بدا في حكم البديهي لدى الخرطوم أن الفرصة الأن مواتية لخلق سلام في دارفور أكثر من أي وقت مضي، حيث شكل مقتل رئيس حركة العدل والمساواة ذهاب اقوى معارضي السلام ، لكن الدور المركزي الذي كان يؤدية خليل ابراهيم بوصفه قائداً لأقوى الحركات المتمردة في دارفور ربما يلقي بظلال سالبة على استقرار الأقليم. فعلى الرغم من مرور قرابة الاسبوع على وفاة رئيس حركة العدل الاّ أن مُضي الايام يُكشف عن المزيد من التفاصيل حول حادثة الاغتيال فلم تذهب رواية حركة العدل والمساواة لسيناريو وفاة خليل بعيدا عن الرواية الرسمية المستندة على?استخدام التقنيات الحديثة فى استهدافه بالدقة القاتلة، فقد أكد الشقيق الأكبر لخليل ابراهيم، جبريل في حديث مع « الصحافة « خبر وفاة شقيقه، لكنه نفى الرواية الحكومية التي تحدثت عن مقتله الى جانب ثلاثين عنصراً من المرافقين له، بعد « تعرضه لاصابة قاتلة» في معارك ضارية دارت في منطقة أم قوزين بولاية شمال كردفان على الحدود بين ولايتي شمال دارفور وشمال كردفان، ووصف جبريل هذه الرواية ب « المفبركة «، لأن ابراهيم قتل « اثر قصف جوي ليلي استهدف معسكر الحركة يوم الجمعة الماضي» على حد تعبير شقيقه. وفيما وصف البيان الصادر عن « العدل والمساواة ، القصف الجوي الذي أودى بحياة زعيمها ب « الدقيق»، فانّ قادة الحركة يرجحون أن يكون استهداف خليل ومن معه قد جرى بمعاونة جهات أجنبية واقليمية، ببساطة لأنه من المعروف عن العمليات الجوية السودانية عدم دقتها. وأوضح جبريل ابراهيم أن رئيس الحركة كان يتحرك ضمن عدة مواكب ولم يكن في مركز القيادة، بل مع القوات، مشيراً الى أن القصف الجوي استهدف بصورة أخص الموكب الذي كان يضمه هو شخصياً، في اشارة الى دقة الغارة. وسواء صحّت رواية الحكومة أو تلك الخاصة بحركة « العدل والمساواة» ، فان الحركة فقدت قائداً فذاً لطالما ظل محافظاً على كيان الحركة رغم التشرذم والانشقاقات العديدة التي أصابتها. ويرى متابعون أن كاريزما خليل ابراهيم هي مصدر القوة الأساسي في « العدل والمساواة» ، فالرجل يجمع بين الدهاء السياسي والحنكة العسكرية التي اكتسبها في ميادين القتال منذ كان شاباً يافعاً. وتمسك خليل بالمنهج الإسلامي مرشداً لحركته الناشئة ، بحسب أدبيات الحركة. ومن أقوال خليل التي تلخّص مطالب حركته: « حركتنا ليست انفصالية، ونطالب فقط بتوزيع عادل للسلطات والثروات، وليست لدينا مشكلة دين، فنحن مسلمون، وليست لدينا مشكلة هوية، ولا قضية عنصرية، قضيتنا هي قسمة السلطة والثروة بعدالة ومساواة». لكن هذه المطالب التى رفعته? العدل لم تستطع الحكومة السودانية أن تلبيها على طاولة التفاوض مع الحركات الدارفورية، فظلت « العدل والمساواة» تعارض جميع الاتفاقيات التي وقعت مع الحركات المتمرِّدة، ومن بينها اتفاق أبوجا عام 2006، ووثيقة الدوحة . وهي اذ تفعل ذلك فانها تحتمي بالاطار القبلي ل»الزغاوة»، التي مثلت الرافد الأول للحركة، والتي كانت كذلك في نظر بعض المراقبين سبباً في اعاقة الحركة عن الوصول الى أهدافها، الأمر الذي تسبّب على مر السنوات في خروج قادة مؤثرين من الحركة، ما جعل من مهمة التكهُّن بمن سيخلف خليل بعد موته عصية على التوقعات،?