لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاغتيال الاقتصادي بين الممانعة والاستسلام
غسيل الأدمغة في الداخل والاحتواء في الخارج
نشر في الصحافة يوم 03 - 04 - 2010

تزامن صدور الترجمة العربية لكتاب الاغتيال الاقتصادي للأمم في وقت يتناسب مع الرغبة في تفسير أسباب وآثار الأزمة المالية العالمية.
أما الدهاء الذي تتسم به الإمبراطورية الحديثة، فيتجاوز قوى الاستعمار الأوروبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر فنحن، قراصنة الاقتصاد، على درجة عالية من الاحتراف، نحن اليوم لا نحمل سيوفا، ولا نرتدي دروعا، أو ملابس تعزلنا عن غيرنا.
تمثل هذه الكلمات ملخص صورة كاملة عايشها، وشارك في صنعها جون بيركنز الخبير الاقتصادي الذي حاول أن ينقلها إلينا في كتابه (اعترافات قرصان اقتصادي) والذي حمل عنوانا عربيا وضعه الناشر العربي تحت اسم (الاغتيال الاقتصادي للأمم) تعبيرا عن الشَرَكْ الذي وقعت فيه بعض دول العالم الثالث لتصبح أسيرة الولايات المتحدة على المستوىين السياسي والاقتصادي، بعد أن يكون الضعف قد قوض أركانها.
وتلقي اعترافات المؤلف جون بيركنز، وهو خبير اقتصادي دولي في الكتاب المعنون ب (Confessions of an Economic Hit Man) الضوء على ممارسات نخبة رجال الأعمال والسياسة في الولايات المتحدة لبناء إمبراطورية عالمية تسيطر عليها الكوربورقراطية Corporatocracy أي سيطرة منظومة الشركات الكبرى على اقتصاد العالم.
وحين صدر الكتاب في نسخته الإنجليزية وصفته (نيويورك تايمز ( الأمريكية بالكتاب الأكثر مبيعا، وتسابقت دور النشر العالمية على ترجمته إلى لغاتها، وكان من بين أهم هذه اللغات الفرنسية والألمانية والروسية.
شغل جون بيركنز خلال أكثر من خمسة وعشرين عاما وظيفة قرصان اقتصادي ضمن مجموعة عمل داخل شركة Main، وهي إحدى الشركات الاستشارية التي تمثل وسيطا بين رؤساء وحكومات دول العالم الثالث من ناحية، وبين مديري شركات اقتصادية أمريكية عملاقة، وسياسيين، وصناع قرار، يسعون لبناء إمبراطورية أمريكية عالمية.
الإغراء بالقروض
كانت مهمة جون بيركنز ومجموعته عقد شراكات مع دول من العالم الثالث لديها إمكانيات وموارد إستراتيجية، وإغراءها بالحصول على قروض ضخمة تصل إلى مئات المليارات من الدولارات من البنوك الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهيئة المعونة الأمريكية، لمساعدة هذه الحكومات في إنشاء مشاريع بنى تحتية، أو الاستثمار في مشاريع ضخمة تحدد حسب قدرات وموارد كل دولة، كمشروعات استخراج البترول، وتصدير المحاصيل الزراعية، وإنشاء شبكات كهربائية وغيرها.
وتتباين وسائل هؤلاء الرجال ما بين تلفيق تقارير مالية، وتزوير انتخابات، ورشوة وابتزاز وجنس وقتل لإقناع رؤساء الدول ورجال الحكومات أو أصحاب النفوذ داخل الدولة بعمليات الإقراض، ومن ثم تحويل هذه القروض قبل أن تصل حتى للبلد المقترضة إلى مجموعة الشركات الأمريكية العملاقة التي تستفيد في النهاية من تلك الأموال كمحصلة مشاريع تنفذها، أو تسيطر بها اقتصاديا على موارد الدول كمرحلة أولى.
