الخرطوم: سارة إبراهيم عباس لثلاثة أيامٍ متتابعة، عُقد المؤتمر العلمي الثامن للرواية السودانية، الأسبوع الماضي، وقُدِّمت في المؤتمر عددٌ من الأوراق النقدية التي حاولت رصد التحولات والظواهر والتقنيات وتاريخ الرواية السودانية، حيث تحرّكت كل هذه الأوراق حول شعار المؤتمر «الرواية السودانية: ستون عاماً من السرد الروائي الجميل». وأدناه عرض موجز لبعض الأوراق التي قُدِّمت أثناء جلسات المؤتمر:- سؤالات الكتابة الروائي والقاص إبراهيم إسحق، في كلمته الافتتاحية للمؤتمر العلمي الثامن للرواية السودانية، انشغلَ بإيراد أسئلةِ حول الكتابة بشكلٍ عام، والرواية السودانية حاضرها وتاريخها بشكلٍ عامٍ أترانا استوعبنا التجربة العالمية عن دور الرواية في إثراء الوعي الجمعي الذي يربطنا بالساحة العالمية؟ هل درّسنا في مناهجنا تقنيات الكتابة الروائية أعني في جامعاتنا، أم لا يزال مُعظم منهج الأدب العربي كلاسيكياً؟ هل لدينا مكتبات تجارية توفِّر الروايات العالمية الشامخة ونقدها باللغات التي تُرجمت لها وهي لدينا مفهومة؟ هل جمعنا ونشرنا مختارات من الإبداع السردي السامق أو المقالات التوجيهية والإفادات الصادرة عن الروائيين ونقادهم؟ هل ساعدت جهات حكومية أو مدنية في إعداد ورش جادة لتعريف الطامحين للكتابة الروائية بالوصفات الرفيعة لحرفيات الكُتاب الذين فازوا بجائزة نوبل للآداب؟ كيف لناشئتنا أن يُبدعوا روايات تتماشى مع المطلوبات الفنية العالمية وهم لا يتعدّون إحدى الحالتين: فإما أنهم يقلِّدون المُقلِدين؟ ماذا نقصد بدور الرواية في إثراء الوعي الجمعي الذي يربطنا بالساحة العالمية؟ وختم الأستاذ إبراهيم إسحق قائلاً بأننا وفي مرحلة الوعي الوطني والمرحلة الإنمائية التي نعيشُها، بصعوباتها، قد تحدِّد نوع الأسئلة التي يفكر الروائيون الجادون في الإجابة عنها.. فهناك مثلاً السؤال: متى تكتب لدينا الرواية العُمالية؟ خاصة بعد ما شاعت في بعض مدننا الصناعات الأولية والتحويلية منذ أكثر من أربعة عقود، ولحقت بالصناعة اليوم نفرات التعدين؟ ونسأل أيضاً: ألا تبدو العرقيات حتى الآن مثل الأسلاك الشائكة التي تفصل بين مجموعاتنا السكانية؟. فهل يتجه الروائيون السودانيون نحو معالجتها وتبيان آثارها السالبة التي طالما عرقلت تقدمنا منذ الاستقلال، وأنها مع الإحن السياسية والدينية والاقتصادية نجحت في تشطيرنا في 2011م؟.. وأخيراً جداً: متى نشهد متابعة جادة لمعالم الحياة البرجوازية والأرستقراطية في حواضرنا؟ ذلك مع التحوط ألا يتردّى بنا بعضهم فنياً لضحالات التحليل الرمزي الطبقي الذي ابتُلي به الحكائيون العرب طوال القرن العشرين. الرواية السودانية كوثيقة اجتماعية القاص والناقد مبارك الصادق، رصد من خلال ورقته «الرواية السودانية كوثيقة اجتماعية»، تجليات الرواية السودانية كوثيقة اجتماعية ومناقشة القضايا المتشابكة عبر مراحلها المختلفة. كما عنى أيضاً بتقديم ملامح وشذرات من انعكاسات الواقع الاجتماعي خلال مرحلتين هما: «مرحلة ما قبل 1955م»، و«مرحلة ما بعد 1955 وحتى الآن». وعرج إلى تصوير مناخات تلك السنوات وإرهاصاتها، ثم أتت الى مرحلة الحداثة في الرواية السودانية، والتي تتبعت ملامحها وطبيعة قضاياها وصولاً إلى العنوان المستهدَف «الرواية كوثيقة اجتماعية». عليه