حاجة فاطمة تحب اكرام أبنائها بوجبات لا تخلو من اللحوم، فهي تعتقد أن اللحمة خاصة للأطفال تقوي «العضم» وتشد «الحيل».. لم تستطع مجابهة غلاء السلعة المحببة لها، وعندما أعلن مجلس تشريعي ولاية الخرطوم الاضراب عن شراء اللحوم لضبط السعر على ما كان عليه «14» جنيهاً، فرحت جداً ونزل السعر مؤقتاً، لتتفاجأ ويتفاجئ الشعب السوداني بارتفاع السعر مرة أخرى دون معرفة الأسباب الحقيقية!! وعندما قرأ لها حفيدها تصريح وزير الثروة الحيوانية والسمكية الذي تفاخر به في مصر «بأن صادرات اللحوم والماشية لا تؤثر مطلقاً على الاستهلاك المح?ي قائلاً إن نسبة الصادر لم تتجاوز 5% من جملة تعداد الثروة الحيوانية المتوافر للصادر» اندهشت حاجة «فاطمة»، وقررت نقل الحوار إلى الجزار الذي تتعامل معه وإقناعه ببيع كيلو اللحمة البقري «14» جنيهاً، وعندما أصرَّ الجزار قائلاً: ٭ يا حاجة ما توجعي رأسي اللحمة غالية من مصدرها. أجي يا ولدي الوزير قال.. لم تكمل جملتها حيث رد الجزار قائلاً: ٭ الوزير يقول زي ما هو عاوز بس احنا بنشتري المواشي غالية. سكتت أمام الناس ولم تعرف ماذا تقول. دار حديث مع نفسها: يا ربي الجزار ده مستهبل ولا هو أعلى من الوزير؟! الحاكم البلد دي منو التجار ولا....؟!! استغفر الله. رجعت الحاجة إلى المنزل والأفكار تتعرج وتدور مكونة استفهامات فقط دون إجابة، فهل من مجيب يا مجلس تشريعي الخرطوم ووالي ولاية الخرطوم؟! انتهاج الاقتصاد الحر دون ضوابط كما يحدث الآن، أضعف قبضة الدولة في ضبط الأسعار. واقتصاد السوق الحر يتطلب تدخل الدولة عند الضرورة القصوى، وأعتقد أن ما يحدث فاق الضرورة القصوى. وكما يسمح كذلك بالمنافسة الحرة وتحرير الأسعار من القيود، يسمح للدولة بالحق في امتلاك شركات ومنتجات معينة لضبط السوق، لذلك تستطيع الدولة التحكم في السلع الأساسية وفتح منافذ للبيع، وبالتالي تعمل على تثبيت الأسعار ومحاربة جشع التجار.. ألا يمكن لوزارة الثروة الحيوانية أو ولاية الخرطوم تبني ذلك؟! إن التوازن السياسي يجب أن يتجنب الفوضى التي يغذيها الجوع والإحباط وعدم ثقة الشعب في الحكومة، فالفقر أسوأ استثمار ومخاطره تطيح بالمجتمع السوداني.