كلية الارباع لمهارات كرة القدم تنظم مهرجانا تودع فيه لاعب تقي الاسبق عثمان امبده    بيان من لجنة الانتخابات بنادي المريخ    بيان من الجالية السودانية بأيرلندا    رواندا تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لاستقبال ما يصل إلى 250 مهاجرًا    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    شاهد بالفيديو.. السيدة المصرية التي عانقت جارتها السودانية لحظة وداعها تنهار بالبكاء بعد فراقها وتصرح: (السودانيين ناس بتوع دين وعوضتني فقد أمي وسوف أسافر الخرطوم وألحق بها قريباً)    شاهد بالصورة.. بعد أن أعلنت في وقت سابق رفضها فكرة الزواج والإرتباط بأي رجل.. الناشطة السودانية وئام شوقي تفاجئ الجميع وتحتفل بخطبتها    البرهان : لن نضع السلاح إلا باستئصال التمرد والعدوان الغاشم    وفد عسكري أوغندي قرب جوبا    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    مجاعة تهدد آلاف السودانيين في الفاشر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    لدى مخاطبته حفل تكريم رجل الاعمال شكينيبة بادي يشيد بجامعة النيل الازرق في دعم الاستقرار    عثمان ميرغني يكتب: لا وقت للدموع..    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    تيك توك يحذف 16.5 مليون فيديو في 5 دول عربية خلال 3 أشهر    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من هم سكان السودان قبل ظهور المسميات القبلية الحالية
حول أصول سكان السودان 16
نشر في الصحافة يوم 07 - 10 - 2011

من هم النوبة في اتفاقية عمرو بن العاص مع أهل مصر (2)
الفتوحات الاسلامية في صعيد مصر
ذكرنا في مقالنا السابق (رقم 15) أن فهم موضوعي علاقة النوباتيين بالبيزنطيين والفتوحات الاسلامية في صعيد مصر قد يساعد على معرفة من هم النوبة في اتفاقية أهل مصر. وقد تناولنا في مقالنا السابق باختصار علاقات مملكة نوباتيا مع البيزنطيين، وسيتم هنا بإيجاز تناول حروب المسلمين في صعيد مصر.
يلاحظ أن المصادر العربية ? كتب الفتوح والتاريخ ? قد سكتت عن حروب المسلمين في صعيد مصر فيما عدا إشارات قليلة وعابرة لا تُمَكن من فهم وتتبع الفتوحات الاسلامية في تلك المنطقة. فالبلاذري (فتوح البلدان ص 218) قال: «لما فتح عمرو بن العاص الفسطاط وجه عبد الله بن حذافة السهمي إلي عين شمس فغلب على أرضها وصالح أهل قراها على مثل حكم الفسطاط، ووجه خارجة بن حذافة العدوي إلى الفيوم والاشمونيين وأخميم والبشر ودات وقرى الصعيد ففعل مثل ذلك.»
فالبلاذري اختصر كل حروب المسلمين في صعيد مصر في جملة واحدة، وليس من الواضح هل كانت هنالك مقاومة في صعيد مصر أم لا؟ وإلى أين وصلت جيوش المسلمين في الصعيد؟ فقد ذكر البلاذرى أسماء خمسة مناطق وصلتها قوات المسلمين ثم اختصر بقية حروب المسلمين بقوله «وقرى الصعيد» دون تفصيل. كما وضح البلاذري أن المسلمين وقّعوا مع أهل الصعيد صلحاً مثل صلح عمرو بن العاص مع أهل شمال مصر، لكنه لم يورد بنود الصلح، وأغلب الظن أن يكون هنالك أكثر من صيغة صلح واحد لأن الصلح أو الاتفاق يعقب كل معركة.
