اجتماع حكام ولايات دارفور وكردفان الذي عقد أخيرا بالفاشر، هل كان الهدف منه قطع الطريق امام تحالف كاودا الذي وحد حركات مسلحة من المنطقتين، ام هو تجديد لفكرة قديمة طرحها وسعى لتنزيلها على الارض والي شمال كردفان الاسبق ونائب الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي ابراهيم السنوسي، ام جاء تحسبا لاجندة مثلث حمدي التي بدأت في التجسد على الارض بانفصال الجنو ب، ام هو تكتل سياسي وجهوي جديد؟ ام هو التفاف من المركز على قضايا الاقليمين .؟ ولأن دواعي قيام المؤتمر الذي ضم حكام ولايات شمال وغرب وجنوب دارفور وشمال وجنوب كردفان لفها الغموض وحتى التي تم الاعلان عنها لم تكن مقنعه لكثير من المراقبين فقفزت الى السطح الاسئلة السابقة ، وهو الامر الذي جعل البعض يعود بالذاكرة الى العام 1980 الذي شهد إنفصال دارفور عن كردفان كرد فعل من الرئيس جعفر نميري الذي كان وعقب اتفاقية اديس ابابا يتحسب لمواجهات ومصير غير واضح المعالم مع الجنوب عبر وضع الغرب في مواجهة الجنوب، وهو الامر الذي قوبل برفض كبير من جانب قيادات دارفور وكردفان فكان ان تم تقسيم الاقليم رغم انه تاريخيا ظل موحدا، وايضا ذات الاجتماع اعاد الى الذاكرة محاولات والي شمال كردفان الاسبق والمعارض الحالي ابراهيم السنوسي الذي سعى لتجميع الولايات الست (كانت وقتها غرب كردفان ولاية) تحت لافتة كيان الغرب لخدمة قضايا الاقليم كما تم الاعلان عن ذلك خواتيم العقد الماضي غير ان الفكرة تم اجهاضها في مهدها، وتباينت الآراء حول تلك الفكرة وقتها حيث أعتبر البعض ان ظهور بوادر انشقاقات الاسلاميين في نهاية العقد الماضي دفعت السنوسي الذي كان مقربا من الترابي لطرح فكرة الكيان ليكون بمثابة ورقة الضغط في يد تيارهم في حالة تصاعد وتيرة الخلافات مع القصر او العسكر، فيما اعتبرت جهات اخرى داخل الحزب الحاكم ان كيان الغرب ربما شكل خطورة اذا مامضى في طريقه. وقد شهد غرب السودان في العقد الاول من هذه الالفية تغيرا كبيرا افضى الى تدويل قضاياه خاصة تلك المتعلقة بدارفور واخيرا جنوب كردفان التي تدور فيها حرب بين جيشي الدولة والحركة الشعبية ، والاسئلة السابقة جاءت من واقع ما يشهده الغرب. الاجتماع الاخير للولاة جاءت مخرجاته اقرب الى الاجابة على احد الاسئلة السابقة حيث قرر حكام الولايات الخمس تكوين آلية فنية مشتركة لمحاصرة المهددات الامنية وذلك في اجتماع تنسيقي عقد فى الفاشر عاصمة شمال دارفور بمشاركة لجان أمن ولايات شمال وجنوب وغرب دارفور وشمال وجنوب كردفان، وأوصى اجتماع الفاشر التنسيقي بأخذ تهديدات العناصر الموقعة والمؤيدة لوثيقة كاودا مأخذ الجد مع ضرورة اتخاذ كافة ما يلزم لفرض هيبة الدولة وسلطة القانون تجاه الخارجين على شرعيتها وتزويد الأجهزة العسكرية والأمنية بكل ما يلزم حتى تتمكن من أداء دورها على الوجه الأكمل بجانب التوصية بعقد اجتماعات دورية وطارئة مشتركة للجان أمن الولايات. و دعا الاجتماع إلى أهمية إحكام التنسيق الإداري بين كافة الأطر المحلية والولائية والمتداخلة بين الولايات ، وأن تقوم الولايات بتوفير الخدمات الضرورية في مناطق التكامل لفائدة كل الأطراف بجانب تكوين آليات دائمة برئاسة المحليات تعني بأمر الزراعة والمراحيل والمسارات خاصة عند بداية موسم الخريف والالتزام بتنفيذ تعهدات ومقررات مؤتمرات الصلح مع إنشاء مفوضيات فاعلة للأراضي . الاجتماع الذي كان ظاهره مناقشة القضية الامنية تناول قضايا اخرى اعتبرها مراقبون خطوة ذات دلالات مختلفة تشير الى ان فكرة كيان الغرب التي دعا لها السنوسي تنزلت على ارض الواقع دون قصد او بترتيب حيث تم تناول الجانب التشريعي و تضمنت توصيات الاجتماع أهمية صياغة بعض مقررات وتوصيات