رحبت الخارجية السودانية أمس الاول بلجوء دولة جنوب السودان للامم المتحدة،على خلفية اتهامات ساقتها الاخيرة للخرطوم حول تعديها على الجنوب عبر القصف الجوي على أراضيها،ونقل المتحدث الرسمي باسم الخارجية السودانية العبيد مروح استحسان الخرطوم لاحتكام جوبا الى الهيئة الاممية برفع شكايتها والتزام جانب القانون الدولي، وترك اسلوب المليشيات وحرب العصابات، وقال مروح: ينبغي على دولة الجنوب ان تتعامل بمسؤولية تجاه رعاياها. وكانت حرب كلامية قد اندلعت بين الشمال والجنوب بعد تعرض لاجئين فى معسكر ييدا لخسائر بشرية غير معروفة، حسبما قال هيرفيه لادسو رئيس عمليات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة فى الجنوب. واكد المسؤول الاممي فى اجتماع لمجلس الأمن الدولي بحث الواقعة ،امس الاول،ان القوات المسلحة السودانية اسقطت قنبلتين على الاقل قرب المخيم. واتهمت الولاياتالمتحدةالامريكية،من جهتها، دفع الله الحاج علي سفير السودان لدى الأممالمتحدة بالكذب لانه نفي وقوع الحادثة في ذات الجلسة،التي أقامها المجلس لمناقشة الوضع في السودان. وناشدت سوزان رايس مندوبة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة الأطراف بضبط النفس، مضيفة «نناشد جمهورية جنوب السودان عدم الرد على الهجوم وممارسة الحكمة». وعزت ذلك «عودة الأطراف لحرب شاملة لن تخدم مصلحة أي منهما». وتأتي الاتهامات الجنوبية للشمال بعد ايام قلائل على اتهامات مماثلة دمغت بها الخرطومجوبا و قدمتها عبر شكوى مكتوبة لمجلس الأمن الدولي، قالت فيها ان الجنوب يعمل على زعزعة الاستقرار وتعطيل السلام وعرض المساعدة لجماعات المتمردين فى جنوب كردفان. واتهم بيان صادر عن وزارة الخارجية، جنوب السودان بتقديم دعم عسكري لقوات الحلو في المنطقة، ليخرق بذلك اتفاق السلام الشامل لعام 2005 الذي أنهى الحرب الاهلية. وقال وزير الخارجية علي أحمد كرتي في نسخة من الشكوى التي نقلتها وكالة السودان للأنباء ان السودان ملتزم بالاستقرار والسلام ولكن حكومة الجنوب تعادي جيرانها. واتهم كرتي سلفا كير ميارديت رئيس جنوب السودان بالسعي الى ضم ولاية جنوب كردفان وولاية النيل الازرق . ومضى وزير الخارجية ليقول: «ليس غريبا أن تنتهج دولة الجنوب هذا المسلك العدائي ضد الدولة التي منحتها حق تقرير المصير، وظهر ذلك جليا فى تجاوزاتها وخروقاتها السافرة بدءا باستضافة حكومة جنوب السودان لقيادات حركات دارفور المتمردة، وتوفير المعسكرات والمأوي والتدريب وتزويدها بالسلاح ،الذي استخدمته ضد جمهورية السودان ومازالت تواصل هذا الدعم». لكن سلفاكير اتهم الخرطوم فى المقابل بالسعى عبر تلك الاتهامات لصرف انظار الشارع السوداني عن أزماته الداخلية، وقال رئيس دولة الجنوب اول من امس امام حشد من السفراء الاجانب فى مقر حكومته بجوبا : نرفض هذه الاتهامات التي تهدف لصرف الانظار عن مشاكل الشمال الداخلية. مضيفا: ولن نسمح كذلك بانتهاك سيادة البلاد مرة اخرى. وينظر مراقبون للاتهامات المتبادلة بين الدولتين فى الشمال والجنوب على انها نتاج طبيعي لفشلهما فى معالجة جذور الأزمة التى اشعلت الحرب الاهلية طيلة عقود رغم وصولهما مرحلة الانفصال، لان ذلك لم يتواكب فك الارتباط الكامل بحل القضايا العالقة. وهذا لب ما اشار ل « الصحافة» به الكاتب والمحلل د. خالد التجاني، والذي اضاف: الفشل الباين فى حل القضايا المختلف حولها اوصلنا الى هذه المحطة بعد شهور من الانفصال. ويقول التجاني ان الاتهامات المتبادلة لن تغني شيئا لان هنالك خللا استراتيجيا فى العلاقة بين الطرفين، مؤكدا ان?الامر لن يستقيم الا باعادة النظر فى المنهج المتبع للتعامل مع هذه العلاقة،ومحذرا من استمرار الخلافات وعدم التوصل لحلول سيؤدى الى تدخل دولي مفروض على الطرفين، وزاد التجاني : سيكون هذا التدخل بالضرورة ضد الخرطوم!. واشار المحلل والكاتب الصحفي المعروف الى ان البلاد تعرف التدخل الاجنبي باشكال مختلفة، بحكم الاتفاقيات الموقعة ومنها اتفاقية السلام، الا انه ظل فى الغالب يتم بموافقة من الحكومة السودانية، لكنه توقع ان تؤدى المواقف المتضاربة بين الشمال والجنوب حول قضايا متعددة، فضلا عن انتقال الصراع الدائر بينهما و?