أجمع متحدثون بندوة «جنوب كردفان المجموعات الاثنية والتعايش السلمي في المنطقة»، التي نظمها مركز الخاتم عدلان مساء الأربعاء الماضي على عدد من المقترحات تستهدف نزع فتيل التوتر بالمنطقة ،منها تسوية الخلافات السياسية على المستويين المحلي والاقليمي، والتزامات قائمة على فرض هيبة الدولة وحكم القانون، والسيطرة على السلاح المنتشر وسط المواطنين، بالاضافة الى تنمية الموارد وتنظيم استغلالها بالطرق التي تعمل على تنمية المنطقة وترقية حال المواطن. ابتدر الحديث الاستاذ مكي علي بلايل رئيس حزب العدالة، وتناول التركيبة الاساسية لسكان منطقة جبال النوبة التي تتكون من عدد من القبائل وباعتبار قبائل النوبة المكون الاساسي وقسمها احد علماء اللغة البريطانيين الى 10 مجموعات، بالاضافة الى المجموعات العربية كالحوازمة والمسيرية والكواهلة ومجموعات قادمة من الغرب الأقصى من دارفور وما بعد دارفور من قبائل البرقد والمساليت وغيرهم ومجموعة الجلابة التي تعتبر صغيرة نسبيا مقارنة مع المجموعات السابقة ولكن لها تأثيرها وثقلها السياسي والاقتصادي، لكنها وجدت في منطقة واحدة انتجت?مجتمعا جديد تطغى عليه صيغة فريدة فالعلاقة التاريخية لم تدخل من جهة واحدة وذلك لأن العلاقات في الماضي لا تأخذ الطابع العنصري، وعندما دخلت هذه الجماعات اقامت علاقات مع النوبة الذين كانوا موجودين منذ امد بعيد في المنطقة قرب جبال نوبة، وانصهرت مع بعضها وكان النشاط الرئيسي لهذه المجموعات الزراعة مع ممارسة الرعي باعتبار القبائل العربية كانت تتخذ رعي الابقار كحرفة اساسية وجرت التحالفات لتضفي طابعا اخر الى هذه العلاقات فكانت احيانا تقام بين القبائل العربية الجنوبية في مواجهة قبائل احيانا تكون عربية واحيانا نوبية ?ي الحروبات التي تحدث بينهم. ومن أجل العيش المشترك تكونت اعراف مثل الديات في جريمة القتل حيث كانت ثقافة الديات غائبة في ثقافة النوبة ولكن موجودة في ثقافة العرب فاتفقوا عليها من اجل تسهيل الحياة فكانت الدية تأخذ في حالة قتل شخص من النوبة عن طريق شخص عربي تأخذ 30 رأسا من الابقار لان العرب يملكون ابقار كثيرة ويأخذ 15 رأسا من الابقار في حال ان قتل شخص نوبي آخر عربي لأن النوبة لا توجد لديهم ابقار، امتد هذا العرف ليشمل مسائل كثيرة أخرى حتى في حال وقوع مشكلة بين النساء النوباويات والعربيات، فاذا قلعت نوباوية شعرة من رأس العربية يأخذ منها جن?ه واما اذا حدث العكس يأخذ من العربية 5 جنيهات حسب العرف السائد، في ظل هذا الجو نشأت علاقات جيدة بين العرب والنوبة والقبائل الأخرى بالنوبة وتزاوجوا. فالحراك السياسي منذ ايام الحركة الوطنية شهد التفافا حول مصالحهم المشتركة اذ كانوا موالين لحزب الامة فبعد اكتوبر وتكوين اتحاد عام جبال النوبة ظهر ان مصالحهم مشتركة.. وكانت هذه السياسة تدخل تدريجيا لاحلال التباعد بين هذه المجموعات خاصة بعد وصول الاسلاميين الى سدة الحكم، السياسة ظلت تدخل تدريجيا في خلق التباعد بين المجموعات الرئيسية نسبة لان بالمركز مجموعات اسلامي? وعربية لا تأبه لمشكلات المجموعات الاخرى وهي تسيطر على السلطة. وهنا بدأت الحركات المسلحة تظهر شيئاً فشيئا في جبال النوبة وفي خريف 1985 تفجرت الاوضاع واستطاع السلاح ان يعرف طريقه للدخول الى مناطق جبال النوبة فالحركة الشعبية عملت على تعميق الخلاف ونجحت في ذلك وبعد 20 عاما حدث انشراخ في النسيج الاجتماعي. اضافة الى ذلك انه في السنوات الاخيرة وبفعل التزاحم على الموارد والتراخي من السلطة في حسم الانفلاتات وكذلك التغيرات المناخية من جفاف وغيره لعبت دورا اساسيا في زيادة حجم المشكلة. ودخول الزراعة التجارية الى المن?قة كشكل جديد ومستحدث، كل هذه العوامل مجتمعة زادت في نشر السلاح + ثقافة الحرب + تناقض في كسب العيش + تناقض في السياسات ادت مجتمعة الى تفاقم حجم الأزمة. ويقول مكي علي بلايل ان الحلول المستحدثة لنزع السلاح لم تنجح كثيرا لعدم مصاحبتها بعمل يقوم على توفير الامن لذا يرفض الراعي او المزارع تسليم سلاحه خشية ان تأتي مجموعات وتنهب ماشيته ومن ثم لا يجد آلة يدافع بها عن نفسه سوى السلاح فلا مراكز شرطة متوفرة بامتداد المنطقة يمكن ان يلجأ اليها لحماية نفسه وممتلكاته حتى اذا وجدت تكون غير مجهزة بالوسائل والافراد فلا يوجد سيارات لملاحقة المجرمين او سلاح لمجابهتهم اذا لزم الامر لذلك يجب توفير الامن اولاً قبل الشروع في عملية نزع السلاح. كذلك يجب تنمية الموارد وتنظيم استغلا?