المؤتمرات في شكل تشريعات وأوامر محلية لها قوة القانون لضمان التنفيذ و إجراء تغييرات في الأطر التشريعية والقانونية والقضائية والسياسية التي تحكم إدارة الأرض وأنواع الموارد وإصدار تشريعات لإنشاء محاكم مشتركة للنظر في القضايا الحدودية ، ولم يغفل الاجتماع نقطة اثيرت كثيرا ويعتبرها مراقبون السبب المباشر لتفجر ازمتي دارفور وكردفان وتتمثل في المحور الاقتصادي الذي أوصى الاجتماع بضرورة الاهتمام بمشروعات حصاد المياه وتشجيع مشروعات الإنتاج الزراعي والحيواني ومعامل ضبط الجودة علاوة على إجراء الدراسات اللازمة لتوطين الرحل. مجيبا على جزء من الاسئلة التي طرحت عقب اجتماع الفاشر نفى القيادي بالحزب الحاكم ربيع عبد العاطي في حديثه ل(الصحافة) عبر الهاتف أمس ان تكون للاجتماع علاقة بمثلث حمدي او بصراع مكتوم ومتوقع بين الشمال والغرب استدعى توحيد ولايات دارفور وكردفان تحت كيان واحد ، معتبرا ان مثل هذه الاجتماعات تعتبر طبيعية وتحدث دائما بين الولايات التي تجمعها حدود متداخلة ومشتركة ومصالح مترابطة وذلك من اجل التنسيق وبحث كيفية تسهيل وتأمين حركة المواطنين، وكذلك بحث جوانب اخرى مثل التنمية والخدمات، وقال انه لايمكن النظر لمثل هذه الاجتماعات من منظور سياسي اوانه يمهد لتشكيل تحالف ضد المركز، وقال ان تشبيه قضايا الغرب بجنوب السودان ينقصه المنطق لجهة ان الغرب قضيته تتمحور في التنمية والخدمات وان قضايا الجنوب كانت شائكة وموروثه منذ عقود طوال فشلت كل المحاولات في حلها، وطالب عبد العاطي بعدم تحميل الاجتماع اكثر من مقاصده التي قام من اجلها. ولكن المحلل السياسي والكاتب الصحفي عبد الله آدم خاطر يذهب في اتجاه مختلف ويعتبر اجتماع الفاشر مجرد مزايدة سياسية من جانب المؤتمر الوطني لن يجني المواطن منها شيئا يذكر، ويقول خاطر في حديثه ل (الصحافة) عبر الهاتف امس ان الوطني اذا اراد وضع حد لقضايا الغرب فهو مطالب بتوسيع دائرة التفاوض مع كافة الاطراف بدارفور وكردفان ، واعتبر خاطر ان تحالف كاودا هو الذي دفع الولاة الخمسة للاجتماع وليس بحث قضايا المواطنين بالاقليم، معتبرا ان التمازج الذي يجمع بين دارفور وكردفان والقضايا المشتركة جعلت حركة العدل والمساواة في مفاوضات الدوحة تدخل كردفان ضمن المناطق التي تتفاوض من اجلها، وقال ان تحالف كاودا امتداد للعلاقة بين مكونات الغرب التي تشترك في قضايا مطلبية واضحة. ويعتبر مراقبون ان كل عوامل توحد ولايات دارفور وكردفان في كيان واحد تبدو ماثلة، ويشيرون الى انه بخلاف التداخل الاثني والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية هناك مشتركات اخرى ابرزها ضعف التنمية في الاقليمين عطفا على الشعور العام بتعمد المركز تهميش الغرب ،وهو الامر الذي قاد الى انضمام مبكر لعدد من مواطني جنوب كردفان للحركة الشعبية ولاحقا ادى الى ظهور حركات مسلحة بدارفور، بيد ان مراقبين ومنهم الكاتب الصحفي صديق تاور يعتقدون ان الحزب الحاكم والحركات المسلحة المختلفة لاتملك القدرة على توحيد الغرب في كيان واحد، وينفي تاور في حديثه ل (الصحافة) قدرة ولاة الولايات وموقعي اتفاق كاودا على توحيد الاقليم ، معتبرا ان النخب في الحزب الحاكم والحركات المسلحة غير مؤهلة للعب دور مؤثر في توحيد صف سكان الاقليمين، مرجعا الامر الى ان هذه النخب تبحث عن مصالحها الشخصية وغير مهتمة بالمعاناة الحقيقية للسكان وانها لاتملك رؤية ثاقبة لتشريح ازمات الاقليم الواسع ووضع حلول لها، وقال تاور ان اجتماع الاقليمين في كيان واحد يتطلب معالجة قضايا المواطنين ويتوقف على رأي الاغلبية الصامتة التي يقول انها هي من تملك القدرة على جعل كيان الغرب واقعا وليس النخب السياسية من ابنا دارفور وكردفان.