السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وفودنا في معارض الكتب والمهرجانات الأدبية والمؤتمرات(تمامة عدد)
الروائي أبراهيم اسحق
نشر في الصحافة يوم 15 - 11 - 2011

الروائي ابراهيم اسحق , رئيس سابق لاتحاد الكتاب السودانيين ، باحث في التراث الشعبي ، أسهم منذ ستينيات القرن الماضي في الحركة الثقافية صدرت له العديد من الروايات والقصص : أخبار البنت مياكايا ، حدث في القرية ، مهرجان المدرسة القديمة ، وبال في كليمندو وناس من كافا وغيرها .. جلسنا معه لنحاوره حول بعض هموم الساحة الثقافية :-
كيف توفق ما بين التراث المحلي والحداثة في كتاباتك السردية؟
قد يكون ذلك التوفيق محققاً من خلال الفكير في التراث المحلي بعيون كاتب السرد في البيئة المتأخرة حضارياً، يبحث عن المُثل والفضائل الإيجابية في مجتمعه ليعلي من شأنها، مسائل مثل النخوة والشجاعة والإنصاف تبدو راكزة في الطبع الإنساني، ومقدرة في كل المجتمعات .. لكن كاتب السرد المؤسَسَ علي بيئة حضارية متخلفة يستخدم في تقديمه لمُثل وفضائل مجتمعه، وآخر ما أبتدعه الحداثيون من فنون الحكي اللائق بالعصر .. وهنا يكمن ذلك التوفيق.
تأثير البيئة على كتاباتك، بمعنى هل تحاول أن تنسخ البيئة أم تستلهم منها نموذجاً؟
نسخ البيئة في العمل الفني لايعطينا جمالاً.. تخيّل أن يركز أحد المصورين كاميرا سينمائية ويسجل كل مايجري أمامه في سوق ريفي، وهنا لانطلع بفيلم لايصلح إلا لإستخدام جماعة المخابرات وجامعي المعلومات لأجل وضع خطط للتطوير العمراني.. الفيلم السردي واللوحة والقصة كلها تستلهم الحياة الفوضوية اليومية، للإستخراج تتابع جديد لمكونات الحياة تُرشح للمُطَلع على العمل الفني فرصة لفهم الحياة الإنسانية فهماً جديدأً، وتحمل المعروض من الحياة لما يوضع فيه من ترتيب وتنسيق يُبعد الرتابة والفوضى، إن خلق الأنموذج هو ان يبدع الفنان ص?رة متخيلة مُستلهمة من الحياة العامة لكنها تغدو أكثر تشويقاً وأقرب للفهم مما في الحياة اليومية.
ماهي قاعدتك الأساسية في الكتابة السردية، والمعطيات التي تقوم عليها من حيث الكل والمحتوى؟
أظنني أطلعتُ على كثير من روائع الكتابات القصصية في وقت مُبكر، وقد أقتنعت بعدئذ بأن القصة التي أكتبها يجدر بها ألا تحبط القارئ بإضاعه وقته في بيان المظاهر العادية للحياة، وفي وقتٍ ما إشتكى أحد قرائي من عمل مثل رواية ( أعمال الليل والبلدة) بأنها تغرق في الوصف الذي لاطائل من ورائه، ولم أستطع أن أدافع عن ذلك العمل لأنني أميل نحو الإعتراف بأن الكُتاب مهما إحترزوا لابد لهم من هنات، ولكن بدون ذلك الوصف الدقيق في ( أعمال الليل والبلدة) لايمكن للقارئ أن يستوعب المحتوى، وهكذا.. ربما حاولت في الأعمال التالية لتلك الر?اية أن أجعل الشكل الروائي أخف وطأة على القارئ، دون أن يمس ذلك بالبيان المطلوب في المحتوى، هذه هي القاعدة الأساسية في نظري .. الشكل في القصة أو الرواية يؤدي دوراً، والمحتوى المستهدف هي الجائزة لمعاناة القارئ، ويجب ألا يستعجل أحدهما على حساب الآخر.