ارادتهما الكاملة الى مجلس الأمن، توقع ان يؤدى الى دفع المجلس للتدخل فى السودان، لافتا الى ان تصريحات سوزان رايس وكبار موظفي الاممالمتحدة حول الشكوى الاخيرة لحكومة الجنوب تحمل اتهامات صريحة ووعيدا للحكومة فى الخرطوم. ورأى د. خالد التجاني ان القضية المثارة الان فى مجلس الأمن ستصبح ذريعة لحدوث تدخل فى البلاد سيكون هذه المرة مفروضا وليس باتفاق مع الخرطوم، عازيا ذلك للفشل الواضح من الطرفين فى احتواء خلافاتهما ومعالجة قضاياهما المشتركة، والاستعاضة عن ذلك بالتبرير والتعليل الذي لن يفيد. وطالب التجاني الحكومة ?لسودانية فى المقابل بالعمل على تنمية كل ما يربط الجنوب بالشمال، وبابقاء الانفصال فى حدوده السياسية فقط. غير ان د. اسماعيل الحاج يرجع التعثر البائن فى العلاقات بين الشمال والجنوب والفشل المزمن فى الوصول الى تفاهمات حول القضايا العالقة وغيرها من مطلوبات التنمية والسلام فى الشمال والجنوب، الى عدم رغبة قيادات الحركة الشعبية فى ذلك. ويقول القيادي فى الحزب الحاكم، ان قادة الحزب النظير فى الجنوب ظلوا منذ تاريخ توقيع اتفاقية السلام يثيرون المشاكل ويضعون العراقيل امام الحكومة رغم انهم جزءا منها. وابدى الحاج موسى عدم تفاؤله بوصول الطرفين الى اية تفاهمات فى ظل ما يراه اصرارا جنوبيا على التعامل العدائي مع الخرطوم، وت?ريض الاخرين عليها مثل امريكا والدول الاوربية. واشار الرجل ان المقصود من شكوى جوبا الى مجلس الأمن عرقلة وتعويق مسار العمل السياسي والتنموي والاقتصادي فى السودان ليس الا، وذلك بأن تسفر شكواها عن توقيع عقوبات من مجلس الأمن او امريكا بشكل منفرد على السودان. وتؤشر شهادة هيرفيه واتهامات رايس الحادة لان المجلس قد يتعامل مع شكوى جوبا بطابع مختلف عما عهدته المواجهات السابقة لجوباوالخرطوم فى نيويورك، وذلك فى ظل العلاقات المتأرجحة للسودان مع المجتمع الدولي. وسبق للمجلس ان وجه الدولتين فى الشمال والجنوب مرارا الى معالجة كل مخلفات الانفصال بشكل اكثر جدية. ورغم طبيعة الشكوى المطروحة الان على منضدة مجلس الأمن فان الخارجية فى الخرطوم تعاملت معها بتقليل واضح، حيث اعتبرها الناطق باسمها العبيد مروح، على ما بدا فى تصريحاته، مناسبة لتذكير الجنوب بانه اصبح دولة عليها ان تتعامل مع القانون الدولي وتلجأ الى آلياته الدولية. وهو ما ينتقده د. خالد التجاني بشدة، مشيرا الى ان آلية اتخاذ القرار فى مجلس الأمن تقف من ورائها توازنات دولية معلومة، واضاف: الموضوع ليس له علاقة بالقانون الدولي او صحة موقفك كدولة. . !،القرار قد يصدر ضدك بغض النظر عن وجهة نظرك، وزاد:هل يملك السودان?تأثيرا على مثل هذه التوازنات لضمان كنه القرار؟. وانطلق المحلل السياسي من هذه النقطة ليشكك فى امكانية تحقيق انفراج على صعيد علاقات الشمال بالجنوب،فى ظل هيمنة ما دعاها بالعقلية التي تعالج الامور دون رؤية استراتيجية تضع المصالح القومية للسودان نصب اعينها، مما سيجعل الامور تتجه الى وضع اسوأ وأضل!. بيد ان القيادي بالحزب الحاكم د. اسماعيل الحاج موسى يتساءل فى المقابل عما يمكن ان تفعله الخرطوم فى مواجهة التربصات الدولية والامريكية على وجه الخصوص، ويقول الحاج موسى ان الهجوم الامريكي الاخير فى مجلس الأمن ليس بجديد،فقد ظلت الولاياتالمتحدة تقف ضد الانقاذ على مدى اكثر من عشرين عاما، فارضة الكثير من العقوبات من واشنطون ومن مجلس الأمن، وزاد: امريكا تقف ضد كل ما حيك ويحاك للسودان. ويشير القيادي فى الحزب الحاكم الى ان مندوبة الولاياتالمتحدة فى مجلس الأمن معروفة بعدائها غير المبرر للسودان، لافتا الى انها ظلت ?نذ عملها بالخارجية الامريكية فى ادارة بوش الابن تهاجم السودان بسبب او بغيره، وان مندوبنا فى نيويورك ظل فى مشاحنات مستمرة معها بفعل هذه المواقف. وقال د. الحاج موسى ان موقف سوزان رايس الاخير فى مجلس الأمن واتهاماتها متوقعة من الخرطوم لانها تبحث عن اى شئ ضد السودان لاثارته وتهويله بغية اصدار عقوبات من الهيئة الدولية او بلادها، واردف: امريكا دولة مفترية ودأبت ان تتعامل مع البعض بعد القطبية بمنطق مختل تماما، مدللا على ذلك بما يلاقيه الفلسطينيون من حليفتها اسرائيل. وربما هى المرة الاولى التي لا تجد فيها الخرطوم من غضاضة في الوقوف مع الجنوب امام بوابة الاممالمتحدة للفصل فى احدى خلافاتهما المتكررة، ولكن التعاطي الحكومي مع التهمة المثارة فى مجلس الأمن تحديدا يبدو واثقا من قدرة الخرطوم على احتوائها، الا انه لا يقدم تطمينات للرأي العام السوداني بان بمقدورها ايضا معالجة ملف العلاقات مع الدولة الجديدة فى الجنوب قبل خروجه عن السيطرة.