تعتبر منطقة القرن الأفريقي من المناطق الاستراتيجية ليست في أفريقيا وحدها بل في خارطة الكرة الأرضية، وذلك منذ أزمان بعيدة في التاريخ، وتضم المنطقة دول (إثيوبيا، الصومال، جيبوتي، اريتريا، والسودان بخارطته القديمة). وظلت العلاقات السودانية الإثيوبية هى العلاقة الابرز والاعرق فى سلسلة التفاعلات بين سكان المنطقة ، حيث كان اسم السودان نفسه يطلق وقتها رقعة جغرافية تشمل الحبشة ودول غرب أفريقيا،ويعتبر امتداد الحدود بين الدولتين أطول حدود للسودان مع دولة جارة. حيث كانت الحدود المشتركة تبدأ بالقرب من حدود السودان وك?نيا بالجنوب،قبل الانفصال، لتصل الى اقصى الشرق في ولاية كسلا، وقد تميزت العلاقات المشتركة بالتداخل الشديد،وهو ما قد يبرر التطور الملحوظ فى العلاقات بين البلدين. ويبدو دور السودان واضحاً في التأثير على مجريات الأحداث فى الدولة الجارة منذ عهد الامبراطور هيلاسلاسي الذي حارب وانتصر على الجيوش الإيطالية انطلاقاً من السودان مروراً بالحركات التحررية الاريترية والاثيوبية التي انطلقت من الاراضي السودانية لاسقاط حكم منقستو واستقلال ارتريا. وبحسب مراقبين فإن العلاقات السودانية الاثيوبية قد شهدت تطوراً ملحوظاً بعد إنشاء منظمة الإيقاد التي ضمت دول مجموعة القرن الأفريقي بغرض إيجاد أرضية للتكامل الاقتصادي والسياسي، بخاصة بعد أن شهدت المنطقة ارتفاعا في حدة الصراعات بين كل من (الصومال، إثيوبيا) (اثيوبيا، ارتريا) و(صراع الجنرالات في الصومال) (الصومال، كينيا) و(صراع الحدود بين السودان وإثيوبيا) بجانب نزاع السودان وكينيا، حيث يرى صديق حسن فريني رئيس الدبلوماسية الشعبية السودانية الإثيوبية إلى أن تطور العلاقة بين البلدين وصل إلى أفضل حالاته من خلال ال?هود المتبادلة في دعم الاستقرار بين البلدين في ظل التنسيق السياسي بينهما حتى أصبحت لغة المصالح تطغى على غيرها، حيث بدأت أدوار إثيوبيا في الخروج الى العلن منذ مفاوضات نيفاشا ، وانها تحاول الآن مواصلة هذا الدور بعد إندلاع النزاع المسلح في جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب دورها المحوري في الاتحاد الأفريقي باعتبارها دولة المقر وتحظى بدعم اقليمي ودولي في ظل سعيها للحفاظ على المكاسب الاقتصادية مع السودان عبر الميناء والبترول والسلع والأيدي العاملة، وأبان فريني أن اثيوبيا تسعى لتفادي انتقال الصراع في المناطق الحد?دية باستبعاد الحركات والمجموعات المناوئة للحكومة الاثيوبية حيث تمثل مهدداً أمنياً خطيراً وزاد: دفع اثيوبيا لقوات حفظ السلام في أبيي يؤكد رغبتها في الاضطلاع بدور الوسيط في جنوب السودان في ظل التحرك الإيجابي لقضايا السودان مما حفز الدولة والحزب الحاكم لزيادة التعاون مع إثيوبيا في القضايا السياسية المختلفة سواء كانت اقليمية او أفريقية وتأجيل أي نزاع بينهما والعمل على استخدام المياه واستمرارية اتفاقية (عنتبي يوغندا)، فيما كان موقف ملس زناوي فى المقابل واضحاً وهو يوضح لمالك عقار حرصه كرئيس لوزراء إثيوبيا على مص?لح شعبه ودولته، وتأكيده للرجل انه لن يخسر الحكومة السودانية، بل انه يعمل لإيجاد فرص للسلام. ويرى فريني بان المحور الاقتصادي من أقوى حلقات الدولتين تاريخياً لمنافعه العظيمة خاصة لدى اثيوبيا لضيق المساحات الزراعية وانعدام وجود مصادر اقتصادية واستراتيجية سوى المياه، وهذا ما تبرزه تصريحات لوزير خارجيتها الأسبق بأن أهم صادرات إثيوبيا (الماء) . وتأتي أهمية ولاية القضارف بالنسبة لإثيوبيا كأكبر منتج للذرة وهو السلعة الغذائية الرئيسية علاوة على دخول البترول والسلع الضرورية لاثيوبيا عبر الطريق القومي القضارف دوكة القلابات، وخصصت ولاية القضارف تسهيلات واسعة لاستخدام الميناء الجاف لصادرات الموارد الاثيوبية فضلاً عن الدور الكبير الذي تلعبه العملة الإثيوبية في العمليات الزراعية التي أصبحت بديلاً مهماً بعد انفصال الجنوب مؤخراً، وأشار فريني الي أن الدور الذي لعبته الطرق التي تربط الدولتين لتسهيل التجارة الدولية عبر الموانئ السودانية بعد استقلال ارتريا وبق?