أما ابن عبد الحكم (فتوح مصر ص 125) فقد جاء ما ذكره عن فتوحات المسلمين بصعيد مصر أكثر اختصاراً، فقد ذكر أنه «لما تم الفتح للمسلمين بعث عمرو جرائد الخيل إلى القرى التي حولها، فأقامت الفيوم سنة لم يعلم المسلمون بمكانها حتى أتاهم رجل فذكرها لهم ... ويقال بل بعث عمرو بن العاص قيس بن الحارث إلى الصعيد فسار حتى أتى القيس فنزل بها وبه سميت القيس فراث [أبطأ] على عمرو خبره فقال ربيعة بن حبيش كفيت فركب فرسه فأجاز عليه البحر وكانت أنثى فأتاه بالخبر ويقال أنه أجاز من ناحية الشرقية حتى انتهى إلى الفيوم»
فرواية ابن عبد الحكم لا تذكرشيئاً عن حروب المسلمين جنوبي الفيوم التي تقع بالقرب من القاهرة، والتي يبدو أن المسلمين اعتبروها أول الصعيد. وذكر أن المسلمين أقاموا في مصر سنة كاملة ولم يرسلوا قواتاً للصعيد، حتى أنهم لم يكونوا يعلمون بموقع الفيوم. وبالطبع فإن الرواية بهذه الصورة من الصعب قبولها، إذ لا يعقل أن يظل المسلمون سنة في الوجه البحري لمصر ولا يعلمون شيئاً عن مناطق الصعيد.
ومن الملاحظ أن المصادر الأخرى التاريخية والجغرافية والموسوعات لم تتعرض لفتوحات المسلمين في الصعيد. ورغم أن عبد الله بن سعد قضى عدة سنوات والياً على الصعيد حتى عام 25 ه قبل أن يخلف عمرو بن العاص والياً على مصر كلها، فالمصادر لم تذكر حروبه في الصعيد، وباستثناء ما ورد عن حربه للنوبة وما عدا ما أوجزه ابن حوقل (صورة الأرض ص 55) حيث ذكر أنه «فتح مدينة أسوان وكانت مدينة أزلية قديمة، وكان عبر إليها من الحجاز وقهر جميع من كان بالصعيد بها من فراعنة البجة وغيرهم»
ويلاحظ أن حروب عبد الله بن سعد لم توجه من الفسطاط عاصمة المسلمين في شمال مصر بل أتت عبر البحر الأحمر من شبه الجزيرة العربية مباشرة. ولا تتضح الحروب التي خاضها عبد الله بن سعد في الصعيد ما عدا ما ورد عن اخضاعه أسوان. ويلاحظ أن ابن حوقل تحدث عن ثلاث مجموعات حاربها عبد الله بن سعد وهم: 1. أهل أسوان 2. فراعنة البجة 3. وغيرهم. فهنالك مجموعتان إلى جانب أهل أسوان هما البجة وغيرهم، فهل غيرهم هنا إشارة إلى النوباتيين؟ ولماذا وصف البجة بالفراعنة وهو الوصف المفروض يصدق على أهل أسوان؟ يظل وجود البجة والنوبة في صعيد مص? في حاجة إلى المزيد من الاهتمام.
والمصدر الوحيد الذي تناول حروب المسلمين في صعيد مصر هو الواقدي (ت 207 ه/823 م) في كتابه الذي تحمل إحدى طبعاته اسم فتوح الشام. وفي واقع الأمر فإن الكتاب تضمن فتوح الشام والعراق ومصر. ورغم أن الكتاب طبع عدة مرات منذ منتصف القرن التاسع عشر إلا أنه يلاحظ عليه أنه يحمل طابع الملاحم وعدم تحري الدقة في الأخبار.
وقد اطلعت على ثلاث نسخ من الكتاب، النسخة التي ضمنها مصطفى مسعد في كتابه المكتبة السودانية، وهي نسخة مأخوذة عن الكتاب تحت اسم «فتوح مصر والاسكندرية» والنسخة الثانية نسخة موقع الوراق (warraq.com) وذكر الموقع أنه أخذها من طبعة مكتبة ابن خلدون بدون تاريخ. والنسخة الثالثة طبعة بيروت دار الجيل بدون تاريخ، وهي النسخة المستخدمة هنا، ورغم ان عنوانها «فتوح الشام» إلا أنها تناولت فتوح مصر. وتتفق الثلاث نسخ في المعلومات التي سنتعرض لها. غير أن مصطفى مسعد لم ينقل النص كاملاً في كتابه المكتبة السودانية.
