الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخُ العرب السفير علي الحمادي: وفاءٌ وتوثيقٌ
تسوية أزمة دارفور.. الدور القَطَري
نشر في الصحافة يوم 29 - 12 - 2011

بعدُ ثماني سنوات خُضر في الخرطوم يغادرنا إلى الدوحة شيخُ العرب السفير علي الحمّادي، سفير دولة قطر في الخُرطوم، وعميد سُفرائها. وشيخٌ العرب، كما درجنا أن ننادي عليه، لا تترك سيرتُه العطرة بين أهله السُودانيين مجالا لمزيد من الإفصاح والبلاغ، إذ هي سيرة تسعي بين الناس. ويكفي أنّ احتفاء أصدقائه من السودانيين، رسميين ورُموز مجتمع، به هو ربّما ممّا لم يسبقه عليه أحدٌ من أسلافه في حدود ما تحفظه الذاكرة المُعاصرة.
في مهرجان الاحتفاءات التي تشهدُها الخرطوم وعواصم الولايات السُودانية في وداع شيخ العرب رأيت أن أُضيف وجها آخر بتوثيق أحد أهم إنجازاته في السُودان ممثّلة في إسهامه الكبير في إقناعه حُكومته بتولّي ملف تسوية أزمة دارفور، ما عرف في أدبيات التسوية ب «منبر الدوحة». هذا الدور القطري، الذي سأروي قصته في هذه المقالة، كان لشيخ العرب دور أساس في ابتدائه وبلورته، من خلال مساهمة متواضعة لكاتب هذه المقالة. ولهذا الغرض أرجو أن استأذنه أن أنشر رفقة هذا المقال الوثيقة المعنونة: «تسوية أزمة دارفور.. الدور القطري»، وأن أروي? في الوقت ذاته، وقائع ميلادها وتبلورها إلى مبادرة قطرية كاملة حول دارفور.
ونشر الوثيقة التالية، نصّها المكتوب أوإذاعة خبرها، لم يكن واردا في تقديري الشخصي لولا أسباب ثلاثة. الأوّل هو اختيار الأخ شيخ العرب في لقاء لجماعة من أصدقائه من السُودانيين اجتمعت به لابلاغه عزمها تنظيم برنامج لوداعه بمناسبة نهاية خدمته الرسمية في السُودان، اختياره الكشف عن قصّة توسّط بلاده، دولة قطر، لتسوية نزاع دارفور، إذ قال إنّه يكشف للمرة الأولى سراً حول كيف انتهت الدوحة إلى ما انتهت إليه بتوسّطها لتسوية أزمة دارفور. ومضى قائلا إنّ الدكتور محمّد محجوب هارون، يقصد شخصنا الفقير إلى الله، هو صاحب المبادرة?التي انتهت إلى تبنّي بلاده ذلك الموقف.
أمّا السبب الثاني، فهو الرواية التي جاءت على لسان وزير الخارجية، الأخ الأُستاذ علي كرتي، في المناسبة التي نظّمتها منظّمة جسور التي يشرّفها برعايته، وداعاً لشيخ العرب، الخميس 22 ديسمبر الجاري، بفندق برج الفاتح في الخرطوم. وكان الأخ الأستاذ علي كرتي قد أشار إلى قصة منبر الدوحة. وفي هذا الخُصوص ذكر السيّد الوزير أنّ مذكّرة تدعو قطر للنظر في إمكان رعاية ملف تسوية أزمة دارفور كان صاحب فكرتها الدكتور غازي صلاح الدين، تم التداول حولها مع السفير علي الحمّادي، قام شخصي بصياغتها، مُتوناً وحواشي، ومن ثم بحثها السيّد ?لسفير مع السيّد وزير الدولة للخارجية حينئذٍ، الأستاذ علي كرتي، الذي تداول حولها مع السيّد رئيس الجُمهورية الذي وافق بدوره، عليها، فأوفد كلاً من مساعده الدكتور نافع علي نافع والأستاذ علي كرتي، إلى الدوحة حيث اجتمعا بسمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة الذي أبدى موافقة على الفكرة إلى آخر الرواية. وهي رواية ليست دقيقة في شقّها المتعلّق بميلاد هذا العمل، ما دفعني أن أنقل للأخ الوزير، على عجل، أثناء الاحتفال الرواية الصحيحة.
