يعجب المرء أيما عجب من موقف المعارضة من تصريحات المبعوث الأمريكي برنستون ليمان عندما جزم بعدم وجود أجندة لدى واشنطون لإسقاط نظام الخرطوم.. فموقف المعارضة العجيب يرفض مسألة التدخل الأجنبي في الشأن السوداني، وشددت المعارضة على لسان زعيم التحالف فاروق أبو عيسى على أن من يحدد انتقال الربيع العربي إلى السودان هو الشعب وليست الإدارة الأميركية ومبعوثيها. بالله عليكم كيف سيكون الحال لو أن المبعوث الأمريكي برنستون ليمان أطلق تصريحات نارية هدد فيها الحكومة، وازداد تطرفاً في تصريحه بأن هناك سيناريو تم إعداده لإسقاط حكومة الخرطوم، وأن الإدارة الأمريكية ستقدم كل الدعم لقوى المعارضة لإسقاط النظام.. كيف كان سيكون موقف فاروق أبو عيسى وجماعته، هل كان سيُحدث أهل السودان بأن هذه التصريحات الأمريكية تعد تدخلاً سافراً في الشأن السوداني وتمس الكرامة والسيادة الوطنية، أم أن أبو عيسى كان سيرحب بذلك، ويطالب بضرورة التنسيق والتعاون مع الإدارة الأمريكية وصولاً لهذه الغاية، وح?ما سيزيد بأن الإدارة الأمريكية تأخرت وتلكأت كثيراً في هذا الاتجاه الذي سيرحب به الشعب السوداني. إن الموقف الوطني الراشد يلزم كل سوداني بأن يتعامل بحصافة مع الشأن الداخلي، فالشعب السوداني عاش معاناة طويلة جراء مشكلات الجنوب، ومهددات دارفور، وتعاظمت المعاناة بعد الانفصال وذهاب البترول جنوباً، حتى باتت الظروف المعيشية بالغة السوء، في حين يتحمل معشر المغتربين والمهاجرين في أصقاع الدنيا تبعات ذلك، وهم لم ينقطعوا ولن ينقطوا يوماً عن التواصل والدعم السخي لأسرهم الممتدة.. كل هذه العوامل تذهب بنا الى ضرورة الدفع والمساندة لكل جهد وطني مخلص يريد بالبلاد خيراً. ولنا أن نتساءل أليس من المعقول والمنطق أن نرحب بموقف أمريكا، وهي تعلن أنها لا تريد إسقاط النظام، مع العلم أنها كانت تسعى دوما لإسقاط النظام، وحتى تصريحات مبعوثها لا يعول عليها كثيراً، ولكن أي قول أو فعل يصب في استقرار إنسان السودان مرحب به، واستقرار السودان يكمن في ترك السودان لأهله يقررون بشأنه ما يريدون، فخيرات البلاد دون البترول لا تحصى ولا تعد، فقط تحتاج لعزائم الرجال وإخلاص النوايا، وإسقاط أية ارتباطات عدائية بالخارج. وأبو عيسى يصطحبنا في سياحة ذهنية غير ممتعة عندما يقول إن الموقف الأمريكي إزاء الوضع الداخلي لم يعد مستغرباً في ظل استمرار سياساتها التي أدت إلى انفصال جنوب السودان، وتأزيم الوضع الاقتصادي والسياسي في الشمال.. إذن أين كنت يا رجل وما موقفك من ذلك؟ ألم يكن من الخير لو أنك صدعت بهذا القول قبيل الانفصال.. أم هي المواقف تأتي بحسب المصالح.. شخصية كانت أم حزبية؟!