في خطوة مفاجئة أقرت أصوات برلمانية بتقصير الهيئة التشريعية في الرقابة على أوضاع حقوق الإنسان بالبلاد قبل ان تستعجل الحكومة لتشكيل مفوضية لحقوق الانسان لسد الباب امام زرائع التدخل الخارجي ، واعتبرت تلك الاصوات التباطؤ في انشاء المفوضية ثغرة تسللت منها الوصاية الدولية على السودان. وطالبت تلك الاصوات البرلمان بحسب صلاحياته بتكوين المفوضية للتنسيق مع الجهاز التنفيذي قبل ان تحذرها من عدم الركون للتحويل من بند الى بند (في اشارة الى تغيير مهمة الخبير الدولي لحقوق الإنسان ) وشددت الاصوات البرلمانية على ضرورة ?فعيل آليات حقوق الانسان الوطنية للابتعاد بالبلاد عن التدخل الاجنبي والعدالة الانتقائية ونادت بازالة التقاطعات من القوانين لاغلاق المنافذ الخاصة بقضية حقوق الانسان، ولكن الخطوة المفاجئة التي صدرت من البرلمان ووجهت بحذر وتشكيك من قبل المراقبين الذين وصفوا الخطوة بأنها محاولة لايهام المجتمع الدولي بوجود اجهزة وطنية تراقب حقوق الانسان لان سجل الحكومة كان ومازال يعج بالانتهاكات الصارخة في تلك الحقوق. والمفوضية التي كان من المفترض تشكليها قبل ثلاثة سنوات نصت عليها اتفاقية السلام الشامل لعام 2005 ، و كان ينبغي ان تكون حجر الزواية لاحترام وصيانة وتعزيز ومراقبة حقوق الانسان الا ان شريكي نيفاشا تجاهلاها وظلا يتاجران بها خدمة لاجندتهما الحزبية والآن فقط تصاعدت اصوات من البرلمان تطالب بتكوين المفوضية القومية لحقوق الانسان التي تم فعلياً اجازة قانونها في مايو 2008 وحسب محللين فان موقف البرلمان يقرأ في ضوء قرار مجلس حقوق الانسان الذي حول مهمة مقرر حقوق الانسان الدولي من البند الرابع الى العاشر والذي اعتبرته?الحكومة انتصارا كبيرا وضربة موجعة للمعارضة في وقت حذر فيه رئيس كتلة المعارضة بالبرلمان اسماعيل فضل الحكومة من الاحتفاء بتحويل مهام الخبير الانساني مؤكدا ان السودان مايزال تحت الوصاية الدولية وشدد على ان البلاد في ازمة حقيقية وطالب باتخاذ خطوات جادة فيما يتعلق بحقوق الانسان بالبلاد. واعتبر زميله حبيب مختوم ان ماتعيشه البلاد من حصار وضغوط وجيوش دولية جاءت نتيجة لان السودان لم ينشط في حقوق الانسان والقانون الدولي اما محمد حامد البلة فقد طالب البرلمان بادارة حوار مسؤول مع المنظمات والاحزاب السياسية التي تتهم ?العمالة واوضح «علينا ان لانكتفي بالقاء اللوم والاتهامات على المعارضة «قبل ان يشدد على ضرورة ازالة التقاطعات من القوانين لاغلاق المنافذ الخاصة بقضية حقوق الانسان واستشهد بقانون الصحافة الذي اكد انه لايحمل مواداً تتحدث عن اغلاق او مصادرة الصحف التي تطبق فيها تلك العقوبات عبر قوانين اخرى. مطالب انشاء المفوضية رفعت سقف تفاؤل منظمات المجتمع المدني العاملة في حقوق الانسان لانها رأت في تكوينها استجابة لمتطلبات البناء الدستوري والمؤسسي، ونهوضاً بواجب التحول الديموقراطي وترقية لحالة حقوق الإنسان بالبلاد وتوسيع دائرة التشاور على المستوى الوطني ، وأمنت المنظمات في بيان سابق لها على ضرورة التقيد بالمعايير المتفق عليها دولياً والالتزام باشاعة مبادئ الشراكة والشفافية والتشاور في اختيار اعضاء المفوضية وذلك لتيسير نجاح المفوضية في انفاذ ولايتها، فضلاً عن ضمان تصدي اعضائها لمهامهم بكفاءة ومهنية وشجاعة ?اقتداروذلك بالتأكيد على معايير الاختيار الواردة في قانون إنشاء المفوضية القومية لحقوق الانسان، ولا سيما ضمان تمثيل المجتمع المدني والمرأة في تشكيل المفوضية القومية على أن يتم الاتفاق على آلية أو طريقة عادلة وموضوعية لاختيار المرشحين لعضويتها مع الحرص بالعمل على إنشاء مفوضية تلقى القبول والإعتراف من قبل الجميع على المستوى الوطنى، الإقليمى والدولى من خلال إجراءات تعيين مقبولة ومعمول بها حتى تتمكن من أداء مهامها بفعالية . في مقابل ذلك شكك خبراء القانون الدولي في قدرة المفوضية حال تكوينها في اداء عملها الرقابي بدقة لاسيما في ظل استمرار الاعتقالات السياسية بدون محاكمات واغلاق مقار الصحف ومحاكمة الصحفيين وتوقعوا ان تكون المفوضية مجرد بوق مدافع للحكومة واشترطوا جملة عوامل للقيام بالدور بشكل فاعل واعتبر المحامي نبيل اديب تأخر تشكيل المفوضية لعدم رغبة الحكومة في وقف ماكان سائداً من انتهاكات في القوانين التي رفضت تعديلها او عدلتها بشكل لايلبي احتياجات تكريس حقوق الانسان في الفترة الانتقالية، واكد اديب ان مفوضية حقوق الانسان ليس ?