لم يشد انتباه المختصين في الاقتصاد وعامة الشعب السوداني بصورة عامة كشف تقرير المراجع العام عن ارتفاع حجم الاعتداءات على المال العام بقدر ما أثار من الأسئلة الموضوعية عن جدوى تقديم وتدبيج التقرير كل عام دون أن يحس الناس أن ثمة متابعة لتوصياته وحساب وعقاب للمتجاوزين والمنتهكين للمال العام وتباينت رؤاهم حول جدوى تقديم التقرير كل سنة دون أن يجد المتابعة والمحاسبة وأن يحس العامة بدوره في الحد من الفساد واستشرائه لدرجة طالب فيه بعضهم بعدم تقديم التقرير في ظل افتقاره لآليات المتابعة فيما خالفهم آخرون الرأي بضرورة?وجود المراجع العام لجهة أن عدم وجود متابعة لمخرجات تقاريره لا يلغي دوره. ودعا الخبراء لإعادة النظر في الهيكل الاقتصادي والإداري وإبعاد القوى السياسية عن التدخل في الصرف والتمويل. وأبان التقرير الذي قدمه المراجع العام الطاهر عبد القيوم أمام البرلمان اول من أمس ارتفاع حجم الاعتداءات على المال العام في الفترة من سبتمبر 2010 وحتى أغسطس من العام الجاري إلى 9.94 مليون جنيه منها 5.04 مليون جنيه بالولايات مقارنة ب3.8 مليون جنيه عن الفترة ذاتها التي سبقته، و4.9 مليون جنيه حجم المبالغ غير المستردة من المال العام في الأجهزة القومية لذات الفترة. وأوضح المراجع أن حجم المبالغ غير المستردة من المال العام في الأجهزة القومية للفتر ذاتها بلغ 4.9 مليون جنيه مقارنة بمبلغ 16.4 مليون جنيه صافي المبلغ غير المسترد لقضايا العام السابق 2009/2010، وأكد أن نسبة الاسترداد في الفترة من 2010 وحتى 2011 بلغت حتى تاريخ إعداد التقرير 230 مليون جنيه مقارنة ب74% خلال الفترة التي سبقته، وأكد أن ما تم استرداده من المبالغ المعتدى عليها بالولايات 609 آلاف جنيه بنسبه بلغت 12%، وكشف التقرير عن جملة المخالفات المالية بالولايات من سبتمبر 2009 وحتى أغسطس 2011 والبالغة 14.4 مليون ?نيه استرد منها 493 ألف جنيه. ويرى الخبير الدولي الدكتور التجاني الطيب أنه لا جدوى من تقارير المراجع العام في ظل عدم المحاسبة والمتابعة لما يصدر فيها من توصيات، ويضيف التجاني أن عدم إنزال العقاب على المتجاوزين لحمى المال العام يقود إلى تكرار التعدي عليه في ظل الافتقار إلى القوانين والضوابط الصارمة. ففي الصين مثلا عقوبة التعدي على المال العام الإعدام وفي السودان رغم الإدعاء بتطبيق القوانين الإسلامية لم يسمع أحد أن شخصا تعدى على المال العام قطع أصبعه حتى، وزاد أن كل العالم لديه قوانين ومؤسسات لمحاربة الفساد، وتساءل التجاني: العقاب للمفسد?ن والمختلسين وأين ذهب غير المسترد من الأموال المستلبة، وأبان أن المخرج من دوامة الفساد يكمن في سن قوانين وتشريعات حديثة تواكب تطور وسائل الجريمة وسبل الاعتداء على المال العام المتخفي منه والمكشوف حتى لا يصبح تقرير المراجع العام مجرد لافتة علاقات عامة. ويقول البروفيسور عصام بوب إن تقرير المراجع العام يأتي دوما بصورة مستفيضة عن حجم الاعتداءات على المال العام وكما العهد به جاء مفصلا لموقف الإيرادات وما يسميه بالاعتداء على المال العام وأنه لا تعليق عن حجم المبالغ المختلسة على ارتفاعها المتتالي سنة إثر أخرى لجهة أن المراجع شخصية اعتبارية تجري عملها بناء على القواعد الموضوعية غير أن التساؤل الرئيس بحسب بوب يكمن في جدوى التقارير ومدى فائدتها لتصحيح مسار الدولة وهي تكرر ذات الاعتداءات بالمركز والولايات وبغض النظر عن إجراءات المراجع ودقة تقريره لابد من هيكلة الق?