم للوطن.. ولنا ان نلتفت لنرى صدق هذه الكلمات: لو ماجيت من زي ديل وآ اسفاى وا مأساتي وا ذلي تصور كيف يكون الحال لو ما كنت سوداني واهل الحارة ما اهلي وما اجملها من كلمات حين نستمع او نقرأ هذه: وطنا حبيبنا رغم البين هي الاشواق.. حنينا اليك يظل دفاق ماحوجتنا ونديك.. غيمنا عليك دوام ساساق وهذا آخر يترنم ويجعلنا نردد معه: يا وطنا آه في عيوني ديمة... وادي وادي وغيمة غيمة روحي تفديك الشدايد... شعري تعويذة وتميمة والله يا ارض الوطن.. والشوق عديل لي امتحن خلاني زي جاهل رضيع الليلي يا دوب اتفطم الشيء الجميل ان الاغنية الوطنية عندهم لم تنكفئ على بيئة المنطقة الشايقية فحسب.. بل امتدت اشعارهم الى مناطق كثيرة وتعاطوا مع القضايا الوطنية، بل كان الشمال ينادي بالوحدة في اشعارهم.. وتمر علينا هذه الايام والبلاد تواجه اعتداءات اثيمة على ولاية النيل الازرق وتلوح لنا بنذر الحرب اللعينة.. لو وقفو الحرب الحرام... ال... الله ذاتو هو لاعنا كان البلاد انطامنت.. وكان الف خزان اتبنا وحبهم لوطنهم جعلهم على قناعة بان الحرب لن تأتي للبلاد سوى بالخراب والدمار.. ودعونا نستريح في هذه الواحة واللوحة الشعرية علنا نتنفس بعض الشيء ونتأمل كيف تطوع الكلمات كما يريدون ويشتهون.. ويتمنون.. ويغنون.. سوقني محل ما المحنة ايادي تقطر سلام سماحة الحياة فوق اهلنا وبلادي تقرقر وئام فيابه خرابه الحرابة وخرابه فكر سوسه سام خرابه الكل نفسو تابا عقابا تلم عم سام درب من ده ما بيودي حرب سبه حرب حرام تشيل وتشيل ما بتدي عقب اخرتا انهزام اخيرا كراكة بتنفتح تضاري تراقد الركام ام الدبابة البتكسح شخير الموت الزؤام ما هذه الروعة وما هذا الرقي والتعبير الجميل.. الا يتعلم سعاة الحرب وهواة الاحتراب ماذا تعني هذه الكلمات.. سيحفظ لهم التاريخ ما كتب وما تغنى وما سيأتي وهذه دعوة صريحة للجميع لرمي البندقية ورفع الطورية تعال لي ارضك يا خيرا... تعالها يا اسد الهمام بدل دوشكا يغني طيرا.. بدل قنبلة عش نعام ديموقراطية وامان سوا سوا عالينا مقام مواريثنا المن زمان... محصنة في اروع نظام ونردد لكم كلاليق المحبة وقواسيب السلام ولم يقتصر الشايقية على الاغاني والاشعار فحسب.. بل حتى في المديح.. فنجد ان شيوخ المديح امثال حياتي حاج الماحي تعاطوا مع قضايا الوطن حالهم كحال اهل الشمال لا يختلفون عنهم في شيء سوى في خلواتهم واذكارهم. ولو لمسنا وتلمسنا الشيخ حاج الماحي الذي عاش فترة الحكم التركي نجده بقريحته وعبقريته الفذة وحبه للوطن جعله يبث اعتراضاته ورفضه لما يمس الوطن من نهب وسلب وجباية وضرائب فينقرش طارته ليذكر الناس بنور العدل المحمدي وليبين كذلك ظلم الاتراك وجورهم كما جاء في مدحته (كدور الحمال يا عبد): التقي الرضي المو حقد ما نهبلوا مالا جرد التقي الرضي الما بسب ما نصبلوا مالاً غصب وغرق حاج الماحي في مدحه للرسول وقدحه للحكم التركي وتأسفه على ما يحصل: ساكت قعادنا بلا نفع لي جيبو مال قوقكن طلع حل قيدي يا رب السمع لي الخضراء زدانه البقع وفي مدحته (التسماح) التي ابدع في روايتها وصياغتها لتربطه بالحدث والبيئة كحال اهل السودان في ارتباطهم بالارض والنيل.. وكانت دعوته لكل شيوخ السودان والاولياء الصالحين والخلفاء ان يعملوا على دحر هذا التمساح: يا الخلفا الحالكم رخيه يا اهل البيعة العقدو النيه التمساح سكن الشايقية خلو يروح ينسياً منسيا ومن قصيدة رمزية للشيخ حاج الماحي لها قصة مشهورة ومتداولة للتمساح الذي حجر على الناس العوم .. ودلالتي على رمزها للحكم التركي بهذا التمساح الذي (تجسر) كما قال. شي لله يا راجل البركل يا قايم بالليل ما بتكسل يا عايم بالله توكل قول للدود من (بلدي إتفضل) ويصر حاج الماحي في مديحه على ان تنجو البلاد من الشر المحيط بها وهو الاستعمار.. وذلك ما نراه في مدحته: يا ربي بالقدر والدلك يقول (تنجينا من جور السلك). هذا الحراك في شعر حاج الماحي جعل المستعمر يشعر بقوة كلماته وتأثيره في الناس وارتباطهم بالمديح وإشعال المحبة فيهم أثناء حلقات المديح.. فتم استدعاؤه في مديرية مروي فانشد قائلاً: اسمعو شوفوا يا صغارا القصص البقت في الدارا يا خواني جاتنا عبارا قالوا لا تمدح المختارا فرفض حاج الماحي الانصياع للمستعمر وظل يقاوم ويصر وينشد قائلاً في نفس قصيدته: حتى ان كان تغور بي اقدارا نمدح فوق رسولنا بطارا إن كان اخشى اخلي الطارا عقبان اسم ابوي حسارا كان لابد لحاج الماحي الوطني الغيور ابن الشمال ان يدلي بطاراته ليظل صوت طارته يرزم كالرعد في وجوه اعدائه.. وهكذا ظل إبداع اهل الشمال من شيوخهم الى شعرائهم قريبين من وطنهم مدافعين بالكلمة يستلونها سيفاً بتاراً في وجوه الذين يريدون النيل من الوطن.