والسببُ الثالث هو تناقل ثلاث صحف مُحترمة من صحف الخرطوم هي الأحداث والإنتباهة والسُوداني، رواية الأستاذ علي كرتي، باختلافات طفيفة، فيما اجتمعت ثلاثتهن في رواية لم تبلغ الحقيقة في تحديد كيفية ميلاد مبادرة منبر الدوحة، وهذا أمرٌ مفهوم من واقع استناد الروايات إلى رواية الأخ الوزير التي ذكرت أنّها لم تكن دقيقة.
وتأسيساً على كلّ ذلك، رأيتُ أن أبسط الحقيقة حول هذا الموضوع، لتصويب سجلات التاريخ أوّلاً، وبعض هذا ممّا يليني لجهة دوري في هذا الخُصوص، وأن أثبّت للأخ شيخ العرب، دوراً مهمّاً وتقديراً مُستحقاً، وبالوثائق، من خلال إحدى أهم المهام التي يرجع إليه الفضل فيها، ما أضحى معلوماً للقاصي والداني.
وإليكم القصّة..
نشأت فكرة تحريك مسار التسوية السياسية لأزمة دارفور في ظل حالة الجُمود التي أعقبت محاولة قوات حركة العدل والمساواة دخول الخرطوم في مايو 2008م. ولم يكن خافياً، حينئذٍ، على المتابع للشأن العام الوطني حال الانقسام الذي بدا ضارباً للجماعة الوطنية ما بين أولاد البحر وأولاد الغرب، بشكل أو آخر، ما حرّك في الذاكرة بعض أجواء الحالة التي ضربت الثورة المهدية على أيّام الخليفة عبد الله التعايشي، عليه رُضوان الله. وكان هذا ما دفعني في مرحلة أولى إلى أن أطرح على المدير الأسبق لجامعة الخرطوم البروفيسور محمد أحمد الشيخ، فك?ة أن تبادر الجامعة، بشخصيتها القومية غير المُختلف عليها، ببحث كيفية الإسهام في ترتيب الحالة الوطنية في ما يتعلّق بأزمة دارفور والملفات الأخرى ذات الصلة بها، مثل المحكمة الجنائية التي فتحت حينئذٍ ملف الإدعاء على السيّد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير، والوضع الاقتصادي المتأثّر بالأزمة المالية العالمية. ولقد كان تجاوب السيّد المدير حينها عالياً وفورياً، إذ قام بدعوة مجلس عمداء الجامعة وعدد من أساتذتها إلى اجتماع طارئ انتهى بتفويضه بتكوين لجنة من أساتذة الجامعة تتولي طرح، ومتابعة تنفيذ، مبادرة الجامعة. ولقد ?نتهى ذلك بميلاد منبر الجامعة للحوار والسياسات الذي نظم ملتقى مهماً حول جملة تلك القضايا، من بعد تواصل مع أغلب القوى السياسية الوطنية في الحُكم والمعارضة.
لكن، مع ذلك، بدا واضحاً أنّ تحريكاً لملف التسوية السياسية لأزمة دارفور أمرٌ لا بدّ منه. فحركة العدل والمساواة، الحركة الأكثر تنظيماً واستعداداً للعمل العسكري بين حركات دارفور، بلغت أقصى ما يمكن أن تبلغه عسكرياً، إذ ليس منظوراً أن تعيد الكرّة، مرّة أُخرى إلى الخُرطوم. وليس ثمة أفضل للحُكومة من تسوية سياسية تضع نهاية لمسلسل الحروب الأهلية التي زاملت العهد الإنقاذي منذ ميلاده إلى يومنا هذا. وأهم من كلّ ذلك أن البلاد لم تعد تحتمل مزيداً من الاستنزاف الذي يُوشك أن يهدّد تماسك نسيج كتلتها التاريخية المُسلمة المُ?تعربة، بالتمزّق.
وبما أن الحاجة لوسيط خارجي موثوق فيه من أطراف النزاع كافة حاجةٌ أكيدة، كان تقديري أنّ دولة قطر، لأسباب مشمولة في المذكّرة المرفقة، ربّما مثّلت الوسيط الأصلح لتحريك مسار التسوية السياسية لأزمة دارفور الذي بلغ حالة من الإنسداد في أعقاب محاولة حركة العدل والمساواة اجتياح الخرطوم.