أورد الواقدي (فتوح الشام، ج 1 ص 211) معلومات مفصلة عن الحروب الطويلة التي خاضها المسلمون في صعيد مصر، كما تناول أيضاً سكان الصعيد وأشار إلى وجود النوبة بالصعيد في قوله: «لما فتح عمر بن الخطاب مصر والاسكندرية والبحيرة والوجه البحري كله كان بالصعيد نوبة وبربر وديلم وصقالبة وروم وقبط.» وذكر في أكثر من موضع (ج 2 ص 47 و55 و58) استنجاد البيزنطيين بالبجة والنوبة قبل المعارك الفاصلة مع المسلمين.
ورغم أنه ذكر أن البجة والنوبة لم يرسلوا قوات لمساعدة البيزنطيين نسبة للحرب التي نشبت بينهما. إلا أنه عاد (ج 2 ص 60) وذكر وصول جيوش «حليف» ملك النوبة و «مكسوج» ملك البجة، وتحدث عن مشاركتهم القتال مع البيزنطيين. وذكر أنه: «كان مع ملك البجة ألف وثلثمائة فيل عليها قباب الجلد بصفائح الفولاذ في كل قبة عشرة من السودان طوال القامة عراة الأجساد على أوساطهم وأكتافهم جلود النمور وغيرها، ومعهم الدرق والحراب والكرابيج والقسي والمقاليع والأعمدة الحديدية والطبول والقرون، وكانت عدتهم عشرين ألفاً»
ولم يذكر الواقدي (227 و 249 و 243) وَصْف أو عدد جنود النوبة كما فعل مع البجة، لكنه قدر عدد الجنود الذين حاربوا المسلمين في الصعيد ب»مائتي ألف فارس وخمسين ألف راجل من النوبة والبربر والبجاوة والفلاحين»
ورغم أن رواية الواقدي عن حروب المسلمين بالصعيد تعتبر - بصورة عامة ? رواية ضعيفة إلا أنها قد تتضمن بعض الاشارات التي من الممكن التوقف معها قليلاً. فقد ذكر الواقدي عدد الاجناس التي كانت بصعيد مصر إبان الفتح الاسلامي بما فيهم النوبة والروم العنصران الذان تناولتهما شروط صلح عمرو بن العاص مع أهل مصر. ومن ناحية ثانية لو أخذنا ما ذكره الواقدي من مشاركة النوبة والبجة في الحرب إلى جانب البيزنطنين لأمكننا افتراض وجودهم في محادثات وشروط الصلح بين المسلمين وأهل مصر.
عودة إلى النوبة في اتفاقية الصلح
ومن خلال ما أمكن تسليط بعض الضوء عليه من علاقات البيزنطيين بالنوبة والبجة قبيل الفتح الاسلامي وما ورد عن إمكانية وجود النوبة في صعيد مصر إلى جانب البجة وما ورد عن حروب المسلمين المبكرة في صعيد مصر نعود إلى التساؤلات التي طرحناها عن النوبة في اتفاقية عمرو بن العاص مع أهل مصر. فقد خاطبت هذه الاتفاقية ثلاث فئآت متميزة من النوبة هم:
- الفئة الأولى: النوبة الذين لا يساكنون أهل مصر (فقرة رقم 2)
- الفئة الثانية النوبة الذين دخلوا في صلح مع المسلمين (فقرات رقم 4 و7 و8 )
- الفئة الثالثة النوبة الذين لم يدخلوا في صلح المسلمين (فقرة رقم 5)
الفئة الأولى النوبة الذين لا يساكنون أهل مصر
ويلاحظ عدم وضوح وضع ما يتعلق بهذه الفئة من النوبة في الصلح. فقد خاطبت الفقرة الثانية من الاتفاق النوبة بصورة عامة ونصت على أن لا يساكنوا أهل مصر. فهل نفترض أنه على النوبة مغادرة مصر؟ أو نفترض قبولهم في مصر ولكن المطلوب منهم عدم مساكنتهم اهل مصر بمعني أن لا يعيشوا بينهم بل يعيشوا منعزلين؟ وهل هذا الانعزال في المساكنة فقط أم في الحياة الاجتماعية أيضاً؟
وإذا افترضنا أن منع النوبة من مساكنة أهل مصر في الاتفاق يعني عدم قبولهم داخل حدود مصر وينبغي عليهم مغادرتها، وجدنا أن هذا التفسير يتعارض مع باقي بنود الاتفاق الخاص بالنوبة وخاصة البند رقم 4 والذي ينص على أن من دخل من النوبة في اتفاق المسلمين يصبح وضعه كوضع أهل مصر، عليهم ما على أهل مصر من الواجبات ولهم ما لأهل مصر من الحقوق. أي أن هذا البند لم يفرق بين من قبل الصلح من النوبة وبين أهل مصر. فوضع النوبة هنا مساوياً لوضع أهل مصر الأمر الذي لا يتفق مع ما ورد من عدم مساكنة النوبة لأهل مصر بصورة عامة دون تخصيص لف?ة منهم. فالبند الثاني يطلب منهم عدم البقاء في مصر والبند الرابع يعطيهم بعض حقوق المواطن المصري!