هل يمكن أن نعتبر روايتي ( فضيحة آل نورين) و(أخبار البنت مياكايا) محاولتين لخلق عالم طوباوي؟
نعم إذا كنا نريد القول بأن الماضي المثقوب بالنواقص يستدعي منّا طوباوية تبدو فيها حياة الجماعة أكثر إشراقاً.. النُقاد مثل أحمد عبدالمكرم وأحمد صادق تكلموا في أن خيبة أهل عثمان في المآلات التي تذهب إليها الدكة بسلسلة الفضائح البادئة من جريرة أولاد نورين وسواهم، دفعت بشخصيات عديدة في الرواية لتطهير الدكة من أوزارها وإقامة قواعد جديدة للسلوك الحميد، والناقد احمد عبدالمكرم ممن يقرأون هذا الدور (لآل كباشي) قراءة رفيعة كما لاحظت في مقاله بمجلة (أوراق) العدد(64) وأما (مياكايا) فقد تفاءلت فيما يخص السكون المطلوب لل?نازعات العرقية والثقافية لدى مكونات الذاتية السودانية منذ القرن الرابع عشر الميلادي، وكثير من النُقاد الذين كتبوا عن هذه اللرواية قدّروا فيها هذا (التفاؤل)، لكن مسار الأحداث للأسف .. مزق ذلك (التفاؤل)، في يوليو2011.
ماهي خلفيات رؤيتك في تقصير حجم الرواية؟
الجانب التفصيلي في منطقي لهذه الرؤية قدمته في مقال بمجالة( الخرطوم) العدد 29 في ابريل 2007، وقد لا تنعدم في رؤيتي تلك إشتهائية شخصية، فالزمن المتوفر كفراغ لرجل أو إمرأة في القرن التاسع عشر كان يمكّنه من قراءة آلاف الصفحات في روايات (ديكتر ، بلزاك، ودستوفسكي) ولكن الإنسان في عصرنا هذا لايسمح له وقت فراغه إلا بساعتين ربما.. وهما اللائي طالع فيهما الناقد محجوب كبلو(الراي العام 14/9/2011) رواية خلف الله سليمان ( في تأويل مقام الورد) .. وعلى كلٍ فأنا أعتقد بأن التركيز في الرواية القصيرة يجعلها أكثر إنصافا للشكل?والمحتوى معاً، لهذا فروايات مثل ( الدب) لفولكر، (اللؤلؤة) لشتاينبك و(مصير إنسان)لشولوخوف، (العجوز والبحر) لهمنغواي، هي أجمل ماكتب هؤلاء الأفذاذ في الإبداع السردي.
أنت دائماً ماتتحسر على عدم وجود السرد السوداني في المحافل العربية والإفريقية والعالمية؟
نعم.. فالعربية محاربة من جانبين، أصحابها الأثرياء والمتقدمين حضارياً، ومن الجانب الآخر العالم المتحضر الذي لايرغب في أن تنافس العربية وحضارتها الإسلامية لغاتهم وحضارتهم، ونحن شاء الله لنا أن نقع في التخوم، اليمن ومورتانيا والسودان وجزر القُمُر وجيبوتي ومن طبقاتهم، آدابنا لاتجد مجالاً للعرض في المحافل العربية المشرقية أو المغربية، لا في المعارض ولافي المجلات المتخصصة للعرض الإبداعي، وحكوماتنا لم تقم بدورها في مساعدة آدابنا بالنشر والإعلان وجذب المترجمين للنماذج الجيدة، لهذا فوفودنا في معارض الكتب والمهرجا?ات الأدبية والمؤتمرات، في المشرق والمغرب العربيان هم (تمامة عدد)، حتى لايحتج أحد على إهمال أهل التخوم في هذه المحافل، والمطلوب من وفودنا ان يلجوا بالإبداع الرفيع الطالع من الجزيرة العربيةوأطرافها وشمال أفريقيا، لكن المشاركين في تلك المحافل يعتذرون للوفود السودانية بأنهم لم يجدوا لهم إنتاجا حتى يقرأونه!! واما إفريقيا فهي تكتب بالإنجليزية والفرنسية والأسبانية، وبالتالي فآدابهم هي روافد لآداب تلك اللغات الأوروبية.. ونحن بالنسبة لهم كالصين واليابان، لايعرفون عنا إلا مايترجم لنا إلي اللغات الأوروبية.