ها اذ ظلت لفترات طويلة مضت تناهز 10 سنوات تدعم خزينة الدولة ب 80% من الايرادات وتجد دعما لا يتعدى 5% من ايراداتها وتذهب 95% الى الجانب المروي الذي لا يدعم كثيرا مقابل الجانب المطري. ومن ضمن القضايا التي تحتاج الى نظر ومعالجة مفوضية الاراضي التي جاءت بها اتفاقية نيفاشا من اجل ايجاد حلول لمشكلة الاراضي الان البعض يعتبرها مساهمة في المشكلة الى حد ما. كما يجب ترقية الوعي مع بث ثقافة السلام لمنطقة ظلت لأمد بعيد تعلم لغة السلاح. المتحدث الثاني بالندوة الكاتب الصحفي أحمد مختار قال ان المنطقة تذخر ما يزيد عن 56 قبيلة وكل شخص سوداني اذا ذهب الى جنوب كردفان سيجد نفسه ، واشار الى ان المنطقة شهدت 39 ثورة بمختلف الحقب التاريخية بالبلاد فقد ظلت هذه المنطقة تحافظ على تحالفاتها وذلك على الرغم من الخلافات التي حدثت وحفظت تحالفاتها كتحالف الدم وهو نموذج للتحالفات التي كانت تشهدها المنطقة في السابق شارحا طريقتها في أن يجرح زعيما قبيلتين انفسهما وخلط الدماء التي تخرج من الجرح وامتزاجهما بعض ليعكس ان هناك دماء واحدة صارت ويجب احترامها والعمل من ?جل حمايتها وتعتبر مقدسة في بعض الاحيان وتجد الحلول لمشكلاتهما مع بعضهما. وقال ان قانون المناطق المقفولة الذي اخضعت له المنطقة ابان فترة الاستعمار أزم كثيرا من وضعها بالاضافة الى قانون «الدقنية» ويعني اخذ رسوم من كل شخص ومواشيه ضريبة سنوية على حساب الرأس. وقال ان سياسة الدقنية استمرت 11 عاما بعد استقلال السودان الى ان قاد اتحاد عام جبال النوبة مظاهرة مطالبة باسقاط الدقنية عن المواطنين مما اجبر الزعيم اسماعيل الازهري رئيس البلاد ابان تلك الفترة على الحضور الى الابيض واصدار توجيهات الى المرؤوسين لاسقاط الدقني?. ويختم مختار بضرورة معالجة الأمور من جذورها. فلابد من الاهتمام بالجانب الثقافي ونقل موروثات وثقافات المنطقة الى كل السودان وانه آن الأوان للاجهزة العدلية التوقف عن غيابها لفترات بعيدة ليشعر المواطن بالانتماء الفعلي للوطن ، مشيرا الى ان هناك جوانب ثقافية وقانونية ودستورية تشترك معا في ايجاد صيغة مشتركة لحل الأزمة بالمنطقة. ومحاولة صياغة قانون ينظم اتجاه الرعي بالمنطقة لا يشترط فيه ان يكون مكتوبا او غيره ولكن فقط صيغة تفاهمية بين المواطنين انفسهم. وزير التعاون الدولي الاسبق يوسف تكنه شبه في تعقيبه على الندوة ما يجري بجنوب كردفان بأزمة دارفور، فالنسيج الاجماعي جاء نتيجة تعايش عبر قرون ومن الصعب تكوين نسيج اجتماعي في فترة بسيطة وذلك ان هذه الاثنيات ظلت لمدة بعيدة تتعرض لكم هائل من الضغوط والأزمات والظلم والغبن وذلك منذ فترة الحكم التركي وبعد الاستيلاء على سلطنة سنار، واخضعت لممارسات بشعة حتى خلال فترة الثورة المهدية فقد شن عليها الخليفة عبد الله التعايشي حربا ضروسا بقيادة حمدان ابو عنجة حتى كادت كل الاحياء في المنطقة ان تنقرض. وزاد الامر سوءا فترة الا?تعمار الانجليزي باخضاع المنطقة لقانون المناطق المقفولة «مما ادى الى عزلها عن الاسلام والعروبة وحرمت من خلاله من كثير من الخدمات التعليمية والصحية وخلقت فجوة كبيرة ولم تضف كمحلية الا في العام 1982. وفي العهود الوطنية لم تفلح النظم السياسية المختلفة في طريقة التعامل مع المنطقة وخصوصيتها ولم تزل تلك التراكمات من الغبن موجودة. وقال تكنة ان على الدولة توفير عاملين اساسيين وهما العدالة والمساواة من اجل حل المشكلة وايجاد ارضية مؤهلة لذلك واعادة هيكلة الولاية على أسس اقليمية والابتعاد عن الأسس الاثنية والعرقية. كذلك يجب تحسين الطرق التقليدية في تربية المواشي وتقسيم الولاية الى جنوب كردفان وغرب كردفان فربما يلاقي ذلك قبولا واستحسانا من قبل مواطني المنطقة.