فإن الغاية من الورقة كما قال مقدمها الأستاذ مبارك الصادق هو إعطاء ملامح وشذرات تشكِّل مؤشراً ورسماً يوضح انشغالات الرواية في هذا الجانب من خلال أمثلة محدَّدة، وليس مسحاً بانورامياً شاملاً. ثم تطرّق الصادق إلى الروايات التي تلت الاستقلال ضارباً المثال بروايات أبوبكر خالد بداية الربيع، النبع المُر والقفز فوق الحائط القصير، وأمين محمد زين وروايتيه: «لقاء عند الغروب» و«سلوا دموعي»، هذه الروايات عدّها مبارك الصادق أصداء باهتة لكتابات إحسان عبدالقدوس ورومانسيات أحمد عبدالعظيم، كما أشار إلى ضعفها الفني وإيقاعها الإبداعي.. كما أشار إلى تأثر الرواية السودانية بالرواية المصرية، والسير في طريقها مستشهداً برواية خليل عبدالله الحاج «إنهم بشر» الذي حاول أن يسميها «زقاق العمايا»، وفي ذلك تأثر واضح بنجيب محفوظ في روايته ذائعة الصيت «زقاق المدق».. وأجمل مبارك الصادق القضايا التي تطرقت لها الرواية ما بعد الاستقلال في قضايا مثل: قضايا الزواج وإجبار الفتاة على الزواج، مسألة المغالاة في المهور، عادات المآتم، مسائل الحداد، الخرافة والدجل والشعوذة، هذا فضلاً عن الفقر والجهل والمرض والهمّ السياسي والحرية والانعتاق.. وهذه القضايا تختلف عن قضايا الرواية السودانية في بُعدها الحداثي، والتي انشغلت بقضايا التحرُّر الوطني والانطلاق وجدل الهُوية والانتماء. صمتٌ وإفصاح في مقدمة ورقته «المشهد الروائي الراهن في السودان: غروب الصمت شروق الإفصاح»، أشار الأستاذ أحمد عبدالمكرم إلى هيمنة رواية التسعينيات على كامل أركان هذه المشهدية السردية السودانية، فقد شكّلت ظاهرة استثنائية وإفراطاً غير مسبوق في الكتابة السردية منذ أن عرف الأدب السوداني منذ نهاية الأربعينيات، وشبّه أحمد عبدالمكرّم المشهد الروائي السوداني بنبتة الفطر «المشروم»، نسبة لعددية الروايات الريادية والوسيطة ومتانتها من حيث الخصائص الجمالية والتقنية «مرحلتي ما قبل الاستقلال وما بعده»، وهذه تمثل الساق، والثمرة هي نهاية الطور التسعيني والمتضخمة والمثقلة بالأعمال والكتابات والنصوص المفرطة في عدديتها قياساً ببطء الإنتاج في السنوات السابقة، غير أن هذه الكثرة كما أشار عبدالمكرّم يقابلها هبوطٌ في مستوى جماليات الرواية وجودة أدائها، وضعف معالجتها لموضوعاتها بشكل عام إلا بعض الأعمال القليلة التي نجت من هذا المصير، وأنقذت بالتالي المشهد بكلياته من الإغراق في الإسفاف. انفجارٌ روائي وتساءل عبدالمكرّم كيف تكوّن المشهد الروائي الراهن في السودان؟ وهل يمكن اعتبار هذا الصعود المفاجئ للكتابة الروائية وتراجع الاهتمام بكتابة القصة القصيرة بين الكُتّاب الشباب في السودان امتداداً لما عُرف عربياً وربما عالمياً ب عصر الرواية؟ وكيف يمكن قراءة هذا الانفجار الروائي المفاجئ في مشهدية الأدب السوداني المعاصر مقروناً مع الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي مرت بها البلاد مع صعود الشمولية الإسلامية واستفرادها بالحكم في حقبة التسعينيات؟ وختم بأن كل هذه التساؤلات العميقة والمتعلقة بهذه الظاهرة الأدبية والإبداعية تقودنا إلى التسليم بأهمية الظاهرة، التأكيد على أهمية أن تتوفر لها جهود بحثية ونقدية جادة؛ للبحث في الأسباب الموضوعية المباشرة التي أنتجتها.