ويبقى البند رقم 2 الذي ينص على أن لا يساكن النوبة أهل مصر في حاجة للمراجعة من أجل الفهم الواضح، وأغلب الظن أن نص الاتفاق ربما تعرض لبعض التحريف أثناء تداوله في مراحل الرواية المبكرة، أو حدث ذلك أثناء نقله من مخطوط لآخر. وإذا قبلنا هذا الافترض يمكن استبعاد هذا النص من تتبعنا للنوبة في بنود صلح عمرو بن العاص مع أهل مصر حتى التحقق من صحته. ويبقى لدينا الفئتين الأخرتين من النوبة وهما من دخل صلح المسلمين ومن لم يدخل في الصلح.
الفئة الثانية النوبة الذين دخلوا في صلح مع المسلمين
جاء نص الاتفاق مع هذه الفئة كالآتي :
4. ومن دخل في صلحهم من الروم والنوبة، فله مثل ما لهم وعليه مثل ما عليهم
7. وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا، وكذا وكذا فرسا
8.على أن لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة
تناولت الفقرة رقم 4 الفئة التي اختارت الدخول في صلح أهل مصر، وأقرت الاتفاقية أن لهم مثل ما لأهل مصر وعليهم مثل ما على أهل مصر. وقد وضح البند الأول من الصلح ما لأهل مصر من الحقوق وهي: «الامان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم» ووضحت البند رقم 3 ما عليهم من الواجبات وهي أن يؤدوا ما فرضته عليهم الاتفاقية من الضرائب التي وُضّح مقدارها وكيفية دفعها.
ويبدو واضحاً أن ما ورد في البند رقم 4 والذي وضح أن للنوبة الذين استجابوا لصلح المسلمين لهم مثل ما للمصريين قصد بها الحقوق المتعلقة بالأمان على النفس والمال والكنائس، وما ورد في بقية البند رقم 4 والذي جعل للنوبة المصالحين ما على المصريين من الواجبات لم يقصد بها الضرائب التي فرضت على أهل مصر، لأن البند رقم 7 من الاتفاقية وضح ينبغي على النوبة دفعه من ضرائب وهي عدد محدد من الرقيق والخيل. وهذا يختلف عما فرض على أهل مصر.
ونظم البند رقم 8 علاقات النوبة بالمسلمين، تعهد فيها المسلمون بألا يغزوا النوبة ولا يمنعونهم من تجارة صادرة أو واردة. والتعهد بعدم الغزو هنا يوحي بأن هذا الاتفاق لم يتم مع قوم داخل حدود المسلمين. وبقية البند رقم 8 ينظم العلاقات التجارية بين النوبة والمسلمين، ونص على الأّ يمنع النوبة من تجارة صادرة أو واردة. وتجارة الصادر والوارد تكون عبر الحدود، فكأن شروط الصلح سمحت للنوبة بهذا النشاط عبر حدود المسلمين، والاشارة هنا تنصرف إلى حدود مملكة نوباتيا. فأغلب الظن أن الخطاب هنا لم يوجه إلى فئة داخلية بل موجه إلى ?يان أو مملكة مستقلة.