قط تلبية لاستحقاقات الدستور بل تعتبر جزءا لايتجزأ من استحقاقات النظام الديمقراطي وفقا لمبادئ باريس في انشاء المفوضيات الوطنية وقال اديب «ان تجاربنا مع الحكومة غير مبشرة» مستشهدا بمجلس الصحافة الذي يفترض ان يكون مستقلا ويعمل على حماية حرية الصحافة وحقوق الصحفيين غير ان الواقع ليس كذلك. وذكر اديب عدداً من الشروط ينبغي توفرها في المفوضية منها قانون لتكوين المفوضية لتحديد واجباتها وسلطاتها وصلاحيتها ثم الاستقلالية التامة عن اي جهاز حكومي و استقلالية اعضائها وحياديتهم ومنحها صلاحيات واسعة تمكنها من التفتيش وال?طلاع على ملفات المعتقلين ومراقبة ماتقوم به الاجهزة الامنية بجانب إعداد تقارير عن الحالة الوطنية لحقوق الإنسان في البلاد بوجه عام و استرعاء نظر الحكومة إلى حالات انتهاك حقوق الإنسان في أي جزء من البلاد وتقديم مقترحات تتعلق بمبادرات رامية إلى وضع حد تلك الحالات وإبداء الرأي بشأن موقف الحكومة وردود فعلها ، كما تمنح صلاحيات لفتح البلاغات في حال اكتشاف جريمة ماسة بحقوق الانسان ضد مرتكبيها بجانب صلاحية ابتدار مقترحات للقوانين السائدة التي ترى انها منتهكة لحقوق الانسان كقانون الامن والصحافة والاجراءات الجنائية ?القانون الجنائي، كما تعمل على تثقيف الاجهزة المختصة بتطبيق القانون لاسيما الجهات المنفذة له. وقال اديب في حال غياب هذه الاشتراطات تصبح المفوضية مجرد بوق مدافع عن الحكومة مثلها مثل المجلس الاستشاري لحقوق الانسان الذي لايلبي متطلبات المستوى الدولي لذلك لايتم التعامل معه ،مشيرا الى ان المفوضية بهذا الشكل لن تستطيع الوقوف في وجه تدخلات المجتمع الدولي لان دوله «ليست عميانة ولابليدة» واعتبر الخبير في القانون الدولي صالح محمود ان انشاء المفوضية في فترة مبكرة من الفترة الانتقالية المنصرمة مع مفوضيات اخرى ووثيقة الحقوق كان الغرض منها المساهمة في العمل الديمقراطي وان تلعب دورا في تعزيز واحترام حقوق الانسان المنصوص عليها في وثيقة الحقوق في الدستور، الا ان شريكي نيفاشا عرقلا التحول الديمقراطي وقضايا الحريات وافساح المجال امام التحول الديمقراطي وازالة القوانين المقيدة للحريات ،وقال صالح ان قانون المفوضية تمت اجازته متزامنا مع تراجع الإلتزام بنصوص الدستور وتزامن مع اجازة قانوني الامن والقوا? المسلحة والاجراءات الجنائية برغم انه قريب جدا من المعايير الدولية . وابدى صالح خشيته في ظل وجود القوانين المقيدة للحريات والمتعارضة مع نصوص الدستور ووجودها في مناخ غير ملائم للحريات ان تكون المفوضية مجرد لافتة ديكورية ليس إلاَّ. وقال صالح ان توصيات البرلمان تقرأ في ضوء قرار مجلس حقوق الانسان بشأن احتياج السودان الى مساعدات فنية واعتبر صالح في حال خلصت النوايا فان المفوضية تعتبر خطوة ايجابية في اطار التعاون بين الحكومة والمجتمع الدولي في ملف حقوق الانسان لسد الثغرات بشرط اتخاذ خطوات حقيقية وازالة التعارض بين القوانين والدستور ووثيقة الحقوق على ان تراعي فيها الاستقلالية والحياد والشفافية وان تعمل كهيئة استشارية بصلاحيات واسعة تمكنها من اصدار طلبات لوقف الضالعين في الانتهاكات والامتثال للتحقيق واصدار التوصيات، واردف صالح بدون ذلك س?كون عبارة عن ذراع تابع للجهاز التنفيذي. وحمل القيادي بالمؤتمر الشعبي كمال عمر رئيس الجمهورية مسئولية تأخير انشاء المفوضية معتبرها واحدة من اشكالات الدستور لجهة انه لاتوجد جهة تراقب الرئيس فهو يملك صلاحية انشاء تلك المؤسسات وله الحق في حلها وحل المؤسسات الدستورية متى شاء، واعتبر عمر خطوة البرلمان بانها متعلقة بنشوة انتصار تغيير مهمة الخبير الدولي لحقوق الانسان ومحاولة لايهام المجتمع الدولي بوجود مؤسسات واجهزة تراقب الانتهاكات. وحذر عمر من التفاؤل حيال قيام المفوضية نظرا لبنية الاشكالات التي تحيط بالبنية القانونية للحكومة كالقضاء غير المستقل وا?برلمان الذي يتبع للسلطة التنفيذية. واشار عمر الى ان المناخ ليس به ضمان لعمل المفوضية بصورة دقيقة مؤكداً ان ازمة حقوق الانسان ستظل موجودة ولن يتم تعافيها الا في ظل مناخ ديمقراطي وحريات مستدامة، مشيرا الى ان الحديث عن المفوضية لاقيمة له وليس سوى فرقعة اعلامية لايهام المجتمع الدولي بوجود اصلاحات في حقوق الإنسان.