اتصلت وقتها بالأخ السفير علي الحمادي طالبا لقاءه، حيث تحدّثت معه حول أهميّة نظر قطر في إمكان إسهامها في رعاية تسوية الأزمة الدارفورية. ولقد كان الأخ شيخ العرب متفهّماً. واتفقنا أن أدون الفكرة على الورق، وهُو ما قمت به بإعداد المذكرة المنشورة تالياً، والتي سلّمت نسخة منها لكل من الإخوة الدكتور غازي صلاح الدين، مستشار رئيس الجُمهورية، ومؤسّس ورئيس مجلس إدارة مؤسسة اتجاهات المستقبل، التي كنت مديراً لها في ذلك الوقت، والدكتور مُصطفى عُثمان إسماعيل بصفته مسؤول العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني، والأستاذ علي كرت?، وزير الدولة بالخارجية حينها. ولقد زارني من بعد الأخ الحمّادي في مؤسسة اتّجاهات المستقبل، وفهمت منه أنّ لمس تفهماً من الدوحة وأنّها بصدد التعرّف على خريطة طريق لصالح استكشاف كيفية انخراطها في هذه المسالة السُودانية. ولقد تناقشت مع الأخ الدكتور غازي صلاح الدين في وقت لاحق حول الموضوع، ولمست استعداداً منه للإسهام في تطوير الورقة. وبالطبع مضت المذكرة في سبيل التنفيذ، على نحو ما رواه الأخ الأستاذ علي كرتي، بيد أنّي لم أسمع لا منه ولا من الأخ الدكتور مُصطفى عُثمان شيئاً بشأنها من قبل.
ما أود أن أُثبته هُنا للتأريخ هو أنّ المذكرة التي أسهمت، ربّما ضمن مساعٍ وعوامل أُخرى، في تولّي دولة قطر ملف تسوية أزمة دارفور، كانت فكرة طرحها منشأً شخصنا، فكرةً ومتوناً وحواشي. وليس في هذا شرفٌ يُدّعى ولا مغنم يُسعى إليه. لكن للأمانة والتأريخ كان لا بد من تثبيت الحقيقة، فالمهمة التي قُمتُ بها لم تكُن تطويراً لفكرة تم طرحها سلفاً، لا من قِبل الأخ الدكتور غازي، الذي لم يقل بذلك أصلاً ولا من طرفٍ ثالث، بما يجعل، في هذه الحال، من الصياغة تمريناً أشبه بكتابة عُرضحال على نحو ما يفعل ذوو الاختصاص، وهُم غير قليل? مع وافر تقديري واحترامي للإخوة الذين ورد ذكرهم ممن كانت لهم صلة، على نحو أو آخر، باستدعاء نشر هذه المادّة.
وبما أنّ منبر الدوحة انتهى إلى اتفاق الدوحة، فإنّ كان من مقترح، ضمن ما اقترحته المذكّرة ممّا تبنته وثيقة الدوحة يلزم أن نُوصي بالعض عليه بالنواجذ فليس ذلك شيئاً غير ما سمته المُذكرة «مشروع مارشال لدارفور». وهذا هو ما تمّ تبنيه في الاتّفاق ممثلاً في بنك تنمية دارفور. أملي هُنا كبير في الأخ الدكتور التيجاني سيسي، وزملائه وُلاة الولايات والسُلطة الإقليمية وجُملة أهل دارفور، فضلاً عن الحُكومة الاتحادية في أن يجعلوا هذا الملف الاقتصادي، عالي الحيوية، همّاً شاغلاً ومشروعاً على الأرض، كفيلاً بإسكات صوت السلاح، لت?ل محله معاول البناء والإنماء.
ولا يكتمل هذا الحديث دُون أن أُحيّي الأخ السفير، شيخ العرب، علي الحمّادي الذي فاضت فضائله على شعب السُودان، والتي ليس آخرها، بحال، اتّفاق الدوحة، تقديراً لجهوده ودوره في تحويل فكرة الدور القطري في تسوية أزمة دارفور من محض حلم إلى حقيقة ماثلة. أما أدناه فنص المُذكرة قصّة هذا المقال.
تسوية أزمة دارفور.. الدور القَطَري
الخرطوم 17 يونيو2008
ستُ سنوات ونيف مضين مُنذ اندلاع دورة العُنف المستمرة في دارفور، ما أصبح يُعرف ب «أزمة دارفور». على الأرض لم يتوقف العُنف، بالرغم من حضور عسكري إقليمي ودولي كبير الحجم، بل تعدّدت أشكال التعبير عنه، من قتال بين القوات النظامية وحركات التمرُد في دارفور إلى اقتتال بين القبائل، إلى عُنف قَطع الطريق. وهذا وضعٌ يخلّف على الأرض واقعا إنسانياً يصعّب وصفه بكونه طبيعياً، وهو وضع قابل لبلوغ درجة جديدة من السُوء على خلفية تحذيرات السُلطات الولائية من أزمة غذاء وشيكة، إن لم تكن قد حلّت بالفعل.