فالافتراض المقبول أن هذان البندان رقم 7 ورقم 8 يخاطبان جماعة غير مستقرة داخل الحدود المصرية، والنوبة غير المستقرين داخل الحدود المصرية هم النوباتين على حدود مصر الجنوبية، وهم الذين أطلق عليهم العرب اسم النوية. فهل النوبة المخاطبين في اتفاقية عمرو بن العاص مع أهل مصر مقصود بهم النوباتيين؟ وهل شارك النوباتيين حروب البيزنطيين ضد المسلمين فأتت الاشارة إليهم في الصلح؟
ليس من السهل إعطاء إجابة سريعة على ذلك، وقد حاول بعض الباحثين التعرف على أولئك النوبة. فمصطفي محمد مسعد (الاسلام والنوبة في العصور الوسطى ص 112) رأى أن النوبة هنا مقصود بهم سكان مملكة نوباتيا. وذهب إلى ان هذا النص (البندين 7 و8) يرجع إلي هدنة وقعت بين النوبة والمسلمين بعد المعركة التي وصف فيها النوبة برماة الحدق. ومن المعروف أن معاهدة أهل مصر مع عمرو بن العاص وقعت بعد هزيمة البيزنطيين مباشرة أي قبل حروب المسلمين مع النوبة التي يفترض مسعد أن الشروط التي وردت عن النوبة في معاهدة أهل مصر تعود إليها. ويبدو ذلك?مستبعداً للفارق الزمني الكبير بين الحملتين، إلا إذا افترضنا مشاركة النوباتيين مع البيزنطيين في حربهم للمسلمين وهو الأمر الذي لم يرد في المصادر المعروفة لنا ولم يفترضه مصطفى محمد مسعد.
كما حاول بتلر أن يجد تفسيراً لورود اسم النوبة في معاهدة أهل مصر فذكر أن المسلمين عند دخولهم مصر كانوا يعتقدون أن النوبة جزء من مصر، ولذلك ضمنوهم في الاتفاق. ولا أرى أن ذلك مقبولاً لأن المسلمين كانوا حريصين على دقة بنود معاهداتهم، ولا أعتقد أن المسلمين يقعون في مثل هذا الخطأ الكبير فيضيفون قوما لا وجود لهم داخل مصر في نطاق الاتفاقية، بالاضافة إلي أن مصر لم تكن غريبة تماماً على المسلمين. ويظل السؤال قائماً من هم النوبة في اتفاقية عمرو بن العاص مع أهل مصر؟
الفئة الثالثة النوبة الذين لم يدخلوا في الصلح
نص البند رقم 5 في صلح أهل مصر أن من أبى الدخول في هذا الصلح من النوبة والروم «واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه» أي يخرج إلى حيث يجد الأمان. وأضاف البند «أو يخرج عن سلطاننا» إي يخرج عن حدود سلطة المسلمين، ويعني ذلك يخرخ خارج حدود مصر. فالنوبه هنا عوملوا نفس معاملة الروم، واعتبروا أجانب في أرض مصر وعليهم الخروج ولابد أن خروجهم سيكون إلى مملكة نوباتيا.
وإذا ألقينا نظرة عامة إلى وضع النوبة في صلح عمرو بن العاص لأهل مصر نجد أنه من الصعب الخروج بخاتمة واضحة. فالبند رقم 2 يخاطب النوبة بصورة عامة أن لا يساكنوا المصريين، ثم يأتي البند رقم 4 ويخاطب من دخل من النوبة في الصلح ويعطيهم حقوقاً مساوية للمصريين «له مثل ما لهم وعليه مثا ما عليهم» ولكن البندين رقمي 7 و8 يحملان ما يرجح أن هؤلاء النوبة الذين عوملوا معاملة المصريين غير مستقرين داخل حدود مصر الأمر الذي يجعل فهم وضع النوبة من قبل الصلح صعباً. والوضع الواضح هو من لم يدخل في صلح النوبة فعليه مغادرة الأراضي ال?صرية. فوضع النوبة في صلح عمرو بن العاص لأهل مصر بفئاتهم الثلاث يحتاج إلى المزيد من الدراسة والبحث.
تنبيه
* تنشر هذه الموضوعات على موقع sudanile,com
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.