مما بات معروفا أن دولة ماليزيا نموذج للدول التي استفادت وتستفيد من تجارب الآخرين لتطوير اقتصادياتها ومجتمعاتها المحلية الحافلة بالتنوع، داومت على هذا النهج حتى أصبحت في مصاف الدول المتقدمة، ولنقترب من هذه التجربة التقينا بالأستاذ عبد المتعال محمد عبد الرحمن الصحفي السابق والمحلل السياسي ورجل الأعمال الحالي في دولة ماليزيا التي هاجر إليها منذ أوائل التسعينيات لنيل العلم ومن ثم انخرط في العمل التجاري مؤسسا مركز انوفيشون العالمي للتدريب وشركتي السوداني للخدمات السياحية والتعليمية وبيوند للخدمات العلاجية وكل?ا مقرها ماليزيا لإلقاء بعض الضوء من خلال تجربته هناك: { سألناه في البداية عن أنشطته هناك، كيف بدأت وماذا تقدم من خدمات..؟ - الفكرة جاءت بعد أن بدأت تتنامى العلاقات السودانية الماليزية منذ فتح سفارتها في عام 1990 ومن ثم زيارة الرئيس عمر البشير برفقة وفد رفيع المستوى إلى ماليزيا عام 1991 وتوقيع اتفاقيات تجارية كبيرة للتعاون التجاري بين البلدين مما ساهم في انتعاش التبادل التجاري ودخول كبرى الشركات الماليزية مثل شركة بتروناس، وكان لابد من دخول الدبلوماسية الشعبية للمساهمة لدفع عجلة التقدم والاستفادة من التجربة الماليزية عبر إنشاء مركز للتدريب والذي يعتبر عاملا مهما لمواكبة التطور العلمي والتكنولوجي الذي يحدث في العالم في كافة ال?جالات ،وكذلك تقديم الخدمات السياحية والتعليمية والتجارية للجانبين السوداني والماليزي والدول العربية وتقديم خدمات الترجمة وغيرها، وقمنا بعمل علاقات كبيرة مع عدد من الجهات والمؤسسات التعليمية والاقتصادية والإعلامية ورجال الأعمال الماليزيين مما ساعد في تبصير ومعرفة الماليزيين بالسودان .... { ما أبرز ما قمتم بها خلال الفترة الماضية ..؟ -لقد دربنا عدداً يتجاوز ال 500 شخص في مجالات متعددة تتمثل في دورات للقيادات العليا وفى المجالات الهندسية والتقنية واللغة الانجليزية وغيرها، ومن الجهات التي قمنا بتدريبها هيئة الإذاعة والتلفزيون السوداني حيث ساهمنا في رفع قدراتهم والاستفادة من التجربة الماليزية ، وقمنا بترتيب زيارات ميدانية لهم ولقائهم بنظرائهم من الماليزيين لتبادل الخبرات وكذلك دورات في مجال تقنية المعلومات لبعض الخريجين من الجامعات السودانية وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية وورش عمل حول الانتخابات النيابية للسودانيين ومفوضي? الانتخابات العراقية للاستفادة من التجربة الماليزية وكذلك شاركت شخصيات منها وزير الانتخابات العراقي وأعضاء من المفوضية العليا للانتخابات العراقية وكذلك من السودان شرفنا عدد من رموز الأحزاب السياسية منهم الدكتور بونا ملوال والسيدة مريم الصادق والأستاذة سناء حمد في ورشة عمل كانت ناجحة ، حيث شارك فيها عدد كبير من المشاركين وخبراء من دولة ماليزيا ودول أخرى والسفارة السودانية والجالية السودانية بماليزيا.. { من خلال وجودكم في ماليزيا ما هي أهم العوامل التي ساعدت في تحقيق النهضة التي تشهدها ماليزيا؟ كانت الطفرة الماليزية كبيرة خلال ال30 عاما الماضية وبصورة مذهلة لم تكن هنالك أسواق كبيرة وسبل المواصلات كانت عادية وغير مكيفة ولكن بفضل ذكاء رئيس وزرائها الدكتور محاضير محمد والذي كان من أسباب سر نجاحه جلب المستثمرين الأجانب وتهيئة المناخ لهم وخلق جو من الاستقرار السياسي والتعايش الديني الذي ليس له مثيل في العالم ومحاربة النعرة العنصرية بين أبناء الشعب الماليزي الذي يتكون من ثلاثة أعراق الملايو المسلمين أصحاب البلد الأصليين والصينيين والهنود الذين جاء بهم الاستعمار وأصبحوا بعد ذلك مواطنين ماليزيين.. { كيف هو حال الخدمات المقدمة للمواطن في ماليزيا مقارنة بالسودان ..؟ ليس هنالك مقارنة فالمواطن الماليزي يتمتع بمزايا كبيرة أولا التعليم مجاني حيت تضع الدولة ميزانية مقدرة للتعليم تفوق ميزانبة الدفاع ثانيا العلاج المجاني .. وأذكر مثال لذلك أنا متزوج بماليزية وسودانية أيضا حصل أن احد أقرباء زوجتي أختها الماليزية لديها طفل في عمر أقل من 4 شهور وهى تقطن في ولاية ترنقانوا تبعد من العاصمة 400 كيلو 5 ساعات تقريبا بالبر عندها مشكلة في القلب وبدت الحالة خطرة ومستعجلة وكان لابد من نقلها إلى مستشفى القلب بالعاصمة كولالمبور في الحال .. حيث تم نقلها بطائرة خاصة مجانا على حساب الدول? لتلقى العلاج وإسعافها .