اعات الاقتصادية والإدارية حتى تؤتي تقارير المراجعة أكلها وتصل إلى مقصودها على صهوة جواد إصلاح الهياكل الاقتصادية والإدارية التي تواترت عنها تقارير المراجعة بالنسق ذاته من السوء والتراجع جراء وجود ثغرات في التمويل وأوجه الصرف اللذين يشكلان العامل الأول المؤثر على صحة الاقتصاد في أي بلد. ويرى بوب أنه لا يمكن التحدث عن إصلاح مسار الاقتصاد بدون إصلاح داخلي هذا علاوة على أن كثيرا من المؤسسات والهيئات والمنظمات العالمية تبني قراراتها في التعامل مع البلدان بناء على ما يرشح من تقارير المراجع بها فتحرم البلد المعين?من تقديم الدعم وفقا لها، وأضاف بوب أنه إذا أريد وضع موازنة صحيحة لابد من رقابة حقيقية على أداء التمويل والصرف. وختم بأن تقارير المراجع العام إذا لم تصحبها ردة فعل قوامها المتابعة والمحاسبة وسد الثغرات التي يلج منها ضعاف النفوس لن تكون ذات جدوى. وتساءل عن وجود مؤسسات وهيئات خارج مظلة المراجع العام واعتبرها فجوة تستوجب الردم الفوري. وغير بعيد عن إفادات بوب يقول المحاضر بجامعة الأحفاد الدكتور السماني هنون إن أداء المراجعة لن يكون ذا قيمة إذا لم يجد تنفيذا لتوصياته بل إن وجود أجسام المراجعة في ظل غياب المتابعة يكون عبئا إضافيا على صرف الدولة وأن المبرر لوجود المراجع يكون ضعيفا إن لم يكون منتفيا حال عدم المتابعة والافتقار للمحاسبة، ولفت إلى ضرورة الالتفات للمؤسسات والهيئات وجميع الجهات التي تأبى وترفض الدخول تحت مظلة المراجع العام، واعتبر عدم خضوعها للمراجعة مدعاة للفساد بجانب أن عدم المحاسبة يقود إلى مزيد من الفساد ويمهد الطريق لاستشرائ? بصورة أكبر وأنكى. ودعا هنون إلى ضبط الإنفاق الحكومي وأن يكون فقط من خلال القنوات الفنية الرسمية المعروفة في عالم المحاسبة والمراجعة بعيدا عن تدخلات السياسيين الذين أسهموا بصورة كبيرة في إهدار المال العام بخلقهم بيئة جاذبة للفساد عبر تدخلاتهم الفجة، وختم هنون بضرورة أن يتبع التنفيذ الحرفي لتوصيات المراجع وإلا لن يجني منها الجميع فائدة. ويقول عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الدكتور صديق كبلو إن من واقع تكرار تقارير المراجع العام التي تنضح بالفساد كل عام ولا تجد المتابعة ولا المحاسبة للمتجاوزين يمكن اعتبار تقريره لا يعدو عن كونه عملية علاقات عامة المقصود منه تجميل وجه الدولة بأن ثمة أعين رقيبة على الأداء المالي البلاد، وتساءل كبلو عن ما بعد المراجعة؟ وأضاف أن افتقار التقارير للمحاسبة يشجع على الفساد ويغري ضعاف النفوس في انتهاك حرمات المال العام لاسيما أن التقارير تعرض للتجاوز المالي المدون في حسابات الدولة واعتبرها نذرا يسيرا من الفساد ا?ذي لا ينعكس في الحسابات مثل «إخفاء العطاءات وضعف متابعتها وتنفيذها وفقا للشروط»، ولفت إلى اختفاء الجهات الفنية التي يناط بها الإشراف على المال العام وصرفه في أوجهه الصحيحة مثل النقل الميكانيكي ووزارة الأشغال والمؤسسة العام للطرق التي غدت جميعها أثرا بعد عين ليصبح مال الحكومة سائبا دون وجيع فيصرف لمن يستحق ولمن لا يستحق مما أضاع جزءا كبيرا منه في ظل غياب الشفافية والحيدة وأسس الضبط والصرف. غير أن كبلو أبان أن وجود المراجع العام وإصداره للتقارير مسألة مهمة فلا يلغي وجوده عدم متابعة أو تنفيذ توصياته.