الكتابة على الجدران ظاهرة قديمة تدل على دينامكية المجتمع وألوان حراكه السياسي والاقتصادي .. وتختلف المفردات وتتعدد العبارات بحسب الفئات العمرية لمن يقومون بها، فكتابات الذين في طور المراهقة والصبا والمرحلة الثانوية تختلف عن مفردات من هم في الحياة الجامعية، وكثير من العبارات على الجدران تعبر عن مواقف متعددة في هذه المراحل، ففي لحظات الفراق تأتي عبارة «إذا كان غداً فراق الأحبة فيا شمس الغد لا تشرقي»، وهنا تعبر المقولة عن لحظات الوداع بعد اللقيا، ومثال آخر «لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد»، وهي دائماً ما تكتب في ا?مراحل الدراسية الأولى لغرس الهمة والنشاط وسط الطلاب في التنشئة الجيدة والعمل بجد واجتهاد، وهنالك بعض العبارات تكتب تعبيراً عاطفياً صادقاً إذا عجز المرء عن توضيح ما بداخله. وأبرز ما يكتب هذه الأيام على جدران الحائط في القضارف وبعض مؤسساتها المختلفة، عبارات مناوئة للنظام، إذ يصف البعض حالته بالمحتقنة لتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وتنادي هذه الكتابات بإصلاح حال الواقع وايصال صوت الحقيقة للحاكم. ويقول الدكتور محمد أحمد خير السيد أستاذ علم النفس بجامعة القضارف، إن مثل هذه الكتابات تعبر عن الوضع السياسي المعارض، وتؤكد تنوع وسائل التعبير عن المكبوتات وفقاً للبيئة والمرحلة العمرية والانتماءات السياسية والثقافية والفكرية. وأشار إلى أن ظاهرة الكتابة على الجدران في بعض البلدان تمثل ظاهرة حقيقية لمتغيرات البيئة والأوضاع السياسية، وهنا يبرز العامل الأساسي في السياسة، حيث عبرت كتابات الجدران عن ثورة الربيع العربي بعد التراجع في البلدان، وحققت الاستقرار السياسي والتنموي إلى آخر بعد تغيير الانظمة مثلما حدث في?«ليبيا ومصر»، فعبارة الشعب يريد إسقاط النظام جاءت من البلدين العربيين. وأبان خير السيد أن الكتابات لها مراحل متعددة وطرق مختلفة بحسب التكوين السكاني والمجتمعات المتحضرة، فالبعض يلجأ إلى الرسائل القصيرة والبيانات السرية «الشرائح غير المسجلة». ويعزو الدكتور محمد احمد خير السيد عملية استخدام الكتابات لبلوغ الأهداف المختلفة في المدارس، مثل الأناشيد الوطنية وأغاني الحماس والمدائح النبوية، بيد أنه أشار إلى أن العبارات المنتشرة الآن على جدران الحائط تعبر عن أن هنالك بعض الجهات لها رأي سلبي حول الوضع السياسي القائم الآن، وهو تعبير عما يدور داخل الشخص من اتجاهات سالبة لهذا الوضع. ويرى خير السيد أن الظاهرة تحتاج لدراسة تحدد فيها الدولة مدى سلبية وإيجابية الاتجاه المعارض والنظام الحاكم لتحديد الخطأ أو الصواب، وربما تحمل هذه العبارات النقد البناء والهادف، وعلى الدولة الالتفات لهذه الناحية، وعلى النقيض إذا كانت تحمل أهدافاً هدامة عليها معالجتها بما هو مناسب. وشدد أستاذ علم النفس بجامعة القضارف على ضرورة ممارسة الدولة لمبدأ النقد الذاتي حتى يسهم في التقليل من الظاهرة في حالة سلبيتها، وتشجيع الآخر على النقد الموضوعي الهادف.