في حديثه بولاية كسلا وبمناسبة افتتاح الطريق الذي يربط بين منطقة اللفة الحدودية بدولة إرتيريا وكسلاالمدينة في حضور أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والرئيس الإريتري أسياس أفروقي، كشف الرئيس عمر البشير عن دعم الحكومة السودانية لثوار ليبيا في معركتهم مع القذافي، وقال إن السودان دعم الثوار في مصراتة وبنغازي، وإن قوات الثوار التي دخلت مدينة طرابلس جزء من تسليحها كان بأسلحة سودانية مائة بالمئة، وعدد الرئيس البشير الجرائم التي ارتكبها الرئيس الليبي المخلوع معمر القذافي في حق السودان ودعمه للتمرد، ودعم حر?ة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم بأسلحة ليبية وهي تقوم بغزو العاصمة، وقد رد السودان التحية بمثلها. ومن خلال متابعتي للمواقع الإسفيرية والإلكترونية لمست تشكيكيا من بعض الكتاب والمعلقين بحجة أن السودان ليست له القدرة ولا يملك الأسلحة الكافية للقيام بهذا الدور. وأستطيع أن أؤكد أن ما ذكره الرئيس عمر البشير في كلمته في هذا الخصوص صحيح مائة بالمئة كما عبر الرئيس. وكنت أعلم من مصادري في ثوار ليبيا بهذه المعلومة قبل سقوط طرابلس بمدة طويلة، ولم أشأ كشف هذه المعلومات، بل إن مصادري وسط الثوار وهم من أبناء ليبيا ?مدينة مصراتة نفسها طلبت مني أن أبلغ الحكومة السودانية شكر أهل مصراتة للحكومة للدور الذي لعبته في دعمهم، وقالوا إن دعم الحكومة السودانية عزز موقفهم العسكري وزاد من قدرة مقاتليهم على الصمود والتحرك نحو الغاية الكبرى، وهي تحرير العاصمة الليبية طرابلس، وأنهم يريدون المزيد، ونسبة لحساسية الأمر في تلك الظروف طلبت من أحد الوزراء أن يسمح لي بمقابلته، وبالفعل أبلغته الرسالتين، رسالة شكر الثوار للحكومة والشعب السوداني، ورسالة طلب الثوار لمزيد من الدعم، والأخيرة كانت هي الأهم في ذلك الوقت، ومن خلال حديث السيد رئيس ال?مهورية فإن الاستجابة حدثت، وكان الدعم قد ساهم في تحرير طرابلس. والحقيقة أنه رغم وجود طائرات حلف الناتو إلا أن الثوار الليبيين كانوا في حاجة ماسة للدعم العسكري، وكانت كتائب القذافي متفوقة عليهم من حيث العدة والعتاد، وقد شاهد العالم كله البندقية البالية والعتيقة التي كان يحملها أحد الثوار في جبهة البريقة، ويقول إنه سوف يقاتل بها القذافي ويهزمه، ولم تكن الدول الغربية مستعدة لدعم الثوار على الأرض بالسلاح، لأنها كما ذكرت في مقال سابق كانت تتفرس في الثوار ما إن كانوا إسلاميين متطرفين أم تنظيم القاعدة، وكانت الخسائر البشرية في صفوف الثوار لا توصف، ومن هنا فإن الدعم العسكري ?شعب ليبيا واجب قومي وعربي وإسلامي، بل هناك من اقترح تدخل الجيش المصري في ليبيا نيابة عن الجيوش العربية لإنهاء نظام القذافي ووقف حمامات الدم، وطالما أن واقعة دعم الحكومة السودانية لثوار ليبيا صحيحة ولا غبار عليها، فإن الهدف منها ليس هو الانتقام من القذافي وإرجاع الكرة لمرماه، هذا على أقل تقدير بالنسبة للشعب السوداني الذي تم الدعم باسمه ومن حر ماله وبأسلحة هو في أمس الحاجة إليها لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تضعها أي بلد من البلدان في حسبانها، ولا أتحدث عن حالة محددة، ولكن من المؤكد أن أي بلد له ت?ديات ويقوم بشراء الأسلحة بالعملات الصعبة لقواته المسلحة لتكون مستعدة لكل طارئ يطرأ على الوطن. ومها يكن من شيء فإن الدعم السوداني لثوار ليبيا هو دعم للثورة التحررية ولإنسان ليبيا الذي واجه آلة الموت على يد نظام القذافي «وقد هب العالم كله لنجدة هذا الشعب بدءاً بالجامعة العربية التي دعت الأممالمتحدة للتدخل من أجل حماية الشعب الليبي، ومجلس الأمن الدولي الذي طلب من حلف الناتو تنفيذ قراراته الخاصة بحماية المدنيين، ومواقف الدول الأخري التي أجمعت على ردع النظام الليبي عسكريا»، وليس الهدف هو القذافي ولا ينبغي أن يكون كذلك، خاصة أن علاقة السودان والحكومات السودانية المتعاقبة بالقذافي وعلى مدى أكثر من أربعين?عاما قضاها القذافي في سدة الحكم علاقة معقدة وتحتاج إلى جلسات وحوار وبحث عميق في هذه العلاقة ومساراتها من حسن إلى سيئ إلى أسوأ، وأذكر في مرة من المرات في إحدى زيارات العقيد الراحل للخرطوم وهو يتحدث لحشد جماهيري بقاعة الصداقة، قال مخاطبا السيد رئيس الجمهورية: قلت لي الكان قبلك داك مين هو؟ فقال الحضور نميري فحرك رأسه نافياً: مو نميري الميرغني.. يقصد السيد أحمد الميرغني رئيس مجلس الدولة عليه رحمة الله. ولا نريد أن نذهب بعيداً عن الرئيس الراحل جعفر نميري 1969إلى 1985م، فلو توقف لنميري التاريخ ومسار الأحداث ف? السودان ورأى الثورة الليبية وقرر دعم ثوار ليبيا، فلو لم يدعم هؤلاء الثوار على قاعدة أخلاقية إنسانية وأراد أن ينتقم من القذافي لكان انتقام نميري ورده على العقيد نظير ما اقترفت يداه، أي القذافي، من دعم عسكري للجبهة الوطنية التي دخلت الخرطوم في يوليو 1976م بأسلحة ليبية وعتاد ليبي ومال ليبي وقتلت كبار الضباط في القوات المسلحة السودانية «الأمر الذي لم يفعله خليل إبراهيم وحركة العدل والمساواة في غزوها للعاصمة». ومم كانت تتشكل الجبهة الوطنية؟ كانت تتشكل من الحركة الإسلامية السودانية التي صارت الجبهة الإسلامية ال?ومية التي قادت الانقلاب العسكري في يونيو 1989م، وصارت من بعد ذلك حزب المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس البشير. وتتكون الجبهة الوطنية من حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي الذي يسعى المؤتمر الوطني اليوم لإدخاله معه في الحكومة ذات القاعدة العريضة، والحزب الثالث في الجبهة الوطنية حسب ترتيبي هذا هو الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهو أيضاً حليف منتظر للمؤتمر الوطني في الحكومة ذات القاعدة العريضة. وبالمناسبة فقد كان العقيد القذافي في أحد أحاديثه عن بطولاته في بداية الانتفاضة الليبية ضده ذكر حربه مع النميري، وكيف أنه صمد كما ?مد في الحرب الليبية التشادية، مما يعني أن العداء بين الراحلين نميري والقذافي كان عميقا ومتبادلا، ولم تبدأ العلاقة بينهما بالقطيعة والعدوان ولكنها بدأت بالزيارات الودية والمجاملات وإعلان الوحدة العربية بين ليبيا والسودان ومصر، وكان الشعب في الخرطوم يهتف بحياة الرؤساء الثلاثة لهذه الدول جمال عبد الناصر ومعمر القذافي وجعفر نميري، وهكذا الحال بالنسبة لثورة الإنقاذ الوطني التي سعت لكسب ود القذافي في مواجهة التردد المصري والنفور الخليجي الذي واجهته الثورة، وكان القذافي أكثر تردداً لكونه يكره الإسلاميين ويخشى الو?ايات المتحدةالأمريكية التي حاول رئيسها ريغان قتله وهو في منزله بباب العزيزية، واستطاعت الدبلوماسية السودانية في ذلك الوقت إقناع العقيد معمر القذافي بالتواصل مع حكومة الإنقاذ، وكان لعلاقات الجبهة الوطنية دور في ذلك الإقناع، وكان العقيد القذافي يحلم بإنشاء فرع سوداني لحركة اللجان الثورية الليبية التي سمحت لها الحكومة وقتها بالعمل وإنشاء المراكز وتوزيع الكتاب الأخضر بالسودان، واليوم تمنع الحركة الشعبية لشمال السودان من العمل السياسي. وحسب ما أوردت قناة «العربية» الفضائية فإن الجماهيرية الليبية الشعبية إلى آخ?ه على أيام القذافي تعتبر السودان أكبر مدين ليبيا من بين الدول التي قدمت لها ليبيا قروضا مالية، وكان إمداد القذافي للسودان بالنفط في ذلك الوقت معلوماً، ومن المرحج أن يكون هذا الدين في عهدي الديمقراطية الثالثة وعهد الإنقاذ الوطني، لكون نظام مايو في قطيعة كاملة مع ليبيا لا يبيع ولا يشتري ولا يتزوج من القذافي. ويذكر الشعب السوداني قصة جنيه الكرامة التي ابتدعها الرئيس نميري، وأعلن القذافي فيما بعد أن الأموال التي دفعها للسودان لم ترجع إليه بالرغم من أن الشعب السوداني دفع ذاك المبلغ لحكومته لكي ترده للقذافي الذي?أهدر كرامة السودانيين بسببه، ومهما بسطنا الحديث عن العلاقة بين السودان وليبيا في عهد القذافي فلن نوفي الأمر حقه لما له من تطورات وتطاول في الزمن، وهي علاقة حكومات أكثر من كونها علاقة شعوب، وما أستطيع أن أؤكده أن العلاقات العربية العربية في ظل ثورات الربيع العربي سوف تكون أكثر صعوبة مما كان عليه الأمر في عهد القذافي، فالمجلس الانتقالي الليبي مثلا ستكون له علاقات مع المحكمة الجنائية الدولية ومنذ الآن، لكونه ارتضى أن يسلم القذافي وأعوانه وأبناءه للمحكة، ومن الممكن أن تصبح ليبيا شأنها شأن الثورة المصرية عضو?ً في المحكمة الجنائية الدولية ومنظمات أخرى، وقد تمضي ليبيا بثورتها بعيداً عن عالمنا العربي والثالث إلى رحاب العالم الأول ومصافه من خلال علاقات اقتصادية وسياسية واجتماعية على أنقاض القديم والبالي في عهد القذافي، وستكون عين العالم والمنظمات الحقوقية ومجموعات الضغط على ثورة ليبيا وديمقراطية ليبيا وشفافية ليبيا ومؤسسات المجتمع المدني فيها، وإذا كان هناك بلد لم يشهد ثورة مثلنا فعليه أن يعدل سلوكه لمواكبة هذه الثورات، بدلا من أن يجرها للوراء.