وتأتي المرحلة الثانية من منظومة السيطرة على الدولة من خلال اقتراض أكبر مبالغ ممكنة، وكلما كان العميل المقترض أقل قدرة على الوفاء بالديون كان ذلك أكثر نفعا ليقع هؤلاء الزعماء تحت السيطرة حينما لا تستطيع دولهم الوفاء بديون لا ترحم، ويتوالى تدفق أموال الإعانات والقروض ?التي تتعاظم فوائدها- على رؤساء الحكومات نظير انصياعهم لأوامر المخابرات المركزية، والدوائر السياسية الأمريكية، والشركات الكبرى التي يزداد تنفذها ووجودها وسيطرتها على الزعماء ومعها موارد وثروات دولهم النامية لتصب في النهاية في جيوب العائلات الثرية المسيطرة على الشركات العالمية.
تطويع اللغة
بعد كل هذه الصراحة يقف المؤلف مع الخبراء الاقتصاديين الذين قاموا بتطويع اللغة لتغليف إستراتيجيتهم في النهب الاقتصادي، وذلك باستخدام مفاهيم مثل (الحكم الرشيد) و(تحرير التجارة) و(حقوق المستهلك)، بحيث لا تصبح السياسات الاقتصادية جيدة إلا من خلال مخططات الشركات الكبرى للدول التي تقبل هذه المفاهيم, خصخصة الصحة والتعليم وخدمات المياه والكهرباء, أي أن تبيعها للشركات الكبرى وهي مضطرة بعد ذلك إلى إلغاء الدعم وجميع القيود التجارية التي تحمي الأعمال الوطنية، بينما عليها القبول باستمرار أمريكا وشركائها من الدول الصناعية الكبرى في تقديم الدعم لقطاعات أعمالها وفرض القيود لحماية صناعاتها.!
طبع النقد
يفترض بيركنز أن حرية طبع النقد الأمريكي دون أي غطاء هي التي تعطي لإستراتيجية النهب الاقتصادي قوتها، لأنها تعني الاستمرار في تقديم قروض بالدولار لن يتم سدادها.
يحدد المؤلف دوره في استخدام المنظمات المالية الدولية لخلق ظروف تؤدي إلى خضوع الدول النامية لهيمنة النخبة الأمريكية التي تدير الحكومة والشركات والبنوك. فالخبير يقوم بإعداد الدراسات التي بناء عليها توافق المنظمات المالية على تقديم قروض للدول النامية.
في حقيقة الأمر أن الأموال بهذه الطريقة لا تغادر الولايات المتحدة حيث تتحول ببساطة من حسابات بنوك واشنطن إلى حسابات شركات في نيويورك أو هيوستن أو سان فرانسيسكو. ورغم أن هذه الأموال تعود بشكل فوري إلى أعضاء في الكوربورقراطية، فإنه يبقى على الدولة المتلقية سداد أصل القرض والفوائد.
أما المثير في اعترافات المؤلف فهو تأكيده بأن مقياس نجاح الخبير يتناسب طرديا مع حجم القرض بحيث يجبر المدين على التعثر بعد بضع سنوات! وعندئذ تفرض شروط الدائن التي تتنوع مثل الموافقة على تصويت ما في الأمم المتحدة أو السيطرة على موارد معينة في البلد المدين أو قبول إقامة قاعدة عسكرية على أراضيه. ويدلل المؤلف على اعترافه المثير باستعراض نماذج التنبؤ التي يستعين بها الخبير لدراسة تأثير استثمار مليارات الدولارات في بلد ما على النمو الاقتصادي المتوقع لسنوات قادمة ولتقويم المشروعات المقترحة، كاشفا عن خداع الأرقام، فنمو الناتج الإجمالي القومي، على سبيل المثال، قد يكون نتيجة استفادة أقلية من المواطنين النخبة على حساب الأغلبية بحيث يزداد الثري ثراء ويزداد الفقير فقرا. ورغم ذلك فإنه من الناحية الإحصائية البحتة يعتبر تقدما اقتصاديا.
