اندلاع الثورات العربية لازال يثير جدلا اقليميا ومحليا لا ينتهي، فرغم وجود اجماع داخلي على مسببات الربيع العربي فان هنالك خلافا بين مكونات الساحة السياسية السودانية على تداعياته على الاوضاع فى البلاد، فالحزب الحاكم ظل يؤكد ان بلادنا دخلت ربيعها الخاص فى يونيو من العام 1989، بينما تحذر المعارضة من امواج المد القادمة عبر الحدود والحواجز التي تهاوت، والآليات العربية الرسمية التي قوضتها شعوب المنطقة، مشيرة قبل ذلك الى ان تاريخ النضال المعاصر للشعب السوداني، ما بعد الاستقلال، ثر بالفعل الثوري، والذي نتج عنه سقوط?اثنين من الانظمة السياسية بقوة الشعب، من خلال ثورتي اكتوبر 1964م التي اطاحت بنظام عبود العسكري، وثورة السادس من أبريل 1985م التي اسقطت نظام الرئيس جعفر نميري. لكن الأوضاع في السودان في الوقت الراهن تبدو ساكنة، إذ كانت هنالك عدة محاولات للتظاهر دون أن تجد حظا من الاستجابة، فهل يفتقر السودان فعلا الى مقومات الثورة التي توفرت في البلدان العربية ؟ ام ان الامر كما يراه الحزب الحاكم ؟ انه بعيد عن المد الثوري الذي يجتاح المنطقة العربية، ورياح التغيير العاصفة التي أطاحت بأعتى الأنظمة وأقواها أمنيا، ولاتزال اخرى ?ترنح واخيرة بدأ عرشها يهتز. وعلى الرغم من وجود هذه النماذج الحية الماثله امام النظام الحاكم في السودان يجئ حديث نائب رئيس البرلمان، والقيادي في حزب المؤتمر الوطني، هجو قسم السيد، عن وضع خطة كاملة للتعامل مع اية ثورة مشابهة لما يجري في ليبيا او سوريا واليمن، قاطعا بأن ما يواجه السودان الآن لا يدخل ضمن الربيع العربي وانما يمثل حربا لاستئصال السودان نفسه وقال هجو للصحافيين بالبرلمان قبل يومين ان السودان مختلف عن ليبيا وسوريا واليمن، وزاد (اذا حدث ما يجري بالدول العربية فنحن جلسنا ووضعنا المعالجات والرؤى والسياسات لمواجهته)، الا ان ما طر?ه المؤتمر الوطني على لسان هجوعده آخرون مغالطات . المحلل السياسي عوض السيد الكرسني، يقول في حديث خص به (الصحافة) لايوجد من هو بعيد عن هذه الثورات وهذه مجرد مغالطات، لان الواقع فى البلاد الآن كفيل بتفجير ثورة شعبية. واشار الى ان الفساد المستشري والغلاء وتدني البنية التحتية العامة وما يعانيه الناس من ضيق فى العيش، سيؤدي الى تفجير الاوضاع . ويدعم ما قاله الكرسني محلل سياسي آخر رأى ان انكار الشواهد الموجودة لن يفيد البلاد ، حيث اشار الدكتور الحاج حمد محمد خير الى ان استمرار انظمة مثل التي حكمت تونس ومصر وليبيا لعقود طويلة لم يجنبها كل جبروتها وقبضتها مد الثور?ت العربية على الاوضاع المذرية التي تعيشها الشعوب في المنطقة ولم تشفع لها تراجعاتها واصلاحاتها اللحظات الاخيرة، واضاف الحاج حمد انه لايوجد حزب سياسي حاكم بعيد عن التحولات السياسية الشعبية، لافتا الى ان المؤتمر الوطني يبحث الآن عن تأمين نفسه من تداعياتها، غير ان القيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور ربيع عبد العاطي ينأى بحزبه عن تلك التحولات التي اجتاحت المنطقة العربية قائلا: الثورات العربية اندلعت ضد طغاة تحكموا في الشعوب ومواردها وثرواتها ، ولكن الوطني يحمل تفويضا شعبيا من خلال الانتخابات الاخيرة كما انه يملك فك?ا حزبيا وكوادر مؤهلة وقواعد جماهيرية، وهذا هو الفرق بين الوضع في السودان والوضع في الدول الاخرى التي ثارت شعوبها، واكد عبد العاطي على ان التصريحات هذه تعبر عن الحقيقة ووصفها بأنها تشخيص صحيح للواقع، وكذلك يؤكد نائب رئيس البرلمان بان الوضع في السودان مختلف عن الدول التي اجتاحتها الثورات العربية وان حزبه يتمتع بقبول وشرعية في حكم البلاد ، وكشف عن تدابير قال ان حزبه تحوط بها من ثورة مشابهة في السودان، ورغم انه لم يوضح ماهية هذه التدابير التي يمكنها ان تكفي الوطني شر هكذا ثورات، الا إن المحللين يقللون من قدرة?اي تدابير على احتواء اوضاع مشابهة ، وهذا ما امن عليه المحلل عوض السيد الكرسني، قبل ان يضيف: ان القضية ليست وجود تدابير وانما تقديم حل عاجل للمشكلات التي ربما تؤدي الى اشعال المظاهرات والتي اضحت من الاشياء التي تنتقل بسرعة جنونية، بيد ان المحلل السياسي رأى ان القضية لا تمس الحزب الحاكم وحده وان تعذر مسيرة الحوار بين قوى المعارضة والحكومة سيقود الى مآلات خطيرة . ولم يذهب الحاج حمد بعيدا فقد اشار بكل وضوح الى ان المعيار الذي يحكم على الوطني في المرحلة القادمة هو ممارسته السياسية، معتبرا ان امام الحزب الحاكم طريقان فقط ليسلكهما، اولهما طويل اساسه الديمقراطية الحقيقية والشفافية والثاني قد اختاره الوطني رغم انه الاقصر وقوامه الاعتماد الكلي على الاجهزة الامنية والشرطة ومسيل الدموع .! ، وزاد الحاج حمد : يبدو ان تحوطات الوطني ومخططاته لاتتجاوز هذا الامر، لافتا الى ان قياداته السياسية تتعامل مع المجريات بطريقة (رزق اليوم باليوم) . وكلام المحللين السياسيين في هذه النقطة م?دود كما يعتقد الحزب الحاكم، فالقيادي بالوطني ربيع عبد العاطي يشدد على ان الشعب السوداني يعيش ربيعه منذ فترة طويلة وان ما يجري في المنطقة ربيع شعوب انتظرت طويلا حلوله، ويوضح ربيع ان التدابير التي تحدث عنها هجو لاتخرج عن الاطار الشعبي والجماهيري أكثر مما هي قوة مادية قاهرة، لذلك فإن الجماهير بفعل تلك التدابير والجهود من حزبه تحمل الآن فكر المؤتمر الوطني ورؤيته لكيفية ادارة البلاد . ويبدو مما تفضل به محدثونا ان البون شاسع بين الطريقة التي ينظر بها الحزب الحاكم الى تطورات الساحة العربية وتداعياتها الداخلية، والطريقة التي يري فيها الآخرون مايحدث من مجريات امور، ويبقى الرهان على تطابق وجهات النظر السودانية المختلفة حول هذا الامر رهان الشعب السوداني على المستقبل .