ء اثيوبيا دولة بلا موانئ، حيث أصبح النشاط التجاري بين البلدين مزدهراً من خلال الحراك الرسمي والشعبي و قد لعبت اثيوبيا دوراً في تخفيف أعباء المعيشة وكبح جماح الأسعار بتوفير الأبقار والمنتجات الغابية والخضروات حيث اتجه بعض المستثمرين السودانيين للاستثمار في تجارة اللحوم في اثيوبيا. ويرى الدكتور محمد المعتصم استاذ المناهج بجامعة القضارف بأن العلاقات السودانية الاثيوبية امتحنت على مدى قرون من التاريخ البعيد والحديث، وانها عبرت رغم ذلك بنجاح للأمان بعد أن عزز علاقة الشعبين التبادل عبر ولاية القضارف والاقاليم ال?جاورة الأمهرا والتقراي، واشار الى ان العلاقة ظلت راسخة في كل اوقات التوتر في التاريخ الحديث،وقال المعتصم بأن هذه العلاقة المتينة تجسدت بين البلدين اثناء الحرب الأهلية،حيث وجد الإثيوبيون الملاذات الآمنة عبر استقبالهم في ولاية القضارف،لافتا الى ان من هؤلاء القادة الذين يجلسون في مقاعد السلطة الآن فى اديس ،بعد استعادتهم حريتهم.وطالب المعتصم الدولة بالحفاظ على العلاقة مع إثيوبيا لأنها السند الوحيد لها خلال الأزمات، مؤمنا على ضرورة دعم النشاط الاقتصادي والتبادل الاجتماعي معها. ويواصل على ذات الطريق العقيد معاش عبد الواحد بابكر الملحق العسكري السابق بالسفارة السودانية باديس أبابا ورئيس لجنة تنمية ومراقبة الحدود بين البلدين، حيث يؤكد بأن العلاقة بين البلدين ظلت في حالة استقرار متنامٍ بعد ان تم ربطها بالمصالح المشتركة اقتصادياً واجتماعياً،واتفاق الدولتين على ترسيم الحدود عبر اتفاقية (ميجر جوين) والتي تعززت في عهد الانقاذ عبر «بروتوكول غندر» بحضور وزيري الداخلية السوداني والاثيوبي، واتخاذ قرار بتوفيق أوضاع المزارعين لتستمر العلاقة بينهما،واستمرار تجارة الحدود في كل المناطق الحدودية ?داية من نهر سيتيت الذي يفصل بين اثيوبيا وارتريا. و اشار العقيد عبد الواحد إلى أن الشعب الإثيوبي هو الاقرب الى الشعب السوداني من كل شعوب القارة الافريقية وان هذا الامر هو مما أدى إلى تأطير العلاقة عبر المعارض التجارية والدبلوماسية الشعبية والتواجد السوداني الكبير في المدن الإثيوبية، وطالب عبد الواحد بضرورة تفعيل البروتوكول المتفق عليه بين الدولتين في المجال الدبلوماسي والسياسي والأمني حتى يتم وضع الخطوات الرسمية والفنية لإعادة ترسيم الحدود فى موضع التنفيذ، بعد أن رفعت اللجنة المختصة من الطرفين قرارها حول ?عادة ترسيم الحدود، وان البت فيه في انتظار الإرادة السياسية بين الدولتين. لكنه اشار الى ان الامر الذي ظل يتأثر بالوضع السياسي الاثيوبي وما يجري داخل الدولتين ليصبح هذا الملف عالقاً. ويقول احمد أبشر وهو أحد المهتمين بالملف السوداني الاثيوبي إن الشعب الإثيوبي أقرب للسودانيين من غيرهم، موضحا تشابه الكثير من العادات والتقاليد على الجانبين، وطالب أبشر بدوره بتوفر الإرادة السياسية لدعم هذه العلاقة حتى تكون نموذجاً للعمل المشترك بعد نجاح الدبلوماسية الشعبية خاصة في المناطق الحدودية، ورأى احمد ابشر ان من اليسير تجاوز أزمة الحدود بالرجوع إلى اتفاقية (خط دوين) 1902م ،بجانب تنمية الشريط الحدودي مطالباً الدولة بالاهتمام بتلك المناطق وقيام المشاريع المشتركة بين الدولتين ،واقترح أبشر أن يكون الت?امل الاقتصادي الاثيوبي السوداني بداية بالتركيز على الانتاج الزراعي والحيواني والطاقة الكهربائية لتحقيق الفائدة بين البلدين، وزاد : إذا توفرت الارادة السياسية في الدولتين ستصبح العلاقة نموذجاً لدول العالم.