ظروف الخضوع
يحدد المؤلف دوره في استخدام المنظمات المالية الدولية لخلق ظروف تؤدي إلى خضوع الدول النامية لهيمنة النخبة الأمريكية التي تدير الحكومة والشركات والبنوك. فالخبير يقوم بإعداد الدراسات التي بناء عليها توافق المنظمات المالية على تقديم قروض للدول النامية المستهدفة بغرض تطوير البنية الأساسية وبناء محطات توليد الكهرباء والطرق والموانئ والمطارات والمدن الصناعية، بشرط قيام المكاتب الهندسية وشركات المقاولات الأمريكية بتنفيذ هذه المشروعات. وهنا يكشف المؤلف عن الجانب غير المرئي في خطة القروض والمشروعات، وهي تكوين مجموعة من العائلات الثرية ذات نفوذ اقتصادي وسياسي داخل الدولة المدينة تشكل امتدادا للنخبة الأمريكية ليس بصفة التآمر، ولكن من خلال اعتناق نفس أفكار ومبادئ وأهداف النخبة الأمريكية، وبحيث ترتبط سعادة ورفاهية الأثرياء الجدد بالتبعية طويلة المدى للولايات المتحدة.
ديون العالم الثالث
يدلل المؤلف على ذلك بأن مديونية العالم الثالث وصلت إلى 2.5 تريليون دولار، وأن خدمة هذه الديون بلغت 375 مليار دولار سنويا في عام 2004، وهو رقم يفوق ما تنفقه كل دول العالم الثالث على الصحة والتعليم، ويمثل عشرين ضعف ما تقدمه الدول المتقدمة سنويا من مساعدات خارجية. ويسير المؤلف على نهج المفكر اليساري الأمريكي نعوم تشو مسكي في البحث عن كل شرور النظام الاقتصادي الحالي في (الحديقة الخلفية) للولايات المتحدة التي تمثلها دول أمريكا اللاتينية.
ويسجل اعترافا فحواه أنه وزملاءه توصلوا إلى دفع الإكوادور نحو الإفلاس، ففي ثلاثة عقود ارتفع حد الفقر من 50 إلى 70 بالمائة من السكان، وازدادت نسبة البطالة من 15 إلى 70 بالمائة، وارتفع الدين العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار، وتخصص الإكوادور اليوم قرابة 50 بالمائة من ميزانيتها لسداد الديون.
التصفية الجسدية
يسرد بيركنز بالتفصيل كيف ارتبط عملهم في الاغتيال الاقتصادي بالتصفية الجسدية للرؤساء المعارضين، فعندما فشل هو وزملاؤه في استمالة الرؤساء الوطنيين في عدد من دول أمريكا اللاتينية، تدخل فريق آخر من القراصنة، وهم ثعالب المخابرات المركزية الأمريكية، لينفذوا مهامهم بالقتل والاغتيال وتدبير حوادث إسقاط الطائرات الرئاسية واغتيال المعارضين على نحو ما حدث في غواتيمالا وبنما وفنزويلا.
وعلى سبيل السخرية يشير المؤلف إلى أن رئيس فنزويلا هوغو شافيز الذي شق خطا اقتصاديا وطنيا مدين بالفضل لصدام حسين في إنقاذه من الغزو والتدمير لأن الولايات المتحدة انشغلت في العراق في 2003 ولم تتمكن من إكمال انقلابها المدبر بإبعاد شافيز عن البلاد، فعاد بمساندة الجيش بعد أقل من 72 ساعة.
آليات السوق
أدى تركيز سلطة اتخاذ القرار في أيدي القطاع الخاص في الحياة الأمريكية إلى استخدام آليات السوق لتوجيه وضبط الأفكار والمشاعر العامة بحيث اقتصر دور رجل الشارع في كونه مستهلكا ومتفرجا وليس مشاركا، وحيث إن صوت الشعب يجب أن يسمع في المجتمعات الديمقراطية فلقد تمكن أصحاب المصالح الأمريكية من تجاوز هذه الإشكالية من خلال غسيل أدمغة مستمر.