يلاحظ إهتمامك غرب السودان لمعظم كتاباتك السردية؟
حينما بدأ آل كباشي بسرد حكاياهم للعالم في العام 1969 كانت قريتهم شبه معزولة عن العالم، لهذا .. ما بين 1969 و1973 جاءت أربع روايات كلها محصورة الأحداث في الدِكة، لكن الزمن بعد العام 1975 وحتى الألفية الثالثة من حاضرنا إنداحت الأحداث بآل كباشي فوصلوا إلي بورتسودان، وخرجوا إلي العالم ووصلت أجيالهم إلي أحفاد الرواة في بعض من الأعمال الأولى.. وهكذا كثرت النصوص التي دارت في كردفان،والنيل الأبيض، وفي امدرمان وحتى في شندي، وكلما توسع الوعي الكوني لآل كباشي بعِدوا عن الإنحصار في غرب السودان وصاروا عالميين.
إذا تم تحويل أعمالك الروائية إلي أفلام سينمائية، هل يمكن ان تكتسب بعداً آخر؟
أتوقع ذلك.. فالرؤية الإبداعية لصانع السيناريو والمخرج للعمل السينمائي محررة تماماً في رؤيتي.. وتكفيني الإشارة إلي أن الفكرة الإبتدائية هي لي، أنا متفاءل بالمخرج سعيد حامد الذي أبدى هو ومعاونوه منذ رمضان 1432ه إهتماماً مقدّراً بالتعرف على أعمالي، وإخراج فيلم مدته تتراوح مابين 30 و40 دقيقة عن قصة قصيرة ملائمة، هو تقليد أسس له كبار المخرجين المصريين وتناولوا فيه عينات جيدة لنجيب محفوظويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وغيرهم، ولا أرى مانعا فيما يخصنا.
بعض نصوصك السردية تطرقت للقضايا الوطنية، مثال لذلك قصة (المستر ماكنيل)؟
أنا رأيت نقداً جيداً للتواجدات الوطنية في رواية( مهرجان المدرسة القديمة) وقد سرني جداً أن عشاء( المستر ماكنيل) قد لقيت تجاوباً وطنياً،وأفرحني جد حينما علمت بأن آل قرناص الحلفاويون هم أصحاب الواقعة الحقيقية التي طلعت منها قصة( مستر ماكنيل) ولم أكن أدرك ذلك أوان كتابتها .. هنالك في وقائع التاريخ السوداني الكثير جداً من من المحطات الوطنية التي تستحق من كُتاب السرد السوداني العناية، وإلتقاط مثل هذه الوقائع وتكثيفها سردياً هو عمل معهود في روايات كُتاب أعلام مثل فيدور، دستوفسكي، وليوتولستوي وترومان كابوت.
هل توجد ملامح من سيرتك الذاتية في بعض نصوصك السردية؟
قطعاً صحيح.. ولكن إثبات ذلك يحتاج لنُقاد بمقدورهم غربلة النصوص التي كُتبت وسيرتي الذاتية ، وبالطبع فانا لن أعين أحداً على كشف أوراقي، وإذا ما تكشفت تلك الأوراق فليس لدي ما اخجل منه، فقد قلت بأنني أُعجبت بالطريقة التي يحور بها عباقرة مثل ليوتولستويوهمنجواي تجاربهم الذاتية حتى تكون إبداعاً خيالياًبذلك الرُقي والمصداقية.