رغم أن المؤشرات تتّجه حالياً الى شقيقة جبريل ابراهيم، الذي يتولى منصب الأمين العام للعلاقات الخارجية في الحركة، التي أكدت أنها ستسارع الى اعادة تنظيم صفوفها على الصعيدين السياسي والعسكري. وفي السياق كشف « جبريل «عن بقاء القيادة العسكرية في يد القائد العام لقوات الحركة بخيت كريمة، الملقَّب ب «دبجو». أما فيما يخص القيادة السياسية للحركة، فيلفت الى أن المشاورات جارية لتسمية رئيس جديد للحركة، وهو ما «لن يستغرق وقتاً طويلاً» على حد تعبيره. فيما يبدو أن تداعيات مقتل خليل ابراهيم لا تقتصر فقط على حركته، التي تُعَدّ أقوى حركة تمرد في دارفور، بل تمتد أيضاً لتشمل مصير العملية السلمية في اقليم دارفور، حيث يرجح محللون أن مقتل خليل ابراهيم سيؤدي الى ازاحة المعارضين للعملية السلمية من واجهة الأحداث، ويصعد بالمؤيدين للسلام الى الواجهة، وسط ترجيحات حكومية باحتمال عودة حركة « العدل والمساواة» الى التفاوض كاستنتاج بديهي ومحتمل. غير ان القراءات تتعدد حول مستقبل قضية دارفور والعملية السلمية برمتها على ضوء الحادثة، وبرغم التركيز الاعلامي على اثرها البالغ فى اضعاف تمسك الحركات واهل الاقليم بمطالبهم وحقوقهم المعلنة، فان القيادي بحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد نور، حافظ عبد النبي يقلل ل» الصحافة» من ذلك التأثير المتوهم لرحيل خليل، ويقول ان فقدان الدكتور خليل ابراهيم يشكل فقدا عظيما للمقاومة المسلحة في دارفور ولكن هذا لايعني انتهاء الثورة أو التخلي عن الحقوق المشروعة لقوى الهامش، معبرا اعتقاده بان وفاة قائد العدل والمساواة ل?يزيد المقاومة الا صلابة ومنعة لمجابهة دكتاتورية المركز المتسلط ، كما اشار حافظ انها» تشكل التحدي الاكبر لكل الرفاق في ميادين القتال للنيل من هذا النظام وتصعيد العمليات العسكرية في المرحلة المقبلة والاصرار على اسقاط النظام واقتلاعه من جذوره». فيما يشير المتابعون لسلوك حركة العدل يؤكدون أنها لن تعود الى التفاوض من موقف ضعيف، وهو ما أكده جبريل باشارته الى أنه « لن يكون هناك تفاوض بعد طريق القتل الذي سلكته الحكومة»، ليبقى خيار التصعيد العسكري قائماً، ولا سيما بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها خريطة التحالفات العسكرية في السودان، وتحديداً باعلان تحالف « الجبهة الثورية» المؤلفة من عدد من الحركات المتمردة . في المقابل، أكد جبريل التزام حركته بما جاء في ميثاق كاودا «اسقاط النظام في الخرطوم»، طالما كان الآخرون ملتزمين بالعهد. أما بالنسبة الى مصير قياد? « الجبهة الثورية «، الذي كان موضع نقاش مستمر بين الحركات التمردة، فان وفاة خليل، الذي كان المرشح الأبرز لتولي قيادتها، ستسمح بارتفاع أسهم قادة أخرين. وعن هذا الموضوع، لفت القيادي في « «حركة تحرير السودان جناح السلام ذو النون سليمان في تصريح صحفي الى أن مقتل خليل سيزيد من حدة النزاع على قيادة «كاودا»، وخاصة من قبل مناوي، المرجَّح أن يتحول الى الطرف الأبرز في دارفور، ولا سيما أن معظم قادة « العدل والمساواة» كانوا في السابق تابعين له.