وسياسياً تمدّدت أزمة دارفور خلال هذه السنين الست من كونها قضية احتجاج إقليمي «داخل السُودان» لتغدُو ملفّاً سياسياً قومياً، إقليمياً ودولياً، بما يفوق ما كان متصوّراً في أقصى تقدير وخيال. وها هو العامل الدولي يبلُغ درجة من التعقيد بتدخل قُوى يبلغ التعامل معها في الثقافة السياسية السُودانية مبلغ التحريم. هذا فضلاً عن كون الوصاية الدولية على الملف الدارفوري تغدُو، الآن، قيدا على سيادة الدولة السُودانية في التعاطي مع دارفور، ومع بعض ملفاتها القومية المتأثّرة بتداعيات أزمة دارفور.
وعلى صعيد العملية السياسية المستهدفة التوصّل إلى تسوية سياسية سلمية للأزمة، فإنّ إتّفاق أبوجا «مايو 2006م» يراوح تنفيذه ما بين نجاح محدود وعجز كبير عن الوفاء باستحقاقات الاتّفاق، لأسباب متعدّدة، لا يمكن تحميل مسؤوليتها كاملة طرفاً دُون الآخر. أمّا مساعي إلحاق حملة السلاح من غير الموقّعين على اتّفاق أبُوجا، فهي الأُخرى لم تحقّق، بعد، الحدّ الأدنى من النجاح المأمول.
وفيما يسُود هذا الحال من المراوحة بين الأمل واليأس، وقع، في العاشر من مايو الماضي، حادث الهُجوم المسلّح الذي شنّته حركة العدل والمساواة على عاصمة البلاد والذي لم يُفلح في تجاوز مدينة أُم دُرمان باتّجاه العاصمة الخُرطوم. وإذا كان الهجوم، بحسابات المراقبين قد جاء انتحاريّاً في الأساس، إلا أنّه بواقعته، وبرد الفعل الذي صاحبه وبدورة ردّ ردّ الفعل، يمثّل منعطفاً خطيراً في مسيرة أزمة دارفور، ما يتطلّب وقفة مراجعة مسؤولة وبعقل مفتوح، تُجهِض تدهوراً محتملاً يتجاوز دارفور إلى البلاد بكاملها.
العامل الجديد في أزمة دارفور هو نقل العُنف المسلّح إلى الخرطوم، بدعوى، أنّ أهل الخُرطوم لن يتفاعلوا لصالح إيجاد حل لأزمة دارفور طالما ظلّوا بعيدين عن ألسنة لهيبها، كما يقول بعض منسوبي حركة العدل والمساواة ومشايعيهم من حملة السلاح الدارفوريين في تبرير الهجوم على عاصمة البلاد. وبصفته هذه يمثّل هُجوم حركة العدل والمساواة على العاصمة تطوّراً غير مسبوق في تاريخ النزاعات الأهلية في البلاد من حيث أنّ هذه هي المرّة الأولى منذ تحرير الإمام المهدي للخرطوم في نهاية القرن قبل الماضي، التي تتحرّك فيها قوّات من أطراف ال?لاد مستهدفة دخول عاصمتها للاستيلاء على السُلطة المركزية، أو حتّى لمجرّد إحداث فرقعة إعلامية. ونخشى، على خلفية هذا التطوّر العسكري الميداني لحركات التمرّد في دارفور، ضمن ما نخشى، أن يكون مدخلاً لتوحيد، أو على الأقل، التنسيق بين حملة السلاح الدارفوريين، جنباً إلى جنب إحداث تعبئة واسعة خلفها داخل مجتمع دارفور من المتعاطفين سلفاً مع التمرّد أو من المتأثرين به.