ومن هنا قارن ، أنا استمعت إلى برنامج صحتك بالتلفزيون القومي قبل أيام كان الحديث عن أمراض القلب عند الأطفال وأشاروا إلى أن هنالك 60 حالة خطرة تحتاج إلى عمليات مستعجلة ولكن لظروف مادية أصبحوا على أعتاب الموت . وأنا أتساءل أين تذهب أموال الكهرباء والبترول والاتصالات والضرائب بالمليارات لماذا لايخصصوا منها جزءً يسيراً لمقابلة مثل هذه الحالات الطارئة أنها مسألة حياة أو موت .. أما الأشياء الأخرى مثل المواد التموينية الأساسية مثل الأرز والسكر والزيت واللحوم وغيرها مدعومة من قبل الدولة ل? يستطيع التجار التلاعب بها ...لابد من تدخل الدولة لحماية الموطن السوداني من جشع التجار .. ولابد من التساهل في جمع الجبايات المتنوعة التي يعانى منها المنتج والتاجر .. { ما هي خططكم المستقبلية في ما يتعلق بالعودة إلى السودان وإفادته من تجربتكم هناك؟ الآن نحن بصدد الاندماج فى الهم السوداني وفى المرحلة القادمة وبناءا على توجيهات النائب الأول الأستاذ على عثمان بالاهتمام بمسألة التمويل الأصغر والذي اعتقد أنه خطوة جيدة للخروج من دائرة الفقر والاتجاه الى تنمية قدرات الأفراد لكي تساهم فى نهضة الاقتصاد ورفع مستوى دخل الفرد ومحاربة البطالة . السودان بلد زراعي ولو سخرنا هذه الأرض لوجدنا فيها خيرا كثيرا والاتجاه الى الأراضي الزراعية المتاخمة على خط النيل لوفرة المياه وغير المستغلة وتمليكها للشباب أو مجموعات شبابية بتمويل من البنك الزراعي ومشاركة البنوك ?لنرى ماذا سيفعلون ... بدلا من أن تبقى بورا . نحن بصدد عقد ملتقى التمويل الأصغر بالسودان حيث أبدى مركز دراسات الإسلام والعالم المعاصر تعاونا معنا فى هذا المجال وسوف يكون في 21 يناير المقبل في السودان بمشاركة خبراء من ماليزيا واندونيسيا وبنغلاديش وسلطنة عمان والسودان كما أن هنالك اتجاه بمشاركين من سلطنة عمان وذلك للاستفادة من تجارب تلك الدول. وسيركز الملتقى على التطبيقات العملية لوضع الأسس والاستراتيجيات التي تضمن تمويلاً أصغرَ ناجحاً للشباب بالمشاركة والتعاون لنجاح المشروع والمتابعة من بعدها، لضمان مشاري? ناجحة تعود بالنفع لهم وللسودان والدعوة مفتوحة لكافة البنوك العاملة في هذا المجال والمنظمات والأفراد والمهتمين بعملية التمويل الأصغر وما نهضت الدول العظمى إلا بالتمويل الأصغر حيث ساهمت بأكثر من 50% من الناتج القومي لتلك الدول . { فى مجال السياحة ما هي خططكم باعتباركم تعملون أيضا في هذا المجال في الخارج ؟ - حقيقة مجال السياحة في السودان يحتاج إلى ثورة . ابتداءً بتبصير السودانيين والعالم من حولنا بإمكانيات السودان السياحية التي لايعرف عنها حتى السودانيين الكثير .. والعمل على جلب المستثمرين في هذا المجال الخصب. نحن في السودان لدينا إمكانيات سياحية هائلة ولكنها غير مستثمرة ، في ماليزيا مثلا تعتبر السياحة واحدة من مصادر الدخل القومي الأساسية وتسخر لها الدولة كافة الإمكانيات لتطويرها حتى أصبحت تستقبل أكثر من 23 مليون سائح سنويا هذا الكم من السواح إضافة إلى مساهمته في إنعاش الاقتصاد والسوق ساهم في حل مشكلة البطا?ة وإيجاد فرص عمل للماليزيين والأجانب بنسبة كبيرة ..نحن نحاول تشجيع السياحة في السودان ولكن ليس لدينا المعلومات الكافية والمطبوعات وسبل الدعاية الكافية .. وأنا أدعو الدولة عبر وزارة السياحة لتبنى عمل مؤتمر عام لكل السودانيين العاملين في الخارج فى مجال السياحة في السودان لوضع تصور للنهوض بقطاع السياحة في السودان وجلب المستثمرين والسواح إلى السودان وتقديم كافة ما يلزم للقيام بهذا الدور لأنهم هم قريبون للعالم الخارجي ، وأرجو من سفارات السودان التعاون مع القطاع الخاص من السودانيين رجال الأعمال بالخارج بدلا?من محاربتهم والتضييق عليهم كما يحصل في بعض السفارات .. لابد من التعاون المشترك من أجل السودان وليس المنافع الشخصية والمكاسب ولأنهم يمثلون الدبلوماسية الشعبية ويستطيعون القيام بأشياء لاتستطيع السفارات القيام بها .. وإشراكنا في هموم الوطن وستجدون خيرا إن شاء الله بغض النظر عن الميول السياسية الضيقة فالوطن أكبر منا جميعا ...