٭ الهمس الذي تناقلته مجالس المدينة أثناء وبعد اعلان التشكيل الوزاري الجديد تحول الى جهر تصدر الصفحات الاولى لبعض صحف الخرطوم حيث حملت الانباء ان المستشار الرئاسي السابق ووزير الاعلام الحالي المهندس عبد الله علي مسار جاء بزوجته مديرة لمكتبه، بينما احضر وزير التجارة الخارجية ممثل الحزب الاتحادي الديمقراطي (الاصل) عثمان عمر الشريف صهره كسكرتير له، ولم تتآخر وزيرة التعاون الدولي اشراقة سيد محمود في تعيين شقيقها وابنة اختها في الوزارة في مواقع مرموقة. وبالطبع فان الصحف لم تنس الاشارة ولو من على البعد لمحسوبين على وزيري المالية والعدل تم استيعابهم بالوزارتين، ولم تسلم حتى مؤسسة الرئاسة من لسان الشائعات الطويل بشأن تعيين مساعدي الرئيس الجديدين نجلي السيدين الصادق المهدي والميرغني وتوظيفهما لاقاربهما بالقصر الجمهوري. الامر الذي يطرح تساؤلاً بشأن الامر وعما اذا كان ظاهرة جديدة في السياسة السودانية يتداخل فيها الشأن العام مع الخاص وتصبح الحكومة ذات القاعدة العريضة عريضة سياسياً واجتماعياً ، أم أن المسألة لا تعتبر شذوذاً في السياسة والمجتمع السوداني الذي يعلي القيمة الاجتماعية اكثر من الولاء الحزبي والانتماء السياسي وبالتأكيد البذل والعطاء. ٭ والشاهد أنه وعلى المدى القريب سمع الكثيرون بتعيين البروفيسور محمداً ابراهيم خليل لكريمته في مفوضية الانتخابات ووضعها في درجة وظيفية كبيرة الامر الذي اثار عاصفة من النقد وجعل البعض يحتج على هذا الاجراء بل وقدم أخرون استقالاتهم من المفوضية!! ولكن.. لماذا نذهب بعيداً ونمسح من الذاكرة مشاهد وشواهد ملموسة في الساحة السياسية السودانية حيث يختلط الشأن الخاص بالعام ففي حزب الامة القومي على سبيل المثال فان الكثيرين من منسوبيه يشتكون من الكثافة الطاغية لأبناء وبنات وأصهار السيد الصادق المهدي في قيادة الحزب مثل الدكتورة الحبيبة مريم وشقيقها عبد الرحمن بجانب الحبيبة رباح وزوجها الدكتور عبد الرحمن الغالي و...و... هلمجرا. غير ان الامام الصادق كثيراً ما يقدم دفوعاته ويبرر الامر بأن هؤلاء جاءت بهم الكفاءة والكسب والعطاء وليس عبر مؤثرات عائلية واجتماعية وصلة قرابة. ٭ ربما.. وقد يبدو الحزب الاتحادي الديمقراطي احسن حالاً من حزب الامة حيث لم يعرف عن مولانا محمد عثان الميرغني تقديم أبنائه وبناته للمناصب القيادية في الحزب والدولة إلا مؤخراً بظهور ابنه جعفر الصادق بصورة مفاجئة في مؤسسة الرئاسة وقريبه جعفر أحمد عبد الله وزير الدولة بوزارة الزراعة لكي يظل نظام التوريث في الطريقة الختمية تقليداً وعرفاً حاضراً في ساحة الطائفة الامر الذي ينتفي وينعدم في كيان وهيئة شؤون الانصار الرافد الديني لحزب الامة. وحتى الحركات المسلحة التي تعارض الحكومة في دارفور تعاني من هذا الامر- وقد لا يحسب مؤسسوها الامر معاناة- فحركة العدل والمساواة التي يقف على رئاستها الدكتور خليل ابراهيم الذي يستعين في كثير من الاحوال بشقيقه وساعده الايمن جبريل ابراهيم وأخيه غير الشقيق عبد العزيز عُشر وغيرهم من اهل بيته وعشيرته الذين يمكنهم من مفاصل حركته مما قاد كثيرين للخروج عليه لهذا السبب. والطريف في الامر ان ظاهرة ( المحاسيب) من الاسر او الموالين من الاقارب الذين يجدون الحظوة ليست وقفاً او حكراً على الاحزاب الطائفية السياسية لأن الظاهرة او الحالة امتدت حتى لدى الاسلاميين فحركة الاخوان المسلمين على سبيل المثال وفي عهد المراقب العام الحالي البروفيسور الحبر يوسف نور الدائم شهدت وجود أبنائه واقاربه كأعضاء في الهيئة القيادية للجماعة مثل ابنه محمد الحبر وابوبكر الحبر سائقه وسكرتيره الخاص كما ترشحت ابنته في الانتخابات البرلمانية لدوائر المجلس التشريعي لولاية الخرطوم بجانب وجود صهره الدكتور عصام يو?ف بدري الى جانبه في المجلس الوطني وفي مجلس شورى جماعة الاخوان المسلمين!! وعلى العكس من ذلك يعرف عن زعيم حزب المؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي الحرص على النأى بأبنائه وبناته عن تولي المناصب الحكومية او الصعود على كتفيه رغم أنهم ينتمون للمؤتمر الشعبي وربما كان الحزب الحاكم اكثر ذكاء وتحايلاً في التعامل مع هذه القضية فلم يعرف لقادة المؤتمر الوطني تعيينهم لاقاربهم او الاستعانة بأبنائهم وزوجاتهم في تصريف الاعمال السياسية والحزبية والحكومية بصورة واضحة ومعلنة وصريحة كما هو الحال في بعض الاحزاب والقوى السياسية حيث تجري الامور في هذا الخصوص (تحت تحت) عبر تسهيلات وواجهات ولافتات بعيدة?قد لا ترى بالعين المجردة وقد تكون معروفة لدى المقربين وخافية على الكثيرين!! وربما يبدو الحال في عمومياته وكأن الجميع قد فهم او طبق الآية الكريمة (الاقربون اولى بالمعروف) بصورة خاطئة او كل حسب هواه على غير مفهومها في البر والاحسان والترفق بالاقارب لا الزج بهم في المناصب كونهم من (المحاسيب). ويمكن القول ان مسألة الخاص مع العام كانت مثاراً للحوار والنقاش في الصدر الاول للاسلام حينما جاء الصحابي الذي عمل للزكاة وقد جمع الاموال ثم قدمها للرسول صلى الله عليه وسلم.. ووضع بعضها جانباً وقال هذا مالكم وهذا اهدى الىَّ ، فرد عليه صلى الله عليه وسلم ما معناه (هلا جلست في بيت أمك وأبيك ونظرت أيهدي اليك) وجمع منه كل المال واودعه بيت مال المسلمين!! ٭ أخيراً.. ربما تفوت على فطنة السياسيين ان عيون الرأى العام لهم بالمرصاد حينما يقدمون (المحاسيب) وأهل الحظوة من أقربائهم لنيل المناصب لكن هناك (شيء من حتى) في القضية تجعل زاوية النظر تختلف بعض الشيء فالوزير في الوزارة الاتحادية الذي عُين لاول مرة شكا لي من الضغوط التي يواجهها من قبل أهله وذويه وحزبه على حدٍ سواء لاستيعاب وتعيين بعض الشباب في الوزارة وفي مكتبه الخاص.. الامر الذي يصعب معه قبول او رفض الالتماسات او الطلبات ويجد نفسه في موقف حرج للغاية.. من يرضي.. أهله ام حزبه أم ضميره؟!!