وبسبب هذا الهُجوم، وبسبب ما تبعه من ردود أفعال متراكمة، يبدو أنّ فرزاً يُشابه فرز أبناء البحر وأبناء الغرب في الحقبة المهدوية من تاريخ البلاد آخذ في التشكّل، وعلى نحو مُتصاعد. وتتمثّل خُطورة هذا الفرز في أنّه يمزّق نسيج الكُتلة التاريخية التي شكّلت، ومازالت تُشكّل، القوى الوطنية التي أرست قاعدة الدولة/ الأمّة السُودانية. وفي حال استفحاله بالعجز عن احتوائه باكراً فإنّ فرزاً كهذا من شأنه، لا قدّر الله، أن يحيل البلاد في أركانها الأربعة إلى دار حرب، لا تستثني أحداً. ولو أنّ شيئاً من هذا القبيل قد وقع فإنّ أمن?ا القومي يكون قد نُسف بما يجعل من السُودان حالة أشد بُؤساً وتعاسة من الصومال الراهن. وأن يخضع الأمن القومي السُوداني لتهديد من قبيل كهذا، فإنّ الأمن القومي العربي لن يكون في منجى ممّا سيتأثّر به السُودان، لا قدّر الله!
ما العمل؟
مُنذ اندلاع أزمة دارفور الراهنة، مُنذ نحو سنوات ست، أخذت تتفاعل، على نحو متدرّج خارج سياقها الوطني، إقليميّاً فدوليّاً. فعلى الصعيد الإقليمي بدت الأزمة شأناً إفريقياً على نحوٍ غالب. وزاد من الوقع المؤذي لها كشأن إفريقي تصنيف ساذج للأزمة، بوصفها صراعاً بين العرب والزنوج الدارفوريين، درجت على تسويقه وسائط إعلام غربية ومنظمات غير حكوميّة وناشطون في المسرح الدولي! ونشطت في جهود التعاطي مع الأزمة شخصيات ومؤسّسات إفريقية، خاصّة في غرب إفريقيا التي تمتدّ إليها جذورُ بعض قبائل دارفور المصنّفة، بغير دقّة كافية، قبا?ل زنجية. ولأسباب عُدّة من بينها اصطفاف قبلي من داخل قبائل في دارفور ما بين داعمين لمتمرّدي دارفور وداعمين للموقف الحكومي تجاه الأزمة، بدا الأمر وكأنّ الأفارقة يدعمون المتمرّدين، بينما تصطف الحُكومات والشُعوب والجامعة العربية خلف الحُكومة السُودانية.
وهكذا تمّت «أقلمة» الأزمة بحضور إفريقي بارز من خلال الاتّحاد الإفريقي الذي أسهم وسيطاً في التفاوض بين الحُكومة السُودانية والمتمردين، كما أسهم بتشكيل قوة سلام على الأرض في دارفور. واستضافت عواصم إفريقية عُدّة من لدُن العاصمة الشادية، إنجمينا، إلى العاصمة النيجيرية أبُوجا والعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، المفاوضات بين الطرفين، بل ورعى الرئيس النيجيري الأسبق أوليسيجون أوباسانجو مفاوضات أبُوجا التي انتهت إلى توقيع اتّفاق سلام جُزئي بين متمرّدي حركة تحرير السُودان «بقيادة منّي أركوي مِناوي» والحُكومة السُودانية.?كلّ هذا والجامعة العربية لم تسجّل إلا حُضوراً رمزيّاً في مُختلف مراحل الأزمة.
ومع أقلمة الأزمة بأفرقتها تعاظم في الوقت ذاته تدويل أزمة دارفور، وعلى نحو مُريب. ونشطت في هذا السياق هيئات غير حكومية بعضها يهودي/صُهيوني. وبدا وكأنّ صراعاً حضارياً يُدار باسم أزمة دارفور، إذ فيما تقولب صُورة الحكومة السُودانية بملمح إسلامي مائز لها كمشروع إسلامي، أخذ معارضون لها في الساحة الدولية «الغربية تحديداً» يُديرون حرباً حضارية (Crusade) تستهدف مع الحُكومة السُودانية «ذات الملمح الإسلامي» محيط السُودان الحضاري العربي/ المُسلم. وبهذا التدويل لأزمة دارفور، لا يمكن اجتزاء دارفور من صراع إقليمي أوسع ك?نظومة متكاملة من العراق إلى فلسطين ولبنان إلى السُودان، إضافة إلى تمظهرات له في سياقات ثقافية واقتصادية واستراتيجية من طنجة إلى جاكرتا! ومن الضروري أن نرى الفيل داخل الغُرفة، كما يقول المثل الإنجليزي. فالفيل هو هذا التفكيك للكيان الوطني السُوداني الذي يبدأ من فصل جنوبه عن بقية كيانه الوطني، مروراً بعملية فرز قبلي/ إثني/ جِهوي مسرحها دارفور ليبلغ ذروته المنطقية، في حال عدم احتوائه، في نزاعات بين بُطون القبيلة الواحدة لن يُستثني منها رُكناً من أركان السُودان، في إطار عملية تفكيك لكيان وطني عربي وإفريقي ومُس?م مُجزأ سلفاً.
