سبق لي أن نشرت بصحيفة "السوداني" الغراء بتاريخ 2010/12/19م مقالا عن احياء محلية الرهد ابو دكنة بشمال كردفان تجربة المدارس الصغرى (ثلاث سنوات) التي الغيت في العام 1970م عند الهياج المايوي الشمولي وسلمه التعليمي المنقول بحرفية عمياء عن التجربة التعليمية المصرية.. أحيت محلية الرهد نظام المدارس الصغرى باسلوب مبتكر وهو (الفصول الأقمار) التي تدور حول مدرسة الاساس بالقرى الكبرى، من اهم دوافع إحياء هذه التجربة وهذا النوع من التعليم الانتقالي ان المعنيين هناك والمهمومين بأمر التعليم قد وجدوا ان المجتمعات الريفية التي تقبع في هامش الهوامش ماتزال محتاجة لمثل هذا النوع من ا?تعليم.. فالقرى الصغيرة ما تزال مبعثرة ويضربها الجفاف والتصحر والفقر بعنف شديد. لتبيان أهمية وفعالية المدارس الصغرى الموؤدة ارجو ان يتابع القراء الكرام اللقاءات الاذاعية والمتلفزة مع العديدين من نجوم المجتمع حاليا من سياسيين وأطباء واستشاريين واساتذة جامعيين وفنانين كبار من امثال محمد وردي وهو القادم من ريف السكوت والمحس.. يبدأ هؤلاء جميعهم حديثهم عن نشأتهم الريفية البسيطة وكيف ان المدارس الصغرى وداخليات المدارس الاولية ذات الرأسين بعناقريبها واطعمتها المحلية من كسرة الذرة او القراصة او عصيدة الدخن مع ملاح الويكة والخضار المحلي والكجيك قد وضعتهم في الطريق الصحيح لمواصلة التعليم ومن ثم?ارتقاء سلم المجد.. من بين هؤلاء تحدث بشفافية الدكتور والسياسي المشهور غازي صلاح الدين العتباني ورغما عن انه من اسرة عاصمية عريقة الا ان والده الذي كان يعمل مفتش غيط بمشروع الجزيرة والمناقل كان يضعهم أثناء فصل الخريف باحدى داخليات المدارس ذات الرأسين حيث تجعل الامطار التحرك مستحيلا بتلك الانحاء وان كان بجرارات التراكتور. يأتي حديثنا عن المدارس المعانة، من جانب الدولة، بعد هذا الانفجار الكثيف للمدارس الخاصة جداً التي اضرت بالمجتمع وضربت النسيج القومي المتآلف في مقاتل مادية واجتماعية مروعة أدت لانفصال عرى مكونات المجتمع وانقسامه طبقياً بصورة مؤسفة بعد ان اصبحت الطبقة الوسطى في ذمة التاريخ.. فكرة المدارس المعانة التي ازدهرت في حقبتي الستينات والسبعينات كانت امتداداً متوازناً لتجربة المدارس الاهلية التي اقامها بكفاءة مؤتمر الخريجين وفروعه بمدن العاصمة والاقاليم فكانت ام درمان الاهلية الوسطى ثم مدارس عطبرة، بورتسودان، كوستي، ال?بيض، ود مدني، كريمة ودنقلا وغيرها شيدها الخيرون وأصبحت تدار بأسس غير ربحية بمصروفات في مقدور الجميع سدادها لمقابلة رواتب المعلمين الوطنيين والتسيير الضروري وبذلك تمكنت من تقليل الفاقد التربوي ورداً شافياً لاحجام المستعمر عن فتح مزيد من المدارس عقب ثورة المتعلمين في عام 1924م مما عرف بثورة اللواء الأبيض. بعد أن نالت البلاد استقلالها العام 1956م خمدت روح يوم التعليم لتفرق الأفكار والتناحر الحزبي.. من هنا جاءت فكرة المدارس المعانة لاستيعاب النمو السكاني والاقبال المتزايد بالوعي لأهمية التعليم وضرورته الحياتية والانسانية وذلك بتشجيع بعض القادرين من التربويين لبناء مدارس تنال رسوما زهيدة وتمدها الدولة بالمعلمين والاداريين لتستوعب الناجحين الذين لم تسعفهم مجاميعهم بدخول المدارس الحكومية. وفي الحلقة القادمة نضرب أمثلة لصواب هذه الفكرة عبر مدارس تلودي والنصر التي عملت بها في بداية السبعينات. عبد الرحمن مضوي صغيرون مدير سابق التعليم الثانوي - محلية القطينة