في غمرة سعي الحكومة السودانية للبحث عن مخارج سريعة وعاجلة من الأزمة الاقتصادية التى تعيشها بعد تصريحات وزير الخارجية علي كرتى التى قال فيها ان العالم لايمكنه ان يقف متفرجا على الاقتصاد السودانى وهو ينهار ، وذلك من خلال زيارات مكوكية يقوم بها النائب الاول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه الى بعض الدول المصنفة من اصدقاء السودان مثل ليبيا ومصر ، وليس اخيرا الكويت ، فقد فاجأت الصين السودان بخطة وضعتها لمساعدة السودان فى المحنة الاقتصادية التى يمر بها، وكأنما هو استجابة لنداءات وزير الخارجية. فقد كشف المبعوث ?لصينى للسودان ليو قوى جينق ، خلال الاجتماع التشاورى الرابع للمبعوثين الدوليين للسودان الذى عقد بالجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور «الاجتماع الذى تحول بقدرة قادر الى جلسة من جلسات مجلس الامن بكل تعقيداتها وتقاطع اجندتها بوجود ممثلين للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين» ، ان بلاده لن تتخلى عن السودان فى مثل هذه الظروف «الصين صديق للسودان ولن نتخلى عنه وسنعمل كل مافى وسعنا من اجل استعادة اقتصاده لعافيته» ، مضيفا ان الصين ستدعم السودان فى الوقت الحالى فى مجالات الزراعة والصناعة لمواجهة نقص ايرادات ?لدولة بعد انفصال الجنوب عنه. موضحا ان شركات صينية كبرى ستستثمر فى هذين المجالين فى القريب العاجل وان هنالك مفاوضات بدأت فى هذا الشأن متوقعا انتهاءها فى القريب العاجل. واكد جيونيغ والذى كان يتحدث الى فى باحة معسكر اليوناميد بالجنينة خلال فترة الا ستراحة من الاجتماع انه وعلى المدى البعيد ستعمل شركات بلاده الكبرى فى مجال استكشاف وتعدين النفط فى عدد من المناطق بالسودان بعد ان اثبتت الاستكشافات الاولية وجود نسبة كبيرة من النفط فى تلك المناطق ، متوقعا ان يعود السودان الى سابق عهده من الدول الرائدة فى مجال ا?نفط وصناعته. ومع هذا التعهد الصينى الواضح تجاه هذه المسألة الا ان كثيرا من التساؤلات تبرز الى السطح على شاكلة هل ان هذه التعهدات لن تتجاوز اطر الدبلوماسية المعروفة وتتحول الى واقع معاش؟ وكذلك تساؤلات متعلقة بمدى صمود الصين تجاه الضغوط التى يمكن ان تجدها من قبل الولاياتالمتحدةالامريكية التى تحاول ان تنشب فخاخا للخرطوم حتى لاتخرج من أزمتها الراهنة كما صرح علي كرتى بالذات الشهر الماضى عندما عاد من نيويورك بعد مشاركته فى اجتماعات الاممالمتحدة. والسؤال الاكثر اهمية عند كثير من المراقبين هل ستتعامل بكين بجدية اكبر فى هذ? الملف الحيوى ام تكتفى بالمواربة مثلما فعلت فى ملف المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس البشير عندما تحول الملف الى مجلس الامن ولم تستخدم الصين حق النقض «الفيتو» كما كان يأمل السودان وكما فعلت - فى سياقات اخرى - عندما استخدمت هذا الحق فى مشروعات قرارات متعلقة بسوريا الشهر الماضى وضد الرئيس الزيمبابوى روبرت موغابى فى العام 2008 . وينبرى للاجابة على هذه التساؤلات الدكتور عبد الرحيم محمد علي وهو استاذ الفكر السياسى فى عدد من الجامعات السودانية بقوله ان الصين يمكن ان تقدم طوق النجاة للسودان وتنتشله من هذه الح?لة اذا قررت ذلك فعليا وليس هنالك صعوبة فى ذلك. الا ان محمد علي يعود ويقول «للصحافة» خلال اتصال هاتفى يوم امس «لابد ان هنالك مقابلا لهذا الدعم وهذا البرنامج الاسعافى ونحن نعرف ان الصين لاتعطى لوجه الله ابدا . . فللصين امكانيات كبيرة جدا خاصة فى مجال الزراعة ويمكنها ان تستثمر فى مجال الزراعة وتجلب شركاتها وعمالتها ايضا لصالح البلدين. . ولكنى اعتقد ان على الحكومة السودانية ان تدفع فاتورة لقاء هذا الانقاذ. . ربما يكون ذلك منح امتيازات حصرية لشركات صينية للتنقيب عن النفط او الاستفادة بشكل مباشر من الشراكة?الزراعية بشكل حصرى». وتعتبر بكين احد اصدقاء الخرطوم خارج نطاق الدول العربية والاسلامية ، وتشهد العلاقة بينهما استقرارا شديدا إثر الزيارة المفاجئة التى قام بها الرئيس البشير الى بكين بالرغم من الخطورة المحتملة لهذه الزيارة فى اعقاب تهديدات اطلقها مدعى المحكمة الجنائية الدولية لويس اوكامبو التى قال فيها انه سيفعل كل ما من شأنه لاعتقال البشير. وتبدو تهديدات اوكامبو صغيرة عندما تقارن بالتبادل التجارى بين الصين والسودان وعندما نعلم ان السودان هو ثالث اكبر شريك للصين فى افريقيا بما يقارب من 9 مليارات دولار يتركز معظمها فى مجال النف? وصناعته. ويواجه السودان أزمة اقتصادية مستفحلة بعد انفصال الجنوب عنه ، وفقدانه لمليارات الدولارات من خزينته العامة بسبب فقدانه لنسبة كبيرة جدا من عائدات النفط التى ذهبت للدولة الوليدة ، والفشل فى التوصل الى اتفاق حتى الان مع حكومة جنوب السودان حول تقاسم نسبة عائدات نقل النفط من الجنوب الى الشمال. كما اضطرت وزارة المالية الى تعديل ميزانية الدولة لمرتين خلال فترة وجيزة لمواجهة الأزمة الاقتصادية ، وذلك عن طريق فرض رسوم اضافية على بعض الجمارك والضرائب لزيادة الوارادت الحكومية. ونتيجة لذلك شهدت السلع الاستهلاكية ارتفا?ا جنونيا للاسعار ، خاصة الحيوية منها مثل السكر والدقيق واللحوم ، وصل بعضها الى نسبة اكثر من 100% . الاكثر من ذلك فان محافظ بنك السودان محمد خير الزبير ، كان قد دعا الدول العربية ، وخاصة الخليجية منها الى ايداع أموال في البنك المركزي والبنوك التجارية في السودان بعد انفصال الجنوب. وقال بعد اجتماع لمحافظي البنوك المركزية العربية في العاصمة القطرية الدوحة فى منتصف الشهر الماضى انه طلب من المحافظين ايداع بعض الاحتياطيات في البنك المركزي والبنوك التجارية السودانية. وأضاف أنه لم يطلب مبلغا محددا لكن السودان?يحتاج حوالي أربعة مليارات دولار هذا العام.