خُلاصةً: ثمة حاجة، ملحّة، شديدة الإلحاح، لاستكمال رؤية لأزمة دارفور تستوجب دوراً عربيا/ مُسلماً، تقوده قيادة دولة قَطَر. وهو دورٌ غير الذي درجت عليه سائر مكونات الكيان العربي المُسلم عى امتداد تأريخ الأزمة، مؤسّساً على التالي:
«أ». في إطار الدولة السُودانية والمشروع الوطني السُوداني تتّخذ دارفور موقعاً رئيساً باعتبارها مكوّناً قومياً في التاريخ والحاضر وللمستقبل، وهذا هو ما ينبغي أن تنطلق منه رؤية صانع القرار والسياسة العامّة، سُودانياً وعربياً/مُسلماً، لتحديد خيارات التعامل، راهناً ومُستقبلاً، مع أزمة دارفور.
«ب». أولويّة إدارة الأزمة، من بعد استخلاص الدروس والاعتبار، بما يُجنّب السُودان عبر البوابة الدارفورية، الانزلاق نحو عنف متمدّد وانفراط عقدها الوطني الجامع. بكل ما يترتّب على تدهورٍ من هذا القبيل في المُحيط العربي/ المُسلم.
«ج». أولويّة اجتراح طريق إلى الأمام، باعتماد خريطة طريق تنقل السُودان من جراحات الماضي والراهن ومراراتهما بتركيز نظر شعبه وترحيله، إلى المستقبل الذي يسع الجميع، ويُغنيهم عن النزاع بين بني الوطن الواحد والدم الواحد والثقافة الواحدة والمصير المُشترك.
الدور القطري: لماذا وكيف؟
أمّا لماذا: فلا يختلف أُثنان، ومن مُنطلقات موضوعية مجرّدة من الهوى، على توفّر قيادة دولة قَطر على سبقٍ وخبرة، ومع ذلك، استعداد في التعاطي مع ملفّات الأزمات العربية، محقّقة نجاحات مشهودة. ولقد شهد التاريخ القريب وساطة قطرية لإنهاء النزاع المُسلّح بين الحُوثيين والحُكومة في اليمن، ولقطر دور مشهود لرتق فتق النسيج الوطني الفلسطيني، وها هي الدوحة تُفلح، الشهر الماضي، في ترتيب الملف الداخلي اللبناني بنجاح أكيد، بعد أن مضت الظُنون بالبعض حدّ استحالة إنقاذ لبنان من انهيار محقّق.
قَطَرُ ذات مثل هذا السبق والإرادة والقُدرة العملية، تستطيع، كما أشار رئيس الوُزراء، وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم، في تصريحات له نهاية مايو المُنصرم، في دِمشق، أن تفرد جناحها ليندمل جُرح السُودان في دارفور، وليبرأ جُرح الصومال الذي لم يستبق دماً لينزف بعد بلوغ الأزمة الصومالية حالاً من فقر الدم لا قبيل لبلد في محيطها العربي/الإفريقي/المسلم به.
أمّا لماذا، أيضاً: فلا، ولن، تستطيع ليبيا، على ضوء إدّعاء بتورّطها في تمويل وتسليح الهجوم الذي شنته حركة العدل والمساواة الدارفورية كما تزعم مصادر من الحُكومة السُودانية أن تستأنف رعايتها المفاوضات بين متمرّدي دارفور من غير الموقّعين على اتّفاق أبُوجا والحُكومة السُودانية، فهي وفقاً لهذا الزعم طرف في الصراع لا يصلُح وسيطاً لتسويته سياسيا.ً ومصر والجامعة العربية لم تختارا، أصلاً، دور الوسيط الرئيس في أزمة دارفور على امتداد تاريخ الأزمة. ولقد سعت الرياض للعب دور في إطار الأزمة، خاصّة الخلاف بين تشاد والس?ودان، غير أنّ موقفها الذي أدان على نحو صريح ومُباشر هجوم حركة العدل والمساواة الأخير على أُم دُرمان، ربّما خلق حساسية ضدّها وسط حركات التمرّد الدارفورية مشابها لموقف الحُكومة السُودانية، الضِمني، ضد ليبيا. أمّا الدُول الإفريقية والاتّحاد الإفريقي فقد أكملت دورها وسط نجاح محدود وإخفاقات مدوّية. ولا يظهر على المسرح لاعبون آخرون موفور والحظ لتحقيق النجاح المطلوب.
