اذن هي الشكوى الثانية التي تقوم الخرطوم برفعها ضد جوبا بمجلس الامن الدولي في غضون شهرين، وللسبب ذاته «انتهاك سيادة السودان»، بيد انه في هذه المرة تبدو الامور معقدة وحساسة، ومحرجة في الوقت نفسه للطرف الجنوبي، بعد مطالبة الولاياتالمتحدة الاميركية قبل نحو اسبوعين على لسان المبعوث الخاص للرئيس الاميركي للسودان، برينستون ليمان، جوبا بالكف عن دعم الحركة الشعبية الشمالية التي ترفع السلاح في وجه الخرطوم واحترام «سيادة السودان»، بعد انفصال الجنوب بوقت وجيز. وكانت القوات المسلحة السودانية، قد استولت على مناطق طروجي وبحيرة الابيض جاوا، اخيراً التي كانت تسيطر عليها «قوات الجيش الشعبي الشمالية»، غير انه وبحسب تصريحات رسمية للجيش السوداني، فإن القوات المسلحة كانت قد صدت هجوماً على تلك المناطق أول من أمس، واعلنت سيطرتها عليها، اتهمت فيه الجيش الشعبي التابع لجنوب السودان صراحةً بالتورط، وكان بموازاة ذلك إدانة من الخارجية السودانية «لانتهاكات الجيش الشعبي الجنوبي للسيادة السودانية». وقول سفير السودان لدى الاممالمتحدة، دفع الله الحاج علي، على الاممالمتحدة الاض?لاع بدورها في حماية الامن والسلام وعدم انتهاك سيادة السودان من الطرف الجنوبي. الناطق الرسمي باسم الخارجية السودانية، العبيد احمد مروح قال في اتصال هاتفي مع «الصحافة» امس، ان السودان ظل حريصاً على السلام على مدى «22» عاما وسيظل، ولفت مروح الى ان جوهر ما تم نقله للمبعوث الصيني امس، هو ان السودان ظل حريصا على السلام وباحثاً عنه، واكد ان هذا الحرص قاد الى نيفاشا ومن ثم أدى الى انفصال الجنوب، وأضاف مروح، قمنا بتسهيل استفتاء الجنوب، والتزمنا بسحب جيشنا في 2008، والقوات المشتركة بعد «3» أشهر من انفصال الجنوب، وشدد الناطق الرسمي باسم الخارجية، على ان حرص الخرطوم على السلام ليس ضعفاً وان?ا من منطلق القوة، وقال لكن لا توجد دولة يمكن ان تقبل ان يثار الاضطراب داخل اراضيها، واشار الى ان عبد العزيز الحلو تمرد بعد ما خسر الانتخابات بولاية جنوب كردفان ومالك عقار قام لوحده بسحب قواته من الدمازين الى الكرمك وهو والٍ منتخب، فالحكومة بالطبع لم تدفع بهما ليتمردا، واضاف مروح، سنظل نحرص على السلام، ونعطي الاولولية عن طريق الحوار المباشر وغير المباشر عن طريق وسطاء محايدين، من منطلق حرصنا على الوصول لحلول لكافة القضايا العالقة، وزاد، عكسنا للمبعوث الصيني حرصنا على مصالحهم النفطية. من جانب آخر، لم تزل ما تسمى بالقضايا العالقة هي الخلاف الرئيس الذي لم تستطع دولتا السودان وجنوب السودان، إطفاء ناره التي يبدو ان رقعتها اتسعت، وفي طريقها لان تصبح صراعاً يشمل كل شيء بعد ان طالب رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت بحظر الطيران السوداني في الجنوب، وسخرية الحكومة من جهتها، وعزوها طلبه للهزائم التي كبدتها القوات المسلحة السودانية للجيش الشعبي الجنوبي، خاصة بعد الخلاف النفطي الحاد بين الدولتين، واعلان فشل اتفاق اديس ابابا قبل حوالى عشرة ايام، بشأن ذات الموضوع، الا ان الجديد على ما يبدو دخول ?ليفة الخرطوم الصين في البدء بشكل اعتبره بعض المراقبين، يفتقد للكياسة الدبلوماسية، عشية اعلان الخرطوم وقف امدادات النفط الجنوبي، ولم تقف الصين كثيراً عند هذا الموقف، حيث وصل مبعوثها جوبا الاربعاء وكان قبلها قد التقى باديس رئيس اللجنة الافريقية رفيعة المستوى، ثامبو امبيكي، ومنها الخرطوم الخميس، لمناقشة قضية النفط والحدود بين الدولتين، وقال من جوبا، ان تصدير النفط عبر الاسواق العالمية هو الافضل للسودان وجنوب السودان، وتوقع المبعوث الصيني، حل مشكلتي الحدود والنفط قبل نهاية العام الجاري، يأتي هذا بعدما اعلنت شر?