وتؤدي عملية غسيل الأدمغة إلى أن يصبح حديث المواطن العادي متمشيا تماما مع مفاهيم النخبة الاقتصادية والسياسة، ضمن ما عرف باسم (هندسة الموافقة) فعمليات السيطرة على العقل العام الأمريكي تتم بشكل مستمر ومتكرر وتصل إلى ذروتها في فترات الأزمات بحيث يساق الشعب بشكل دائم إلى إدراك أن الحرب لم تنته وبأن بلاده تحارب (وهي بالأحرى ترتكب مجازر من أجل قضية نبيلة).
ويقابل غسيل الأدمغة في الداخل عملية الاحتواء في الخارج، وهما عمليتان متكاملتان ومتشابكتان حيث يلزم تعبئة المواطنين بالداخل لدفع فاتورة سياسة الاحتواء الخارجية.
احتكار المستقبل
إلى جانب الاحتواء تسعى الإدارة الأمريكية إلى تقسيم العالم إلى مناطق اقتصادية نوعية تخدم كل منها أغراض الشركات الأمريكية: فنزويلا والمكسيك والخليج العربي لشفط النفط، أمريكا الوسطى والكاريبي لاستعباد العمالة الرخيصة وتجميع المنتجات، الصين للاستهلاك وترويج المنتجات الأمريكية.
على هذا النحو فإن ما يريده النظام الأمريكي في حقيقة الأمر ليس التجارة الحرة، بل احتكار المستقبل لمصلحة منظمة (الشركة الأمريكية) في حرية دخول الأسواق واستغلال الموارد واحتكار التكنولوجيا والاستثمار والإنتاج العالمي، فهي تطالب لشركاتها بحقوق الملكية في مجال الدواء والزراعة (البذور، المبيدات... الخ) التي سيدفع ثمنها الفقراء في الدول النامية متجاهلة الأرباح التي تحققها شركاتها من خلال الحصول مجانا على أسرار أدوية الأعشاب وطرق العلاج الطبيعية الأخرى التي تراكمت خبراتها لدى العالم النامي عبر مئات السنين, متناسية أن الدول المتقدمة لم تطبق نظم براءة الاختراع في مجال الدواء إلا حديثا (إيطاليا في عام 1982 واليابان في عام 1976 وألمانيا في عام 1966) بل أن الولايات المتحدة نفسها رفضت في القرن التاسع عشر دعاوى حقوق الملكية بحجة أنها ستعوق التطور الاقتصادي.
وفي النهاية فإن حالة من الإحباط قد تتسرب إلى نفس القارئ من تلك الشبكة العالمية المهيمنة على مستقبله ومن التآمر الذي يحيق به من كل جانب، غير أن هذا لا يمنع من أهمية الكتاب وما به من معلومات تكشف عن كثير من التفاصيل، ربما تفيد لتجنب ما هو مقبل من أحداث.
اعترافات بالجملة
يحتوي الكتاب على أربعة أجزاء مقسمة حسب المراحل الزمنية التي قضاها مؤلف الكتاب جون بيركينز في خدمة نظام الاغتيال الاقتصادي للشعوب. وتضم هذه الأجزاء الأربعة 35 فصلا لا يتجاوز حجم الواحد منها عشر صفحات.
ويغطي الفضاء الجغرافي الذي يشمله الكتاب العالم بأسره، وإن أولى المؤلف عناية خاصة بدول أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا والمملكة العربية السعودية ودول شبه الجزيرة العربية، وإيران وعراق صدام حسين.
