تعتبر ولاية النيل الأبيض من أوائل الولايات بالسودان التى شهدت إنشاء مصانع للنسيج، وذلك منذ سبعينيات القرن الماضى عندما قررت حكومة مايو قيام مصنعي نسيج الدويموكوستي، حيث ظل هذان المصنعان يعملان وينتجان قماش الدمورية وبكميات كبيرة كانت تغطى الاستهلاك المحلى، بل وأحيانا يتم بيعم الفائض بالخرطوم وبعض المدن الأخرى. وهذان المصنعان كانا يستوعبان عدداً كبيراً من العمالة، ويكفلان مئات الأسر التى كانت تقتات من دخلهما ولعشرات السنين، حتى جاءت حقبة التسعينيات من القرن الماضى التي شهدت بداية التدهور الحقيقى للمصنعين حتى توقفا عن العمل تماما، ولينتج عن ذلك تسريح المئات من العمال والذين أصبحوا بدون عمل ويعانى الكثير منهم جراء ذلك، ومنذ تلك الفترة تلقوا الكثير من الوعود بإعادة تشغيل المصنعين إلا أنها لم تر النور، ليسيح العاملون فى الأرض بحثاً عن مصدر آخر لرزق يعولون به أسرهم. وبعد تسلم عثمان الدقير وزير الصناعة السابق ومعه المهندس علي أحمد عثمان زمام أمر الوزارة قبل عدة سنوات، سعى هذان الرجلان وبجدية من أجل إعادة الحياة إلى مصنعى نسيج الدويم وكوستى، وذلك بإجراء دراسة وافية حول كيفية إصلاح حالهما بعد سنوات من النسيان والركود، ليصلا لقرار بعد الدراسة ، وهو أنه لا بد من تغيير الماكينات التى تستخدم فى عملية النسيج بسبب قدمها وعدم مواكبتها للتطورات التى حدثت فى مجال صناعة النسيج، إلا أن العمل كان يسير ببطء شديد مما تسبب فى تأخر تركيب الماكينات الجديدة، حتى جاء عهد الوزير الحالي عوض?الجاز الذى أولى أمر مصانع النسيج اهتماماً كبيراً وبذل جهودا كبيرة لإعادتها إلى دائرة الإنتاج، وذلك بعد الاتفاق مع شركة هنيدة وهى شركة «لكى أسبورت». أحد المهندسين المشرفين على عملية التركيب «فضل حجب اسمه» أكد أن هنالك جدولاً زمنياً للانتهاء من تركيب الماكينات، وقال إن العمل من المفترض وحسب الجدول الزمنى أن يكتمل بنهاية هذا العام بالنسبة لمصنع كوستى، مشيراً إلى أن العمل فيه قد قطع شوطا كبيرا، وأبان أنه عند الفراغ من العمل فيه ستنتقل الشركة إلى مصنع الدويم الذى قال إن العمل فى تركيب ماكيناته سيكتمل في بداية العام الجديد، وأكد في ختام تصريحاته ل «الصحافة» أن الوزارة ظلت تتابع العمل بكل من الدويم وكوستى من خلال الزيارات المتواصلة وتذليل العقبات التى تطرأ?من حين لآخر. نقابة عمال مصانع النسيج ظلت تتابع للعمل بمصنعى نسيج الدويم وكوستى، حيث قامت خلال الفترة القريبة الماضية بزيارتهما بوفد ترأسه عثمان منوفلى رئيس النقابة الذى أقر بأن هنالك خطوات جادة لتأهيل المصنعين، مشيرا إلى أن العمل بمصنع كوستى اكتمل بنسبة 85%، وأن ما تبقى يخص الجانب الفنى وأكد أن العمل التجريبى للمصنع سيكون قريباً. وبالنسبة لمصنع نسيج الدويم أكد منوفلى أن العمل فيه سيكتمل خلال فترة لا تتعدى الثلاثة أشهر، مشيراً إلى أن الشركة الهندية تبذل قصارى جهدها حتى يكتمل العمل فى الفترة المحددة، وأشاد بالجهود التى تبذلها وزارة الصناعة لإعادة المصنعين للعمل بعد توقف قال إنه دام سنوات طويلة. ومن ناحيته أكد دكتور أزهرى محمد رئيس لجنة قطاع الغزل والنسيج بوزارة الصناعة أن العمل فى تأهيل مصنعى نسيج الدويم وكوستى يسير بصورة جيدة، وقال إن العام المقبل سيتم فيه تشغيل مصنعى الدويم وكوستى ومصنعين آخرين. بعض خبراء الاقتصاد وصفوا عملية تأهيل مصنعى نسيج الدويم وكوستى بالمهمة، حيث أكدوا أن تشغيلهما يعنى أن هنالك مئات من الشباب سيستفيدون من فرص العمل التى ستتوفر بعد بدء عملية التشغيل، وأن ذلك سينعش الحركة الاقتصادية بالمنطقتين، وقالوا إن استبدال الماكينات القديمة بأخرى حديثة سيضمن استمرارية عمل المصنعين لفترة طويلة، وطالبوا بأن يمتد التأهيل إلى بقية مصانع النسيج الموجودة بالسودان وفى مقدمتها مصنع نسيج شندى ومصنع الصداقة بالحصاحيصا، وكذلك مصانع الغزل بالحاج عبد الله وغيرها. الكثير من العاملين السابقين بمصنعى نسيج الدويم وكوستى عبروا عن فرحتهم بما يجرى من عمل بالمصنعين، وطالب بعضهم بإعطاء الأولوية في التعيين بهما للعاملين السابقين، مشيرين إلى أنهم أكثر دراية بطبيعة العمل فى مجال النسيج، وأشادوا بوزارة الصناعة لسعيها الجاد لإحياء صناعة النسيج، مشيرين إلى أنها تساهم بمنتجاتها فى سد حاجة المواطنين من الأقمشة غير المتوفرة خارجياً. ويشير العامل محمد حامد عبد الله الى ان من الاسباب المباشرة لتفشي الفقر بولاية النيل الابيض ضعف فرص العمل وتراجع مردود الزراعة، وقال إن إعادة تشغيل مصانع?النسيج من شأنها توفير فرص العمل لعدد كبير من الشباب، عطفا على اعادتها الحياة لقطاع الزراعة الذي سيعمل على العودة الى زراعة القطن لتغطية حاجة المصنعين، واكد أن في ذلك خيراً كثيراً للبلاد والولاية، وأشار إلى أن استيراد الملبوسات من الخارج يخصم كثيراً من مكانة السودان، ويعد أمراً غير منطقي لجهة توفر كل مدخلات هذه الصناعة بالسودان. الخبير الاقتصادي الفاضل عثمان ينظر إلى الأمر من زاوية أخرى، ويعتقد أن خطوة الحكومة بإعادة تشغيل المصانع اعتراف غير مباشر بالخطأ الذي وقعت فيه حينما أهملت هذا القطاع الحيوي والفعَّال، وقال إن تدارك الخطأ يحسب لصالح الحكومة، بيد أنه طالب بتوضيح وضعية هذه المصانع التي ستعود على العمل، ويضيف: «هل ستكون تابعة للدولة أم القطاع الخاص أم شراكة؟ وفي كل الأحوال يجب أن تحظى العمالة المحلية بفرص واسعة في العمل، عطفاً على أهمية تشييد مصنع أو مصنعين للملبوسات أسوة بسوريا ومصر، خاصة في ظل توفر المواد الخام، وبصفة عامة أت?نى ألا تكون الإعادة للاستهلاك السياسي».