عقب فوزه في الانتخابات الماضية وقبل تشكيل حكومته، جدد والي القضارف كرم الله عباس الشيخ، تأكيده على ترجمة برنامجه الانتخابي الذي كان يرتكز على التغيير ومحاربة الفساد على ارض الواقع، وعلى ذات الخطى مضى خلال الفترة التي انقضت من حكمه، وما بين الشعارات التي رفعها الوالي والاستقالة التي تقدم بها وزير ماليته أخيرا جرت الكثير من المياه تحت جسر، ولاية ظلت لعقود طوال تبحث عن تنمية مفقودة وخدمات منشودة توازي ما تملكه من امكانيات، لتعيد استقالة وزير المالية مجددا، جدل الحديث حول الفساد وتفتح باب المقارنة ما بين التكنوقراط والسياسيين في مهام الوظائف الدستورية. ويصنف وزير مالية القضارف معتصم هارون من فئة التكنوقراط فهو متخصص في الاقتصاد والتجارة التي درسها بجامعة الازهر المصرية في سبعينيات القرن الماضي ،وجاء اختياره وزيرا للمالية رغم عدم انتمائه للحزب الحاكم او غيره من الاحزاب من واقع خبرته في القطاعين العام والخاص ،عطفا على النزاهة التي اتصف بها ،وحظي اختياره برضاء كبير من قبل المراقبين والمواطنين معتبرين في ذلك الوقت ان الوالي وضع أكثر من رجل مناسب في مكانه المناسب في حكومته ومنهم هارون الذي اشترط عدم التدخل في عمل وزارته قبل توليه المنصب ،ولكنه واجه صعوبات?جمة في بداية مشواره في الوزارة الاكثر استراتيجية فسياسته المالية التي وصفت بالمتشددة لم تجد قبولا من الذين تضرروا منها وسعوا لافشالها غير ان الدعم الذي وجده من الوالي ساعده على تنظيم العمل المالي بالولاية والحفاظ عليه ومحاربة اوجه الصرف خارج اطر لائحة الاجراءات المالية والمحاسبية وغيرها من اجراءات هدف من خلالها لتقنين العمل المالي خاصة فيما يتعلق بالصرف ولعب ايضا اصراره على تنفيذ استراتيجيته دورا في ان يمضي قدما ونجح في نيل رضاء الشارع بالقضارف الذي طالب كل الولاة الذين تعاقبوا على حكم الولاية ووزراء مال?تهم باحكام القبضة على المال العام وقفل منافذ الفساد الذي كان مستشريا ،ولكن وبعد مرور أكثر من عام على تولي هارون ملف وزارة المالية ابتعد منذ أكثر من اسبوعين عن الوزارة ورشحت انباء عن تقديمه لاستقالته لاسباب كشف عنها مصدر مقرب من الرجل الذي اشار الى ان الوزير واجه صعوبات بالغة خلال الفترة الماضية ومعوقات مصنوعة وضعت في طريقه حتى يغير من سياسته القابضة على المال او يتنحى ،وقال ان الوزير المستقيل لديه تحفظات تجاه عدد من الملفات وجهر بها لوالي الولاية اربع مرات وطالب بمعالجتها ،ويشير المصدر الى انها تتمثل في ر?ض وزارتين المراجعة والمحاسبة من قبل وزارة المالية ،عطفا على تحفظه من تجاوزات تمت في تنفيذ بعض مشروعات البنى التحتية بالولاية ،بالاضافة الى رأيه في الاعانات التي يصادق عليها الوالي حيث يعتبر ان هناك من هو اكثر حاجة من الذين يحظون باعانات الوالي ،وقال المصدر ان وزير المالية كشف عن تجاوزات مالية وادارية بعدد من المحليات والوزارات كشفها لوالي الولاية ،ويشير الى ان الوزير أكد له بانه وصل الى قناعة صعوبة العمل في ظل وجود تجاوزات لا تجد المحاسبة. قوبلت استقالة معتصم هارون برفض من قبل مواطني الولاية حسبما اشارت اكثر من صحيفة بل حتى والي الولاية اكد في تصريح للزميلة التيار تمسكه بوزير ماليته واشار الى انه كوال اذا ذهب فسيبقى وزير المالية في تأكيد على ممانعته قبول استقالة وزير المالية ،بيد ان موقف الوالي اختلف اخيرا فمن خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده نهاية الاسبوع الماضي اشار الى ان الطريقة التي قدم بها الوزير الاستقالة غير مقبولة واكد ان حكومته تعمل برؤية الحزب وليس الاشخاص وفق الاجهزة والمؤسسات ،رافضا عودة الوزير لعدم اتباعه الطرق الصحيحية لتقديم الا?