ًَ٭ الزائر لمثابة المركز العام للمؤتمر الوطني، يلحظ حركة وحيوية ونشاطاً، بين جنباته، ويبدو أن الحركة التي تدور في «الأروقة» أكبر وأقوى من تلك التي تدور في القاعات. ٭ كل الممرات و«Corridors» تغلي وتفور، والدماء الحارة والأصوات القوية في كل ركن وجانب. ٭ وهذا يعني أن المؤتمر الوطني، موعود بمؤتمر، ربما إختار الناس قياس درجة حرارته على مقياس ريختر. ٭ فالمقاييس المعتادة لقياس حرارة مؤتمرات الأحزاب في السودان تعطلت بسبب «عدم الاستعمال»، وإن وجد منها واحد، في إحدى أضابير الأحزاب العتيقة، فمن الصعوبة الإحتكام إليه، إعتراه الصدأ وإكتسى بالغبار، وأحكم النسيان قبضته على تدريجه وتقاسيمه. ٭ أحزاب سودانية، تخلت عن فكرة عقد المؤتمر، متعللة بأسباب أوهى من خيط العنكبوت، وصارت تتحايل على انعقاد مؤتمراتها العامة بمؤتمرات «ما أنزل الله بها من سلطان»، لا هي عامة ولا هي خاصة، لا هي إجرائية ولا هي تنشيطية، لا هي ذات شرعية ولا هي زاهدة في إتخاذ التدابير والإجراءات، ولا لهذه المؤتمرات أدنى علاقة بالقواعد، مرعية كانت أو جماهيرية. ٭ مؤتمرات «مقطوعة من الرأس»، و«مقطوعة الدابر»، و«منبتة» لا ظهراً أبقت ولا أرضاً قطعت. ٭ إختارت أحزاب سودانية، فكرة «الإعلان عن قيام المؤتمرات»، بديلاً لفكرة قيام المؤتمرات نفسها. فظللنا سنينا عددا نسمع عن المؤتمر الفلاني، في الموعد العلاني، ثم يأتي الموعد العلاني فلا يقوم المؤتمر الفلاني، ثم يحدد موعد آخر، ويأتي الموعد و«كأن الأمر لا يعنيهم»، ثم يحدد موعد ثالث، وهكذا دواليك. ٭ كل الزعماء والقيادات تؤكد على أهمية عقد المؤتمر وإكتمال الترتيبات كافة لانعقاده، لكنها في واقع الحال تكتفي بهذا التصريح والإعلان، عن فكرة قيام المؤتمر نفسه. ٭ ويبقى حزب المؤتمر الوطني «إستثناء» من هذه القاعدة، فهو الحزب الوحيد الذي استطاع أن يخرج على ما تعاقدت عليه هذه الأحزاب. ٭ وها هو المؤتمر الوطني، علاوة على مؤتمراته السنوية والاجرائية يعقد مؤتمراً تنشيطياً، لتفعيل العضوية ومناقشة القضايا الحيوية. ٭ وتأتي أعلى أجندة المؤتمر التنشيطي: تغيير النظام السياسي، والقضايا الاقتصادية والاجتماعية، والسياسة الخارجية، والعلاقة مع دولة الجنوب. ٭ وفي تقديري أن هذا المؤتمر التنشيطي، يكتسب أهميته، من كونه أول مؤتمر عام بعد قيام دولة الجنوب، مما يعني أنه سانحة لتقييم مرحلة كانت مفصلية في تاريخ البلاد. كما أن المؤتمر يعتبر أول لقاء جامع للنظر في هيكلة الحزب، والنظام الأساسي، بعد المفاصلة التاريخية، للاسلاميين في الرابع من رمضان 1420ه. ٭ وسبق المؤتمر التنشيطي مؤتمرات في الولايات، ولقاءات حزبية قطاعية ونوعية، ونقاشات وسط العضوية. ٭ و«إذا كان الخريف اللين من رشاشو بيِّن»، فليس من المستبعد ولا من المستغرب، أن تقاس حيوية هذا المؤتمر التنشيطي بمقياس ريختر، ومن الواضح أن له ما بعده.