الفُرقاء السُودانيون، الحُكومة السُودانية ومتمردو دارفور غير الموقّعين على اتّفاق أبُوجا 2006 ومُكونات مجتمع دارفور السياسي، ليس راجحاً، بأيّ حال أنّها لن تُرحّب بتوسّط قطري لتسوية الأزمة. فالحكومة تنظر إلى قطر بوصفها صديقاً حميماً، ولقطر تفاهمات وأدوار في ما يبدو تجاه أزمات السُودان الداخلية ومع المجتمع الدولي. والحركات الدارفورية، بما فيها حركة تحرير السُودان جناح عبد الواحد، لا يبدو أنّها ستعارض دور رئيس لقطر في تسوية الأزمة، من واقع مواقفها المُنشغلة بالشأن الإقليمي وبحكم اعتدال مواقفها تلك. والحركة ?لشعبية، الشريك الرئيس للمؤتمر الوطني في الحُكم، يُمكن أن ترى في قطر أقرب الأطراف العربية قاطبة إليها، ومن ثم، أن ترحّب بها لدور في نزع فتيل التدهور من جهة أزمة دارفور، خاصّة أنّ الحركة تنشط منذ حين في مساعٍ مستهدفة تسوية أزمة دارفور، على نحوما هو معلوم.
قَطَر هي الطرف العربي الذي يُمكن أن تنظر إليه الأطراف السُودانية، بما في ذلك معارضو الحكومة من الإسلاميين «المؤتمر الشعبي» وأحزاب اليسار وأحزاب الأطراف، بوصفه الأكثر توازنا للتوسّط لتسوية أزمات السُودان، دارفور وما سواها. وقطر بهذه الهُويّة المحايدة والقُدرة المجرّبة تُعتبر الطرف العربي/ الإقليمي الأوفر حظّا لإنجاز مهمّة التسوية بنجاح باعتبارها أملاً مأمولاً.
أمّا كيف: أمّا التسوية الكفيلة بتجنيب الكيان السُوداني احتمال الانهيار فموضوعها ومسرحها أزمة دارفور. وهذه أزمة متعدّدة الوجوه والأطراف. ولهذا فإنّ التسوية المطلوبة هي التسوية التي تجيء جاذبة لكل، أو أغلب أهل دارفور، وهؤلاء ليسوا هُم حملة السلاح من غير الموقّعين على اتّفاق أبُوجا وحدِهم، وإن كان حلٌ يستثنى أيّاً من حركاتهم سيجيء مثل بطّة عرجاء.
وكلّ أهل دارفور هم الذين وقع عليهم أذى بالغ جرّاء هلاك دارفور الفقيرة تنمويّاً، على نحو خاص، بالحرب، التي ابتدرها، دون شك، الذين لجأُوا إلى حمل السلاح من أبنائهم. وهكذا فالحاجة الأكثر إلحاحا لأهل دارفور هي مشروع مارشال لدارفور يعيد بناء دارفور المهشّمة، بعد أن كانت مهمّشة، على نحوٍ ما، ومشروع مارشال لدارفور مطلوب ليضخ في شرايين اقتصادها المحلّى الدم فتنتعش أسواقها، وتنشأ فيها سُوقُ عمل كفيلة باستيعاب مئات الآلاف من الشباب الذين لم يجدوا بين أيديهم، عند اندلاع التمرّد، سوق عمل أكثر رواجاً من حمل السلاح، فال?حقوا بوظيفة القتال، وخرجوا إلى الميدان، يقتُلون ويُقتلون.
وبرؤية كهذه فالحل مدخله اقتصادي «مشروع مارشال لدارفور»، وهذه هي الجزرة التي تستطيع قَطَر أن تهزّها، هي وشقيقاتها في دُول مجلس التعاون الخليجي. مشروع مارشال لصالح دارفور هو كلمة السر التي ربّما فتحت، عند إطلاقها، مغاليق تسوية نزاع دارفور الطويل اللئيم، ومن ثم تجنيب السُودان مأزق الدخول في مرحلة انهيار، تكون بمثابة سُوس سينخر الأمن الإقليمي من جهة السُودان.
