ربما هي خيبة أمل أصيب بها المقرر الخاص لحقوق الانسان الى السودان محمد عثمان شاندي اثر اختيار الدول الأعضاء الموقعة على معاهدة روما التي شُكلت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية جعلته يتقدم باستقالته من موقعه الاممي، فالغامبية فاتو بنسودة تولت منصب المدعي العام للمحكمة خلفاً للأرجنتيني لويس اوكامبو ، وهو منصب ظل يطمح اليه العديد من رجال القانون بمن فيهم شاندي الذي كان المرشح الأول لخلافة اوكامبو، غير أن ضغوط مورست على دولة تنزانيا التي ينتمي اليها من قبل العديد من الدول وعلى رأسها الولاياتالمتحدة لسحب مرشحه? « شاندي « من قائمة المرشحين وهو ما اصاب الرجل بخيبة أمل شديدة حسب مصادر حكومية مطلعة تحدثت ل« الصحافة »، مما دفعه الى تقديم استقالته من منصبه كمقرر لحقوق الانسان في السودان . ليزهد بعد الجنائية في جميع المناصب العليا في المنظمات الدولية . وكان من المقرر أن يزور مقرر حقوق الانسان الخرطوم مطلع يناير المقبل في زيارة تعد الأولى له بعد تقليص تفويضه الى بند تقديم الدعم الفني . ورشحت أنباء عن طلب المقرر الخاص تضمين زيارة لولايات دارفور ضمن أجندة زيارته الى الخرطوم ، ويرجح محللون أن تقليص مهمة شاندى وتحجيمها في?اطار الاشراف الفني هو السبب الرئيس وراء تقديمه الاستقالة ، في المقابل ووفقاً لمقرر المجلس الاستشاري لحقوق الانسان بالسودان معاذ تنقو فان الحكومة السودانية لم تبلغ حتى الان بصورة رسمية بأمر استقالة شاندي، وقال تنقو ل« الصحافة » « الحكومة لا يوجد لديها تعليق على استقالة شاندي كما أننا لم نرفض طلب زيارته للسودان « وقال « ان زيارته لدارفور من عدمها لا يتم تحديدها الا بعد قدومه الى الخرطوم وبالتالي تضمن وفق البرنامج المعد للزيارة، و نحن لم نرفض الزيارة الى السودان وبعد دخوله البلاد يمكن ان يزور اي منطق? داخل السودان». ورحج مقرر المجلس الاستشاري أن تكون الاسباب التي دفعته لتقديم الاستقالة شخصية» . وفي السياق استبعد المصدر الحكومي السابق أن يكون تقليص صلاحيات مقرر حقوق الانسان وراء تعجيله بطلب الاستقالة « هو حديث لا أتوقع أن يخرج من خبير دولي في حقوق الانسان يدرك جيداً أن أحد أهم مشكلات دول العالم الثالث مع حقوق الانسان هي الآليات المتبعة في انفاذ القانون « ، وأضاف « القرار الصادر عن مجلس حقوق الانسان بحصر مهمة المقرر في الدعم الفني لديه مغزي واضح ولم يأتِ من فراغ فمعظم الانتهاكات التي تحدث لحقوق الانسان من قبل أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعيه تأتي من قلة الخبرة وفقدان التنوير اللازم لبناء القدرا? « . واعتبر المصدر أنه في حال عدم استيعاب شاندي لعظم مهمته الجديدة فانه يكون لم يستوعب المهمة المطلوبة منه أو أنه يأبي أن تكون مهمته في السودان ايجابية ويريد حصرها في الدور التجريمي الباحث عن النقائص « . في ذات السياق يستبعد معاذ تنقو ان يكون تقليص الصلاحيات تسبب في استقالة شاندي لأنه قبل التجديد على حسب ما ورد في القرار« 1618 » ، واذا كان لديه تحفظ لم يكن قبل بدءاً « ، وزاد تنقو « حكومة السودان لايوجد لديها مشكلة شخصية مع شاندى وهو شخصية ممتازة أدت مهمتها على أكمل وجه». وتأتي استقالة شاندي في الوقت الذي تتهيأ فيه وزارة العدل السودانية الى الانتقال للمرحلة التالية التي تتركز على تقديم مقرر حقوق الانسان للدعم الفني للمؤسسات ذات الصلة ، حيث أعلن وزير العدل محمد بشارة دوسه الاسبوع الماضي عن تشكيل لجنة لتحديد المطلوبات الفنية العاجلة لعمل الخبير المستقل بعد تمديد ولايته لمدة عام وبتفويض جديد. وتأتي تلك التحديثات في أعقاب تقديم السودان تقريرا حول حقوق الانسان امام المجلس في مايو الماضي،وقدم مجلس حقوق الانسان وقتها « 160 » توصية للحكومة السودانية وعدد «9» توصيات لطرفي اتفاق ا?سلام ،قبلت الحكومة منها« 121 » توصية قبولا كاملا و «11 » توصية قبولا جزئيا ، كما اوصى مجلس حقوق الانسان في دورته السابقة السودان بالتصديق على الاتفاقيات الاساسية في مجال حقوق الانسان ،لا سيما اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللا انسانية او المهينة، واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة. ويذكر أن الحكومة السودانية ابدت في كثير من الأحيان تحفظاتها على التقارير التي كان يرفعها المقرر شاندي والتي كانت تعكس في الغالب الأعم الانتهاكات المتعددة لحقوق الانسان في الس?دان ، ولطالما دعت الخرطوم مجلس حقوق الانسان الى انهاء مهمة المقرر باعتبار أن دواعي تعيينه قد انتفت في الوقت الذي تؤكد فيه التقارير الواردة للمنظمة بأن هناك انتهاكات مازالت تمارس ضد الانسانية في السودان ، لكن الحكومة أفلحت في تحديد مهمة المقرر كمشرف فني مهمته تقديم العون الفني بدلاً عن رفع التقارير عن أوضاع حقوق الانسان فى السودان . وكانت مهمة المقرر الخاص لحقوق الانسان تحددت في السودان عقب تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية في سنيّ الانقاذ الأولى فعلى الرغم من التطور المشهود في مجال حقوق الانسان وذلك بمشاركة الحكومة السودانية من خلال المجلس الاستشاري لحقوق الانسان مع كلٍّ من الأممالمتحدة والاتحاد الأوربي وعلى الرغم من أن الحكومة السودانية صادقت على الكثير من اتفاقيات حقوق السودان الوطنية والدولية الا أن تطبيقها مازال محدوداً ، فوفق تقارير صادرة عن المنظمة الدولية فقد وقع السودان على اتفاقية مناهضة التعذيب ولكنه لم يُصادق عليها كما رفض ?لسودان التوقيع على اتفاقية تقضي على كل اشكال التمييز ضد المرأة بحجة عدم توافقها مع الشريعة الاسلامية والتقاليد السودانية، وتصف التقارير الدولية أوضاع حقوق الانسان في كل انحاء السودان بأنها محفوفة بالمشاكل رغم الاجراءات الايجابية هنا وهناك ، ومثل هذه التقارير وكغيرها تعزز من فرضية ان استراتيجية التعامل مع السودان في مجال حقوق الانسان لا يغيرها تبدل الاشخاص والمواقع بل يغيرها التحسن الفعلي على الأرض .