٭ رغم أنها باطلة ولا تجوز، تلك الصلاة التي يؤديها صاحبها من غير وضوء، إلا أن البعض قد فعلها تقية ورهبة أو تزلفاً وتملقاً، ونحن على ذلك من الشاهدين، خاصة على أيام هوجة التمكين التي جعلت في كل وزارة مسجداً، وفي كل وحدة إدارية مصلًى، فنشأت وقتها مئات المساجد الضرار رغم أن الله تعالى قد جعل كل الارض مسجداً، وليت هذا التهافت الديني المظهري الظاهري قد تم يومئذ والبلاد في سعة ودعة في اقتصادها ومعاشها وأمنها واستقرارها، ولكنه للأسف تم على طريقة بئر معطلة وقصر مشيد، ظناً منهم أنهم بإنشاء هذه المساجد يحسنون صنعاً، وقد ذكرني قول السيد الصادق المهدي في وصف حديث المفوضية القومية للانتخابات الذي قالت فيه إن الانتخابات ستعقد بمن حضر،أنه كالصلاة بدون وضوء، بالنكتة التي تعاقب على روايتها خبيران إعلاميان عربيان شاركا في عدد من الدورات التدريبية حول التغطية الاعلامية للانتخابات التي نظمها الشهر الماضي كونسورتيوم تقف على رأسه منظمة (سوديا) السودانية، وتقول النكتة إن شخصاً استفتى شيخاً حول الصلاة بدون وضوء، بسمل الشيخ وحوقل وتعوذ ثم قال، هذا حرام هذا لا يجوز، قال السائل (طيب يا شيخنا ما قولك فيمن فعلها وظبطت معه؟)، والشاهد هنا هو أن الانتخابات وإن كانت حراما ولا تجوز بمن حضر على رأى الامام الصادق المهدي، إلا أنها (ستظبط) مع المفوضية وهاكم الدليل... ٭ فقد قطع البشير قول مؤسسة الرئاسة حتى لو اجتمعت، وذلك حين قال (إنتخابات مافي، إستفتاء مافي) أي (تعرقلوا لينا الانتخابات، نعرقل ليكم الإستفتاء) وبلغة المفوضات والمساومات فإن قول البشير يعني بوضوح (الانتخابات مقابل الإستفتاء) وهذي بتلك والباديء أظلم، أما بلغة المحللين والمراقبين للمشهد السياسي السوداني المأزوم، فإن البشير قد ساوم الحركة الشعبية ضاغطاً على يدها (البتوجعها) بعد أن سبقت هى للضغط عليه في (إيدو البتوجعو)، ولعله لا تخفى حتى لمن كان في سنة اولى سياسة أهمية وحتمية ومصيرية الاستفتاء على تقرير المصير بالنسبة للحركة الشعبية، وهى للحق لم تمارِ في ذلك أو تدارِ، بل قالته بصريح العبارة وبالصوت العالي (الاستفتاء أهم عندي من الانتخابات)، ومن الجهة الاخرى- جهة المؤتمر الوطني- فلا تخفى حتى على من لا زال يحبو في بلاط السياسة، أهمية وحتمية الانتخابات، أياً كانت صورتها، عرجاء، عوراء، كسيحة أو حتى جثة، بالنسبة لحزب المؤتمر الوطني عامة والبشير خاصة، وهى أهمية تجعل هذا الحزب يخرط دونها القتاد ما دام هو مستعدا لها وواثقا من الفوز بها بالحق أو بالباطل، و(سيخرط) فيها كل الاحزاب، وبالاضافة الى هذين العاملين الجهيرين، هناك عامل ثالث يتردد سراً (تحت تحت) يمكن اضافته الى عامل الاستفتاء الذي يهم الحركة الشعبية، وعامل الانتخابات الذي يهم المؤتمر الوطني، ذلك هو عامل الاستقرار الذي يهم المجتمع الدولي وتحديداً أمريكا والاتحاد الاوروبي، اللذين لم ينفكا يهمسان بضرورة الاستقرار الامني والسياسي للمنطقة ولو الى حين، ويريان أن المؤتمر الوطني في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب هما الافضل حالياً من بين كل المكونات السياسية السودانية لاداء هذا الدور على الاقل في هذه المرحلة، ثم من بعد ذلك لكل حادث حديث، هذا هو المشهد والوضع اذا أردنا الجد وليس (ابن عمو)، الحضر حضر والما حضر المال سدر كما يقول المثل الشعبي، ولا عزاء للتحول الديمقراطي الحقيقي، واللهم لا شماتة في الوحدة جاذبة كانت أو غير جاذبة.