ة توتال الفرنسية اعتزامها مد انبوب نفطي من الجنوب الى يوغندا لتصديره عبر كينيا. لكن مراقبين يرون، ان اطفاء نار الخلاف بين السودان وجنوب السودان، في وقتٍ يتفاقم فيه الخلاف سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لن يكون الا بشكل مؤقت، حيث يقولون، ان الدولتين لا تمتلكان حتى الان تصورا واضحا لحل خلافاتهما، فما بين الحزبين الحاكمين، في السودان وجنوب السودان، أو على الاقل بتيارات داخلهما، عداء وشخصنة للقضايا، بعيدا عن المصالح السياسية والاستراتيجية التي يمكن ان يستفيد منها البلدان، ويشيرون الى انه لولا عائدات النفط المشتركة، والانهاك الاقتصادي الذي قد تسببه الحرب لاقتصادين هما بالاساس ضعيفين، والضغوط?التي يمارسها الغرب والصين على الخرطوموجوبا، بالاضافة لاتهام كل دولة لاخرى بدعم متمرديها لعادت الحرب مجددا بينهما. هذا غير ان ما يلفت اليه محللون، ان تطوير وتثبيت العلاقات بين الدول التي تعيش نزاعاً مع بعضها البعض، يرتبط بالارادة السياسية، والحكم الراشد ومدى الاستقرار السياسي والتوجهات السياسية لكل دولة على حدة، وتفاعلها في محيطها الاقليمي وعلى المستوى العالمي والشفافية والوضوح في طرح القضايا محل الخلاف، وفي حالة السودان وجنوب السودان يقولون، ان الدولتين تعتبران ذواتي خصوصية في جانب العلاقات الدولية التي يجب ان تحكمهما على المديين القصير والطويل، فعلى المدى القصير يقولون، يجب نفض اية دولة فيهما يدها عن الشأن الذي ي?ص الاخرى «خاصة التمردات العسكرية»، وضرورة اعتماد التفاوض كمرجعية رئيسة لحل الخلافات والنزاعات بينهما، وطرح كل طرف رؤية واضحة لشكل ومضمون العلاقات الثنائية، واعتماد الحلول السياسية ومزيد من الديموقراطية داخل البلدين، اما على المدى الطويل، فيجب العمل على شراكة اقتصادية تقوم على المصالح المشتركة وتعزيز المشترك التاريخي الذي يجمع الشعبين، وفتح العلاقات لابعد مدى ممكن. استاذ العلاقات الدولية بجامعة ام درمان الاسلامية، البروفيسور صلاح الدين الدومة، يرى ان علاقات البلدين تسير في اتجاه سالب ويقول ان المؤشرات والدلائل تتجه نحو التصعيد، ويضيف «الحرب شبه قادمة»، خاصة بعد فشل مفاوضات اديس، وطلب الرئيس الجنوبي من اصدقائه والمجتمع الدولي بحظر الطيران السوداني فوق الاراضي الجنوبية، غير انه اشار في اتصال هاتفي مع «الصحافة» أمس، الى ان هنالك مبررات أخرى سوف تكون عائقاً امام تجدد اندلاع الحرب مرة اخرى بين الشمال والجنوب، حيث يعتبر الدومة ان الملف النفطي في ما يتعلق بالمنفعة الاقتصادي? للبلدين وحقوق الطرف الثالث «الصين والشركات» سوف يحد من امكانية نشوب حرب سودانية - جنوبية، وقال ان الارادة السياسية غائبة عن الطرفين تماما، واذا ما اراد الطرفان المضي قدما في بناء السلام، فعليهما تجنيب العواطف سواء كانت ايجابية او سلبية والبناء على المصالح المشتركة. واضاف ان القلاقل التي تواجه النظامين في الخرطوموجوبا، تمثل عاملاً سلبياً، في سبيل حل القضايا العالقة او التخفيف من حدتها، ولفت استاذ العلاقات الدولية الى ان السيناريوهات المتوقعة مستقبلاً بين الشمال والجنوب، ترتبط الى حد كبير بملف النفط، مشيرا?الى انه سيكون من المحددات الرئيسة لما ستؤول اليه العلاقات بين البلدين، وقال الدومة، إن حالة دولتي السودان وجنوب السودان تشابه الى حد ما العلاقة التي تربط بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، منوهاً الى انه في الحالة الكورية، ينعدم المورد الاقتصادي «النفط». ومن ناحية اخرى قال الدومة، ان اميركا ربما ستضغط على الصين ازاء مصالح اخرى مقابل اقناع الجنوب والتأثير عليه في ملف النفط. وبصدد الشكوى الرسمية التي تقدم بها السودان ضد الاممالمتحدة، قال استاذ العلاقات الدولية، انها ليست بذات تأثير كبير الا من ناحية انها مؤش? خطير للتصعيد بين البلدين، غير انه لفت الى ان من شأنها احراج جوبا والضغط عليها نسبياً.