بدأت يوم السبت 22 أكتوبر مداولات المؤتمر العلمي للرواية السودانية في دورته التاسعة، وكان موضوع المؤتمر النظر في الرواية السودانية بعد مرور اكثر من ستين عاما على مسيرتها، باعتبار أن رواية «تاجوج» لعثمان هاشم 8491 هي الاولى حسب رأي د. محمد زغلول سلام، واختلف معه عدد من الباحثين منهم الراحل النور عثمان أبكر، وكذلك «ب» محمد المهدي بشري. وبدأ المؤتمر بكلمة افتتاحية عن مسار الرواية السودانية للأستاذ إبراهيم اسحق الذي قدم قراءة لهذه المسيرة، وتتبعاً لما أثارته في الفضاء الثقافي، ونظراً لمآلاتها المستقبلية. وجاءت بعدها ورقة البروفيسور محمد المهدي بشرى بعنوان «الرواية السودانية في ستين عاما: المركز والهامش» الذي قال: تدرس هذه الورقة أهم ملامح الرواية السودانية طوال ستين عاما هي عمر هذا الجنس الابداعي في السودان، باعتبار أن البداية انطلقت في خمسينيات القرن الماضي، ورواد الرواية كما توضح الدراسة، ثلاثة ملكة الدار محمد وخليل عبد الله الحاج وابو بكر خالد، وكان من المهم في ورقة كهذه دراسة النقد الذي رصد وتتبع هذه المسيرة، وهذا النقد بمختلف مناهجه ومدارسه أسهم بقدر كبير في إضاءة هذه المسيرة، بل والدفع بها للإمام. ولا نحتاج للقول بصعوبة تأسيس فن روائي في ثقافة مثل الثقافة السودانية التي هي بطبيعتها وبنيتها ثقافة شعرية في المقام الأول، أي أن الشعر هو جنسها الابداعي المهيمن، اي الاول والمسيطر على ما عداه من أجناس إبداعية، وعندما ظهرت الرواية في السودان كان الشعر قد سبقها بأكثر من قرن وترسخ عميقا في تربة هذه الثقافة، وفي الواقع ليست الرواية هي فقط الوافدة حديثا، بل أن جميع الأجناس السردية لا يبلغ عمرها في السودان قرناً من الزمان، القصة القصيرة مثلا ترجع بدايتها الحقيقية والقوية الى قصص معاوية نور 9091 1491م، فقد كتب ?عاوية نور أول قصة سودانية ونشرت عام 1391م. وعلى الرغم من ان معاوية نشر ابداعه خارج السودان في الصحافة المصرية، إلا أن هذا لا يحرمه شرف ريادة إبداع القصة القصيرة السودانية. على كل لقد شقت الأجناس السردية السودانية طريقها وصارت منافسة قوية للشعر في بعض المرات من حيث الكم كما هو الحال منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا. ومن أهم ما لاحظته الورقة هو تركيز النقد الروائي على نصوص بعينها وتجاهل الكثير من النصوص، بل أن هذا التجاهل طال مجمل إبداع بعض الروائيين الذين أسهموا بنصيب وافر في اثراء الابداع الروائي في السودان، ومن هنا خلصت الورقة لما سمته بالمركز والهامش، وهو مصطلح مجازي لظاهرة تحاول الورقة معالجتها، وهي ظاهرة تولدت عن تركيز النقد الروائي على بعض الروائيين والنصوص، وبالقدر نفسه تهميش روائيين آخرين وروايات أخرى. وترصد الدراسة هذه الظاهرة بتقديم أمثلة لهؤلاء الروائيين المهمشين والروايات المهمشة، وتسعى للبحث عن جذور الظاهرة، وتخلص الورقة الى عوامل كثيرة كرست ظاهرة التهميش، منها الموضوعي ومنها الذاتي. ثم قدم الأستاذ مبارك الصادق ورقة بعنوان «الرواية السودانية وثيقة اجتماعية»، وقال ان الورقة تعني فقط بتحديد ملامح واشارات للروايات التي قسمها الى مرحلتين: مرحلة ما قبل 5591م ومرحلة ما بعد 5591م وحتى الآن، وبدأ الاستاذ مبارك الصادق بعمل مسح تمهيدي للرواية لينطلق منه إلى تلك الملامح التي تشكل وثيقة اجتماعية اهتمت بها الرواية، وتطرق إلى وضع التعليم، ونشاط المسرح وحركة الخريجين في الفترة التي سبقت كتابة رواية «تاجوج» 8491م، وكذلك دور الصحافة السودانية، وأشار إلى مرحلة البدايات التي مثلتها روايات ابو بكر خالد، ف?اد أحمد عبد العظيم، السر حسن فضل، هندي عوض الكريم، وجميع تلك الروايات لا يخطئ القارئ ضعفها الفني وادقاعها الابداعي. واشار الى تأثر أمين محمد زين بكتابات إحسان عبد القدوس، وكذلك روايات «بكاء على التابوت، حياة الدموع، من اجل ليلى» للسر حسن فضل، واشار مبارك الى تتلمذ المبدعين آنذاك على الثقافة المصرية، مشيرا بذلك الى رواية «إنهم بشر» وأنها قلدت الى حد ما رواية «زقاق المدق» لنجيب محفوظ، وكاد خليل عبد الله الحاج أن يسميها «زقاق العمايا» مشيراً الى أن التأثر بالرواية المصرية لم يقتصر على السودانيين وحدهم، مشيرا ?لى تأثير السوري حنا مينا «المصابيح الزرق». وفي مرحلة ما بعد الاستقلال غاصت أقلامهم في قضايا الزواج، إجبار الفتاة على الزواج، ونادوا بالحريات الأربع: حرية الارتباط، حرية التعليم، حرية العمل، حرية الحب، كما أنهم تناولوا غلاء المهور، وعادات المآتم ومجافاة الطبيب، والزينة للمرأة وتحكم الخرافة. وأشار مبارك الصادق الى النقلة التي احدثتها روايات الطيب صالح وإبراهيم إسحق ومحمود محمد مدني وبركة ساكن ومنصور الصويم وأمير تاج السر وغيرهم. والراصد لا تخطئ عينه ما أحدثه الطيب صالح من نقلة أو طفرة، وهي تمثل قفزة مهولة في تقنيات الكتابة. وتحدث مبارك عن محاولات محمود محمد مدني الدائبة للتجريب واستغراقه في الوصف واللغة الشعرية في روايته «الدم في نخاع الوردة». وتطرق مبارك الصادق إلى رواية «الأنهار العكرة» لعماد البليك التي ناقشت مسألة الاغتراب السالب واللا مؤسس.