يبرر المؤلف اعترافاته بما حل بكثير من شعوب العالم من كوارث بسبب عمليات الاغتيال والقرصنة الاقتصادية التي مارسها هو وحفنة من زملائه وأدت إلى جلب المآسي الاقتصادية على الشعوب إضافة إلى التخلص من زعماء وقادة وطنيين لقوا حتفهم بسبب معارضتهم تلك المنظومة من الشركات العملاقة والحكومات والبنوك التي تسعى لبناء إمبراطورية عالمية.
حاول المؤلف على مدى ربع قرن الخروج بهذا الكتاب إلى النور وفشل في كل مرة إما بسبب رفض دور النشر الكبرى، أو ما لقيه من تهديد، أو ما خضع له من رشوة.
سجل موثق
حتى لا يتهم المؤلف بأنه يروى قصة خيالية ملفقة فقد استعان بسجل موثق من المقابلات والوثائق المنشورة وغير المنشورة، والسجلات والملحوظات الشخصية جمعها حينما كان يعمل ومجموعة من زملائه خبراء اقتصاديين يعدون دراسات الجدوى والتقارير بما يتوافق مع متطلبات المؤسسات الدولية المانحة للقروض، على أن تذهب هذه الأموال إلى شركات بعينها ذات صلة وثيقة بمن وضعوا التقارير وأعدوا دراسات الجدوى.
ويسرد المؤلف أولى المهام التي تدرب عليها وتمثلت في تشجيع زعماء العالم ليصبحوا جزءا من شبكة اتصالات واسعة تروج لمصالح الولايات المتحدة التجارية، لكي يقع هؤلاء القادة في شراك ديون مرهقة تضمن خضوعهم، فيلجئون إلى قراصنة الاقتصاد ويقعون في مخططاتهم، وكلما طلبوا أموالا وإعانات وجدوا ما يطلبون.
يضمن هؤلاء الزعماء في مقابل انصياعهم لقراصنة الاقتصاد والمخابرات الأمريكية تدفق أموال الإعانات لإنشاء محطات توليد كهرباء، ومنشآت صناعية، ومطارات لمواطنيهم. ومن فترة لأخرى يجد هؤلاء الزعماء أنفسهم مطالبين برد الجميل، فينصاعون لشروط الدائن التي تتنوع بين الموافقة على تصويت ما في الأمم المتحدة أو السيطرة على موارد معينة في البلد المدين أو إقامة قاعدة عسكرية بأراضيها أو إغماض العين عن غزو بلد مجاور.
سلاسة وتهكم
يستخدم المؤلف لغة سلسلة وأسلوب تهكمي في طرح الأسئلة المحورية، ومن بينها: لماذا يهاجمنا الإرهابيون؟
ويجيب المؤلف عن السؤال ب (لأنه في الوقت الذي تنفق فيه الولايات المتحدة أكثر من 87 مليار دولار لتقود حربا في العراق، تقدِّر الأمم المتحدة أنه بأقل من نصف هذا المبلغ يمكننا تأمين المياه النظيفة، والتغذية الكافية، والخدمات الصحية، والتعليم الأساسي لكل إنسان على وجه الأرض).
واقع الحال أن قراءة هذا الكتاب الذي نقله للعربية الأستاذ مصطفى الطناني والدكتور عاطف معتمد، رحلة ممتعة من جهة أنه مصدر مهم لفضح الوسائل والطرق المخادعة للسيطرة على الشعوب واستعمارها بأقنعة مختلفة.
وفوق ذلك هو كتاب خطير بما يحوى من حقائق وروايات أتت من أعماق واقع مخفي وغير معلن، ظاهره المساعدات والمبادئ النبيلة وباطنه احتلال من نوع خاص للثروات الأموال، حقائق أشبه بحلم مزعج من شدة شرها وتمكن خبثها من التلون والإختفاء طوال هذه السنوات.
يعكس الكتاب اعترافات قرصان اقتصادي كتبت بمداد من مستقبل أجيال ودماء شعوب وأحلام أمم.
هذا كتاب مهم جدا، بل من أهم الكتب التي يتعين على كل المهتمين بالشأن العام قراءته.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.