هل يقوم كاتب السرد بدور الناقد لأعماله؟
لو مدح عمله تهبّل.. ولو شرح رؤيته لاعماله وكانه ناقد يتساكن مع المبدع في ذات واحدة ، فهو يغش، فالنص كما يقولون له إعتباريته الخاصه بعيداً عن المبدع وعن القارئ معاً، وإحتمالات المعاني فيه قد تكون لامتناهية، والدور النقدي للسارد له لحظتان، فبعض الكُتاب يبتر من نصه أجزاء لأنها تُفقد النص قدرته الجمالية أو المعنوية، وبعض الكُتاب يراجع أعماله فيدمج القصص القصيرة في الروايات مثلاً، وهذه هي أقصى ما أعلم عن دور نقدي يلعبه مبدع السرد في أعمال نفسه.
يقال أن الرواية أصبحت ديوان العرب،بينما تراجع الشعر إلي المركز الثاني؟
الشعر يأخذ بهاءه في المنابر، والمنابر أصبحت قليلة جداً في حياتنا المعاصرة، وقراءة الشعر الموزون والمقفى كان يعطي للقارئ قدره لابأس بها في المحافظة على الجرس الموسيقي المحتفى به في الأوزان، الشعر الحديث صارت موسيقاه المعنوية تعوّض قليلاً أو كثيراً عن عن الجرس اللفظي، ولهذا رأينا شعراء من هذا الزمان يلحقون أقراصاً مدمجة تحتوي على إلقائهم بصحبه دواوينهم الشعرية، والرواية لها القدرة ان تصحب القارئ الصامت في القطار والطائرة وغرفة النوم وركن الحديقة وموقع العمل المعزول، وعوضاً عن الموسيقي اللفظية أالمعنوية فالرو?ية تمنح لقارئها جواً واقعياًلإنسان يستطيع القارئ أن يعرف عنه نواقصه ومحاسنه، في مواقف قد تشبه ما يمر به بعض القراء أو تختلف.. وبهذا فقد صارت معالجة معاجة القضايا الإنسانية والإجتماعية، على تنوعها، موفورة للرواية أكثر مما للشعر.
يقال أن أغلب الأعمال الروائية الجديدة، عجولة وسطحية؟
لم يعُد الذين يكتبون الرواية كلهم أوجلهم معنيون بقراءة النصوص الرائعة للرواية العالمية، أو التخطيط الجيد للمعاني والأشكال التي يجب أن يراعيها السارد في خطته لروايته، أغلبهم الآن يكتبون لأنهم مُحبطون ولا عمل لهم ويريدون تحدي المجتمع المنافق بكشف المستور الذي يُخفى وراءه، هذه روايات سطحية وتُكتب في عجلة، وقد تثير، لكنها لا تبقى في الوجدان.
هل الرواية السودانية كشفت عن حجم المسكوت عنه في المجتمع السوداني؟
لحدٍ ما نعم .. أبكر أدم إسماعيل وعبدالعزيز بركة ساكن وبعض من أمثالهم سعوا إلي هذا الهدف، لكن الذي لا أفهمه هو .. هل كشف المسكوت عنه يؤسس لإبداع جيد؟ قضايا المجتمع هي عملية توازن نعطي فيه للمسكوت عنه عشرة في المائة من إهتمامنا، ونهتم في باقي الوقت بالمعايش والراحة وإقتناص الحكمة التي نُدير بها شئوننا الحياتية في معمعة الرغائب المتعارضة،
الذين أعطوا للمسكوت عنه حجماً أكبر مما يستحقه لم يكسبوا تقديراً أدبياً عالمياً مثل سواهم، وأستطيع أن أسمي.. ديفد هيربرت، لورنس ضريل،هنري ميلر، ألبرتو مورافيا، فرانسوا ساجان، فلادمير نابكوف، وسواهم.
هل وجدت القارئ الذي تبحث عنه؟
نعم.. هم أقلية ولكنهم يكفونني للإشباع الوجداني الذي يجعلني راضياً عن الكدح في الكتابة، القارئ الذكي يستمع للناقد الذكي، وقد يعيد القراءة فيكتشف لنفسه، ويتوسع الإهتمام.