ومع مشروع مارشال لدارفور، وبما أنّ هناك متِّمردين يحملون السلاح، فلا مناص من تفاوض سياسي مع هؤلاء المتمردين يستهدف التوصل إلى ترتيبات أمنية وتفاهمٍ سياسي على مشاركة في السلطة كذلك. وهذه ترتيبات لا تحتاج إلى مزيدٍ من الاسترسال للاتفاق على أهميتها.
التنفيذ.. خريطة طريق
أوّلاً.. ورقة سياسات:
يلزم بدايةً تنظيم لقاء تداول أفكار (Brain Storming)، يُمكن أن تستضيفه الدوحة، يجمع نُخبة من المهتمين من السُودانيين من الخُبراء ومن ممثّلي الحكومة والأطراف الدارفورية، إضافة إلى ممثّلي بعض الهيئات الإقليمية «الاتّحاد الإفريقي، الجامعة العربية، مجلس التعاون الخليجي، مصر، ليبيا، جنوب إفريقيا، إريتريا، تشاد»، والدولية «الأمم المُتّحدة، الاتّحاد الأوربّي، الإدارة الأميركية» وشركاء السُودان الاقتصاديين «الصين، ماليزيا، الهند إلخ».
يستهدف هذا اللقاء تطوير بعض الأفكار المهمّة لتحرير مداخل للتعاطي مع الأزمة لمصلحة تسويتها. كما يستهدف دفع شُركاء السُودان الاقتصاديين والأطراف الدولية ذات الصلة إلى حالة الارتباط (Engagement)، لا سيّما أنّها مطلوبٌ منها أن تصير شريكة في الوفاء باستحقاقات التسوية في صعيدها الاقتصادي، تحديداً.
ويستهدف هذا اللقاء، إلى ذلك، كسب هذه الأطراف، جميعها أو أغلبها، لصالح هذا المسار الجديد للتسوية، إذ ذلك مطلوب لتأمين مسيرة تسوية سلسة، أو، في أسوأ الأحوال، بعوائق أقل مقدورٌ على تجاوزها.
ويعوَّل على هذا اللقاء أن يطوّر من خلال مداولاته، ومن بعد توصّله إلى أفكاره الكُبرى حول التسوية أن يحرّر مخطوطة أفكار من أجل التسوية تمثّل ورقة سياسات (Policy Advice) على غرار، مثلا، ورقة مركز الدراسات الدولية الاستراتيجية (CSIS) حول تسوية أزمة جنوب السُودان في خواتيم القرن المُنصرم.
ثانياً: التحركات الدبلوماسية متعدّدة الأطراف:
تنشيط التحرّكات الدبلوماسيّة مع الأطراف السُودانية، تأسيساً على المؤشّرات التي سيخرج بها لقاء الدوحة لتداول الأفكار حول تسوية الأزمة. ويجدُر أن يُشار إلى أنّ التحرّكات الدبلوماسية يجب ألا تستثني أيّاً من الأطراف الإقليمية والدولية الوثيقة الصلة بملف أزمة دارفور.
ثالثاً.. دبلوماسية توفير موارد مشروع مارشال:
التحرّك مبكّراً لاستقطاب موارد كافية لتمويل مشروع مارشال لدارفور. ويتطلّب هذا التزامات قَطَريّة، ومن بعض دول مجلس التعاون الخليجي، الصين، ماليزيا، الهند، الاتّحاد الأوربّي، الولايات المُتّحدة الأميركية. إنّ نجاح قَطَر في الحُصول على التزامات مبدئية من كلّ أو بعض هذه الأطراف، من شأنه أن يضع في يد القيادة القَطَريّة ورقة مهمّة جدّاً تمنح الدور القَطَري فرص نجاح كبيرة. هذا بالطبع إضافة إلى التزام حقيقي من الحكومة السودانية بالإسهام في رأسمال هذا الصندوق.
رابعاً.. التفاوض:
وضع برنامج للقاءات التفاوُض النظامية (Formal Negotiations). وهذه المرحلة تبدأ بعد استكمال اللقاءات المنفردة بأطراف الأزمة السُودانية. ومن الأفضل أن تُحكم هذه اللقاءات ببرنامج زمني معلوم.
خامساً.. منهج الحسم بالنقاط:
تجميع الاتّفاق بالنقاط بدلا من البحث عن حل جامع شامل مرّة واحدة. وعندئذٍ يتّفق على اعتماد ما تمّ الاتّفاق عليه وعلى ألا عودة عنه، بما يفتح المجال أمام حسم القضايا المعلّقة. وهذا منهج كفيل بالانتهاء إلى اتّفاق في مدى زمني أضيق.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.