تقالة ،مؤكدا عدم سعيه لاثناء الوزير عن الاستقالة ،وحديث الوالي الاخير فسره معتمد محلية بالقضارف مناصر لوزير المالية بانه جاء نتيجة للضغوط التي مورست على الوالي ،واشار بعد ان طلب عدم ذكر اسمه الى ان الوالي اكثر حرصا على محاربة الفساد ويثق تماما في الوزير ،ولكن الضغوطات الكبيرة ربما تغير رأيه وتجعله يبحث عن بديل للوزير ،مؤكدا ان ماصرح به الوالي ليس رأيه الحقيقي، ويقول رافضون لسياسة وزير المالية المستقيل انه يعمل بعقلية ومنهجية المراجع والمحاسب في اشارة الى عمله في القطاعين العام والخاص في هذا المجال ،مبينين?انه لا يستشير في وضع الاستراتيجيات وينفذ رؤيته منفردا ،منتقدين الطريقة التي قدم بها الاستقالة ،غير انهم اتفقوا على قوة شخصيته وحرصه على المال العام ،ولكن من يدافع عن الوزير يؤكد بانه نجح في الحفاظ على المال العام وبسط هيبة الوزارة وولايتها على اموال القضارف ،مشيدين بايقافه للصرف خارج نظم الدولة،ويشير مراقبون الى ان سياسة هارون المالية لم تجد رضاء من قيادات بالحزب الحاكم بالولاية والذين يؤكد مصدر انهم قابلوا استقالته بارتياح بالغ لسببين اولهما سياسته المتشددة على المال العام ،بالاضافة الى انهم يرون ان نجاح?ته لا تحسب لصالح الحزب الحاكم وذلك لأنه لا ينتمي اليه ،ولكن وزيرا سابقا وقياديا بالمؤتمر الوطني بالقضارف يؤكد عدم وجود مايؤكد استقالة الوزير بصورة رسمية ،غير انه اشار الى ان ما رشح من انباء عن استقالته اذا كان صحيحا يعتبر ذلك خسارة كبرى للولاية ،ويقول علي عبد الطيف البدوي في حديث ل(الصحافة) ان وزير المالية حقق نجاحات غير مسبوقة وابرز ولاية وزارة المالية على المال العام ،واكد ان السياسة التي اتبعها الوزير كانت صائبة وحققت نتائج جيدة ابرزها توفير ايرادات تجاوزت 350 مليون جنيه ،ووصف عبد اللطيف وزير المالية ب?لرجل الجاد وصاحب الكفاءة وارجع نجاحه الى انه متخصص ومن التكنوقراط الذين لا يجاملون في عملهم ،وطالب القيادي والوزير الاسبق علي عبد اللطيف البدوي بضرورة استمرار هارون في منصبه. استقالة هارون واصراره على محاربة الفساد كشفت عن خاصية الوزراء المتخصصين الذين لا يقف الولاء الحزبي وراء تعيينهم وهي زهدهم في العمل وابتعادهم اذا ما وصلوا لقناعة صعوبة العمل ورفضهم للعشوائية والفساد وهي صفات غير متوفرة في الدستوريين الحزبيين الذين يجبرهم بحسب مراقبين ولاؤهم الحزبي على غض الطرف عن السلبيات والتشبث بالمناصب، وهذا ما اشار اليه المحلل السياسي د. محمد المعتصم احمد موسي في تصريح ل(الصحافة)، واعتبر ان وزير المالية انطبقت عليه مقولة الرجل المناسب في المكان المناسب وقال ان استقالته جاءت مفاجئة وغي? متوقعة، مشيرا الى ان المرحلة الحرجة التي يمر بها السودان تتطلب وجود تكنوقراط على رأس الوزارات وذلك لامتلاكهم الكفاءة العلمية والخبرة الكافية التي تتيح لهم اضافة ما يفيد، مشيرا الى ان المواطن بات يدرك جيدا الفرق بين الوزير السياسي ونظيره صاحب الكفاءة والخبرة، مطالبا باعادة هارون الى منصبه والحفاظ عليه وذلك لأنه بدأ في تأسيس خارطة جديدة تحوي كيفية ادارة اموال الولاية. وينتظر مراقبون قرار الوالي حول الاستقالة ويشيرون الى ان كرم الله في موقف لا يحسد عليه رغم حديثه الاخير في المؤتمر الصحفي، فقبول الاستقالة يعني تفريطه في الوزير الذي يثق فيه اما اصراره على بقائه فيحتم ذهاب الوزيرين الرافضين لاخضاع حسابات وزارتيهما للمراجعة من قبل وزارة المالية ،عطفا على استبعاد المعتمدين الذين كشف وزير المالية عن ارتكابهم لتجاوزات ،وما بين الخيارين اللذين يقف الوالي بينهما ينتظر المراقبون نوفمبر القادم الذي سيشهد التعديل الوزاري لحكومة كرم الله الذي يشيرون الى ان قبوله الاستقالة يعني بطريق? غير مباشرة صمته عن الفساد والتجاوزات المالية والادارية وهو ما يتناقض مع توجهاته وشعارته وقناعاته ،اما رفضها فيؤكدون بانه سيفتح عليه ابواب مواجهة مع تيار واسع داخل حزبه يرفض استمرارية الوزير ويضعه امام محك ابعاد الوزراء والمعتمدين الذين لا يمكن ان يعملوا بانسجام مستقبلا مع وزير مالية اتهمهم بتجاوزات ادارية ومالية.