توظيف الأسطورة الكونية والمحلية في كتاباتك؟
لقد قرات للدكتورة آسيا محمد وداعة الله واحمد ضحية بعض إكتشافات أسعدتني في هذا الجانب، إستخدام الكُتّاب المسلمين للأسطورة الكونية محدود جداً، لكن إستخدامنا للأسطورة البطولية قد تُشعر القارئ بأن البطولة ليست إلا مزيدا من الجهد والصبر، وهذه حالة يحتاجها المجتمع بإستمرار، ولا إستغناء عنها لحفظ كرامتهم.
هل الماضي ضرورة لفهم الحاضر، في الكتابات الروائية؟
الماضي ذاكرة ضرورية للإعتبار ولفهم الحاضر إستعدادا لقرارات مؤثرة في المستقبل، لذلك لا تعدم قصة قصيرة او رواية بُعداً ماضوياً، وكما قال: عمر بن الخطاب( فهم الإسلام يستدعي معرفة ما بأحوال الجاهلية) الروايات السودانية المزكورة في التاريخ مثل ( أحوال المحارب القديم) لحسن البكري، و(مهر الصياح) لأمير تاج السرهي مفاتيح لفهم عالمنا السوداني ، ونحتاج لكثير منها.
لماذ أخترت الكتابة السردية كطريقة تعبير تخصك؟
أظنني وعيت مُذ كنت في المرحلة المتوسطة بالفاشر بأنني بمثابة سفير لأهلي، ولما كنت لا أنظم الشعر، ولحدٍِ ما اتقن الحكي بشهادة أصدقائي مثل حامد علي محمد نور، فقد أكثرت من المطالعة في السرديات، وقد أكتشفت منذ المرحلة الثانوية بان الحياة التي يعيشها أهلنا تستحق مثل غيرها أن تدون في السرد، فهي حياة إنسانية ثرية وكريمة، والذي نحتاج له حتى نُحقق ذلك.. هو مجرد التتلمذ بقوة على فنيات الإبداع السردي.
في رائيك .. ما الفرق بين التاريخ الرواية؟
التاريخ هو وقائع جاءتنا منها نتفاً من الأخباريات، الكثير منها منحازة وغير صادقة، لكن أشرّ ما في التاريخ هو إغفاله لدور الناس العاديين في الحياة لتلك العصور.. السلطان علي دينار جمع أتباعه بضعه ألاف وأتجه بهم إلي دارفور وأخضع كل منافسيه وبسط نفوذه على أرض أسلافه من سلاطين الفور ثم تحالف مع تركيا وواجه الإنجليز حتى قُتل ، فأين أغمار الناس الذين صحبوا السلطان كل هذه السنين؟ أن دور الرواية هي أن تمنحنا
حيوات أولئك الأغمار من الناس، في رواية مثل( وبال في كلمندو) يستطيع القارئ أن يعرف الكثير عن جابر ود المقدوم وعن الزاكي ولد بخيت، وبطولات أسلافهم وسط جماهيرهم، التاريخ قد يخدم الرواية، ولكن الرواية إنما تعّوض عن التاريخ أو تسد منه الثغرات.
في بداياتك كيف كنت تفكر.. في الشهرة أم النجاح أم إيصال الرسالة فحسب؟
لا أظنني كنت مهتماً بالنجومية في أية مرحلة من حياتي ..بل أنا ( أتكسف)إذا ما واجهتني لحظة إهتمام بشخصي، لكن النجاح أمر مرغوب جداً، هو تحقيق لهدف، وإنجاز، وإشباع للذات المتطلعة للنفع العام، وكما قلت في الإجابة على السؤال الثامن عشر .. فأن تُسفر عن أهلك هو أن تؤكد أهليتهم كبشر مؤهلين للإنسانية، وأظن أن ايصال الرسالة هو مرحلة فوق ذلك، حينما تستطيع التعبير عن مواطنيك ، واخوتك في الدين والحضارة .. فتعطي لكل هذه الدوائر شعوراً بالإستحقاق ، ذلك مطمح مطلوب ومشتهى مهما تصعب النوالات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.