يعتقد الحاج حامد ضوينا أن ولايته مظلومة من المركز ومهضومة الحقوق، ويقول إن شمال كردفان تتمتع بامكانيات دولة، ويؤكد أن مواطنيها يرزحون تحت ظروف حياتية بالغة التعقيد، وما يعتقده الحاج ضوينا يشكل قناعة لدى الكثير من سكان الولاية الاستراتيجية الذين باتت نظريتا المؤامرة والاستهداف تتحكمان في عقلهم الجمعي، وقد تكون قناعاتهم بترصد المركز لهم خاطئة او صائبة، لكن ان الواقع يؤكد أن هذه الولاية الغنية بمواردها الضخمة التي لا تتوفر في معظم دول الجوار الافريقية والعربية، تعاني على الاصعدة كافة. والارقام التي تحصلت عليه? «الصحافة» تكشف ثراء الولاية، وفي ذات الوقت تشير الى ان كل الحكومات المتعاقبة بما فيها الانقاذ فشلت في استغلال هذه الموارد الضخمة. ولاية شمال كردفان التي ظل مواطنوها يجهرون بمر الشكوى من انعدام الخدمات وتردي الاوضاع المعيشية والخدمية رغم أنها تختلف عن كل ولايات السودان الاخرى بامتلاكها لكل انواع الموارد، لم تجن من وراء هذه الخيرات التي تزخر بها فائدة تذكر تحسب لصالح مواطنيها، وذلك لعدد من الأسباب. وبعض الخبراء يشيرون إلى أن عوامل مثل عدم الاستغلال الامثل للموارد وضعف البنيات التحتية وضعف الانتاج والانتاجية وعدم توفر الجودة وغيرها من العوامل المباشرة، وقفت وراء عدم الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة، وبعيدا عن كل ذلك دعونا نلقي الضوء ?لى محور مهم، وذلك لتأثيره على كل مناحي الحياة، وهو محور المياه التي ظلت تشكل هاجسا يؤرق مضاجع سكان كردفان منذ عقود طوال مضت، ولم يذهب هذا الهاجس رغم تدفق البترول وضخه لموارد مالية جيدة لخزانة الدولة كان من الممكن إذا تم توجيهه نحو استغلال الموارد المائية بالولاية أن تودع مربع العطش، وهذا ليس هو الأمر المهم، بل أن الحقيقة تشير الى ان كردفان تملك مخزوناً ضخماً من المياه غير مستغل ولم يتم تفعيله للاستفادة منه، والارقام التي لا تكذب ولا تتجمل تشير الى هناك ثمانية مصادر للمياه بالولاية، وهي: حوضا بارا وام روابة? الجوفيان، وتقدر سعة المياه الموجودة فيهما حسب دراسات علمية ب 15 مليار متر مكعب من المياه الصالحة للشرب، والحوض النيلي الصحراوي وسعته التخزينية 37 مليار متر مكعب، والحوض الصحراوي النوبي وسعته 31 مليار متر مكعب، اما حوض النهود ففي جوفه يوجد 14 مليار متر مكعب من المياه الجوفية، وهناك 20 مليار متر مكعب في حوض الاضية صقع الجمل ود بندة، اما الوديان والخيران التي تغطي 45% من مساحة الولاية الكلية البالغة 244 كيلومتراً مربعاً فهي تمتليء في الخريف بعشرة مليارات متر مكعب، وتقدر كمية الامطار التي تهطل سنويا على الول?ية بخمسة مليارات و500 الف متر كعب، وهي تزيد على ربع حصة السودان في مياه النيل، وهناك مياه خور ابو حبل التي لا يستفاد منها، ورغم كل هذه الموارد الا ان المستغل منها لا يتجاوز 10%، لتظل الولاية رغم ما تمتلكه من مصادر مياه لا تتوفر في كل دول الخليج، تعاني العطش فأين الخطأ؟ وللتأكيد على أنها ولاية غنية وفي ذات الوقت فقيرة، تحدثنا الارقام عن أن الولاية تمتلك ثروة حيوانية تقدر ب 25 مليون رأس من الماشية تعادل ربع ما يمتلكه السودان بعد الانفصال، ويوجد بالولاية 22 مليون رأس من الضأن و700 ألف رأس من الجمال و464 الف رأس من الأبقار و2 مليون و500 الف رأس من الماعز، ووصلت مساهمات الولاية في صادر الهدي عام 2008م الى 80% من جملة صادرات البلاد، وفي عام 2009م صدرت 2 مليون رأس من الماشية، وخلال العام الماضي والحالي تقدر نسبة الماشية التي تم تصديرها بثلاثة ملايين رأس تعادل 50% من الصادر ال?ومي، وثروة شمال كردفان الحيوانية تعادل ضعفين ونصف الضعف ثروة هولندا المصنفة بأنها أكثر دول العالم تصديرا لمنتجات ومشتقات الحيوان، ورغم هذه الثروة الضخمة تقدر نسبة الفقر بالولاية ب 44%. والمفارقة أن سعر كيلوجرام اللحم لا يختلف بأسواق الولاية عن سعره بالولاية الشمالية التي لا تملك 10% من ثروة شمال كردفان الحيوانية. والولاية التي انتجت في الموسم الماضي 350 الف طن من الحبوب ويوجد بها 426 الف فدان من الغابات تنتج 80% من صادر السودان من الصمغ العربي، تعاني الفقر، وفي ذات الوقت تفتقد الى مصادر الدخل، وقدرت نسبة العاطلين عن العمل ب 25% من مجموع السكان، واسباب البطالة المستشرية تعود لاسباب كثيرة ابرزها توقف 80 مصنعاً عن العمل، منها 43 مصنعاً للزيوت في مفارقة تبدو غريبة، رغم ان الولاية تعتبر اكبر منتج للحبوب الزيتية، كما توقفت خمسة من مصانع الدقيق والشعيرية وكل مصانع الملابس الجاهزة والسفنجات، علماً بأن المصانع في الولاية ت?لغ 138 مصنعاً، وعلى صعيد المعادن فقد أثبتت مسوحات ودراسات قامت بها وزارة التعدين وجود كميات مقدرة في معظم أنحاء الولاية، ومن هذه المعادن: الرخام، الحجر الجيري، المايكا، الجرافي، القراني، الجبص، الفلورسبار، الكوارتز، النحاس، الزنك، الحديد، الفضة، الذهب والفلورايد، وتزخر المناطق الشمالية بالولاية بمعدن الذهب الذي يقدر انتاجه في اليوم بعشرين كيلوجراماً. ويرى مراقبون أن الحكومات التي تعاقبت على حكم الولاية خاصة في عهد الانقاذ، ركزت على العمل السياسي ولم تتجه ناحية استغلال موارد الولاية، ويشير هؤلاء الى ان الثروة الحيوانية الضخمة التي تتمتع بها الولاية لم تجد المشاريع العلمية التي تتيح للسكان الاستفادة القصوى منها، مستشهدين بعدم وجود مراعٍ منظمة ورعاية صحية للماشية وغيرها من المعوقات، ويؤكدون أن قطاع الماشية يمضي دون بصمات من الدولة وحكومة الولاية، وفي اتجاه آخر يعتقد المواطن عبد الجبار إبراهيم أن المياه الموجودة بكردفان كافية لشرب الانسان والحيوان وري النب?ت ولكنها لم تستغل، وتحسر على مياه الامطار التي «تشربها» الرمال دون أن يكون هناك برنامج لحصادها، كما تأسف على مياه خور أبو حبل التي قال إنها اذا وجدت اهتماماً من الدولة وحكومة الولاية لكفت شمال كردفان وجنبتها مخاطر العطش، وتساءل عن عائدات الذهب والثروة الحيوانية. وتساءل مواطن آخر يدعى عبد الرحمن محمد آدم عن نصيب الولاية وفائدتها من صادرات الماشية والصمغ، واضاف: «حتى اذا كانت الولاية قد تستلمها فأين ذهبت؟» وقال إنه ليس من المنطق أن تتوقف معظم مصانع الزيوت في الولاية. والارقام تؤكد ثراء ولاية شمال كردفان التي تتمتع وبشهادة خبراء بمقومات وامكانيات دولة ولكنها فقيرة في ذات الوقت، ويرجعون السبب الى غياب الخطط والرؤى العلمية من جانب المركز وحكومة الولاية، ويتساءلون: «متى يرتاح مواطن شمال كردفان من المعاناة ويستفيد من موارده الضخمة؟».